أبو ظبي – صوت الامارات
كشف خبراء في أسواق المال، أنّ آلية "صانع السوق"، التي أكمل سوق أبوظبي للأوراق المالية، وبنك أبوظبي الوطني، ترتيبات بدء عمل البنك بها خلال أيلول/سبتمبر الجاري أو تشرين الأول/أكتوبر بأعلى تقدير، ستسهم في ضبط التعاملات والمحافظة على توازنها من التقلبات الحادة، وتعزيز الثقة في تداولتها، وهو ما يساعد في زيادة معدلات السيولة، وجذب المزيد من الاستثمارات.وسيشكل بدء البنك العمل بهذه الآلية نقطة تحول في نشاط الأسواق المالية المحلية، من خلال وجود صانع السوق الأول منذ تأسيسها.وتمّ الاتفاق، خلال الاجتماع الأخير بين مسؤولين في السوق والبنك، على آليات عمل صانع للسوق، وفقاً للنظام الذي أصدرته هيئة الأوراق المالية والسلع العام الماضي، في إطار سعيها إلى تطوير عمل الأسواق التي جرى ترقيتها إلى ناشئة، ضمن مؤشرات "مورغان ستنالي" منتصف العام الجاري.ومنحت هيئة الأوراق المالية والسلع، الترخيص الأول لمزاولة نشاط صانع السوق في الدولة لبنك أبوظبي الوطني، في أيار/ مايو الماضي، وذلك بعد أن استوفى الشروط ومتطلبات الترخيص لدى الهيئة. ويأتي هذه الترخيص متزامناً مع الانتعاش والنمو الذي تشهده الأسواق المالية مع انضمامها إلى مؤشرات "مورغان ستنالي" للأسواق الناشئة، الأمر الذي يعزز من درجة الاستثمار المؤسسي في الأسواق المحلية، ويزيد من عمقها وتوازنها.
وأكّد الخبراء، أنَّ وجود صانع للسوق سيلعب دوراً في زيادة استقطاب السيولة المؤسسية إلى الأسواق المالية خلال الفترة المقبلة، وهو الأمر الذي يؤدي إلى جعل التعاملات أكثر عقلانية، ويمنع من سيطرة المضاربات على حركتها، مشيرين إلى أن الأسواق بحاجة لأكثر من صانع سوق لزيادة المنافسة في ما بين هذه الأطراف، وتوفير أفضل الخدمات للمستثمرين.وأوضح الخبير المالي رامي خريسات "نحن ننظر بعين التفاؤل لهذه التجربة المميزة، فالإمارات هي السباقة في هذا الشأن، فلا يوجد دول إقليمية سبقتنا في هذا المجال الذي سيسهم، إذا حسن تطبيقه، في تعزيز السيولة والتسعير العادل، ويوفر نافذه جديدة للاستثمار، بجانب التداول المعمول به الذي يتم من خلاله تنفيذ الأوامر من خلال الوسطاء المعنيين".وأضاف "ما نتطلع إليه كأحد عوامل النجاح، هو الترخيص للصانع الثاني والثالث والرابع، وللأسهم والأوراق المالية كافة، وبأكثر من صانع لكل سهم، ما سيزيد المنافسة ويخلق بيئة صحية، ويوفر خدمات أفضل لجمهور المستثمرين، وبالتالي لا تنشأ لدينا محافظ تحتكر أسهماً بعينها".
وتابع خريسات "من المؤكد أن وجود صانع للسوق سيوفر التوازن والضبط للأسواق، فمن خلال فتح باب الترخيص، وإقبال المؤسسات المالية على الحصول على التراخيص، تقل الفروقات بين السعر الذي يرغب الصانع بالبيع به، والسعر الذي يرغب بالشراء به، وكلما قل الهامش، كان الاستقرار والضبط، فالكل يتنافس في سوق مفتوحة، لاسيّما إذا تم الترخيص لصانع من ذوي الملاءة المالية الجيدة الذي يملأ محفظته بكميات وافرة من السهم، ولديه القدرة المالية على تعزيز محفظته بالمزيد من الأسهم المختص بها، وحسب حاجة السوق، ما يوفر الكميات التي يحتاجها السوق".
وعن أهمية مساهمة صانع السوق في زيادة الاستثمار المؤسسي في الأسواق المالية، رأى خريسات أنَّ "صانع السوق هو أحد أهم أوجه الاستثمار المؤسسي، كونه متداولاً طويل المدى، ويفترض فيه القدرة على الشراء والبيع، وتأمين كمية الأسهم المطلوبة، ولا يهدف للربح السريع من المضاربة، بل هوامش ربحه قليلة، ولديه نظام إشرافي رقابي ذاتي، وعلاقة صناع السوق يجب أن تكون علاقة عكسية مع اتجاه السوق، بمعنى لا يهرب إذا شهد السوق تصحيحاً، فيبيع بسرعة وكثافة، بل يشتري في أوقات النزول والناس تبيع، ويبيع والناس تشتري، وكلها عوامل مشجعة وجاذبة للاستثمار المؤسسي الذي نطمح لزيادة مساهمته في أحجام التداول، لكن يؤخذ عليه وفق التجارب الدولية إذا حدثت تصحيحات قوية طويلة، عدم قدرته على مسايره أوامر البيع الكثيفة التي تتدفق عليه إذا استمرت طويلاً، لاسيّما إذا كان مختصاً في شركات ضعيفة السيولة أصلاً، ما يستوجب أيجاد آليات لزيادة الأسهم المتوفرة للتداول على تلك الشركات، والعمل على تحقيق الاستقرار وخلق بيئة من التداول الأفقي، والحد من التذبذبات الحادة".
وأشار خريسات إلى أنَّ "السوق يحتاج لأكثر من صانع لكل سهم، وكلما زاد العدد كان أفضل، لأن احتكار الأسهم يخلق ضعفاً في السيولة، ويجعل بعض صناع السوق هم الوحيدين الذين يوفرونها، ساعتها ترتفع الفوارق بين سعر البيع والشراء، فتجده يرغب بالشراء الرخيص والبيع بأسعار مرتفعة، وهنا، يأتي دور الهيئة الرقابية والأسواق المالية والبنوك الأخرى، في السعي لترخيص أكبر عدد ممكن من الصناع، وتفعيل الإقراض والاقتراض، ما سيسهم في تحريك الأسهم الجامدة غير المتداولة التي يملكها أصحابها ولا يرغبون بالبيع، فيمكن أن يتم إقراضها لصناع السوق وفق اتفاقات منظمة، مقابل فائدة محددة يتفق عليها وتشرف على تنظيمها الهيئة والأسواق، ونجاحه كما أسلفنا بأن يسير عكس اتجاه السوق، بمعنى، يشتري حين يبيع المستثمرون، ويبيع حين يشترون، وكذلك التركيز على منح الرخص لصناع سوق يختصون بالأسهم شحيحة السيولة، فلا داع للتركيز على الشركات النشطة عالية السيولة، بل يجب التركيز على تنشيط تداول شركات ذات عوائد جيدة، لكن يكمن ضعفها في قلة سيولتها، وأحياناً كثيرة يدفع المستثمرون علاوة لشرائها، أو يخصمون كثيراً من سعرها بهدف بيعها".من جانبه، بيّن مدير إدارة الأصول في شركة المال "كابيتال" طارق قاقيش أنَّ "توفير صانع للسوق يعد خطوة في الاتجاه الصحيح لأسواق مالية أكثر كفاءة، وسيساعد عمل صانع السوق في وجود طلبات وعروض على الأسهم، ما يؤدي إلى زيادة السيولة، وتقليل نسبة الفروقات ما بين سعر السهم المطلوب والمعروض لسهم معين".وفيما إذا كان وجود صانع للسوق سيسهم في ضبط حركة الأسهم، سواء لجهة الصعود أو الهبوط، أبرز قاقيش "ليس بالضرورة في جميع الأحيان. فمثال على ذلك وجود أكثر من 500 صانع سوق في سوق ناسداك الأميركي، ونلاحظ أن الأسواق على مستويات تاريخية، بالرغم من وجود مخاوف اقتصادية".
وأردف أنَّ "أهم الأسباب التي تؤرق المستثمرين عند الاستثمار في الأسواق غير الناشئة، هو عدم وجود السيولة الكافية في السوق، ما يصعب مهمة مدير الاستثمار بالخروج في الوقت المناسب. وبالتالي، فإن وجود مهام صانع السوق سيسهم في تقليل نسبة المخاطر خاصة على المستثمرين من المؤسسات".