واشنطن - صوت الإمارات
تتسابق دول العالم من أجل الحصول على التطعيم المضاد لفيروس «كورونا» المستجد، ولكن في الوقت نفسه، ظهر بالفعل تحد آخر لبعض الحكومات والاقتصادات الأكثر ضعفاً.وذكرت وكالة «بلومبرغ» أن أسعار المواد الغذائية حول العالم قد وصلت إلى أعلى مستوياتها، منذ أكثر من ستة أعوام، مدفوعة بحدوث قفزة في أسعار كل شيء، من فول الصويا إلى زيت النخيل، بسبب ارتفاع الطلب من جانب الصين، وضعف سلاسل التوريد، وظروف الطقس السيئة.
وتحذر بعض البنوك من أن العالم يتجه نحو «دورة عملاقة» لارتفاع أسعار السلع. كما يمثل التضخم ضغطاً آخر على المستهلكين المتضررين من الركود الناجم عن تفشي وباء «كورونا»، ومن انخفاض قيمة العملة في بعض الأماكن.وقد اندلعت احتجاجات في السودان منذ مطلع العام، في حين ساهمت المخاوف بشأن تأمين السلع الغذائية في حدوث نزاعات في لبنان وتونس. أما في الهند، فقد ثار المزارعون ضد الجهود المبذولة من أجل خفض الأسعار.من ناحية أخرى، فرضت روسيا والأرجنتين قيوداً على نقل شحنات المحاصيل الخاصة بهما، بهدف تخفيض الأسعار داخل البلاد. وحتى الدول الغنية تفكر في تحديد سقف مقبول لأسعار بعض الأغذية.
ونقلت «بلومبرغ» عن كولين هندريكس، الزميل البارز في «معهد بيترسون للاقتصاد الدولي»، وهو مؤسسة بحثية مقرها واشنطن، قوله إن «هذه القفزات في الأسعار تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، وذلك ليس فقط لأنه يسبب الكثير من المصاعب بالنسبة للمجتمعات والأسر، ولكن أيضاً لأن هناك توقعاً بأن الحكومة سوف تقوم بشيء حيال ذلك»، ويضيف أن «التداعيات سوف تستمر لفترة أطول، وسوف تتجاوز فترة تفشي الوباء».
وكما هو الحال دائماً، فإن التأثير يأتي بصورة غير متناسبة. ففي الدول الغربية الغنية، قد يكون الأمر مجرد مسألة استبدال العلامة التجارية للمنتج. أما في الدول الأكثر فقراً، فمن الممكن أن يعني الفرق الاختيار ما بين إرسال الطفل للتعلم في المدرسة أو إخراجه منها بهدف كسب المال.ومع ذلك، فإن الدول من الفئة الأعلى بين ذات الدخل المتوسط هي التي قد تشهد حدوث أكبر تداعيات حول العالم. إنها بعض أكثر أماكن العالم اكتظاظاً بالسكان، حيث تشكل تكلفة المواد الغذائية حصة أكبر من سلة أسعار المستهلك. كما أنها تمثل الدول التي تتعرض الحكومات فيها لضغط أكبر لكي تتصرف.
ففي البرازيل ذات الضغط الشعبوي، يبرز أكبر اقتصادات أميركا اللاتينية بين الأسواق الناشئة، وذلك لأنها شهدت تسجيل أسرع زيادة في أسعار المواد الغذائية خلال العام الماضي بالمقارنة بالتضخم الكلي بسبب التراجع المستمر في قيمة العملة، بحسب ما ذكرته «أوكسفورد أيكونوميكس ليميتد»، وهي شركة متخصصة عالمياً في مجال التنبؤ والتحليل الكمي في مجال الأعمال.
وتوضح «بلومبرغ» أنه في الوقت نفسه، تتراجع شعبية الرئيس غاير بولسونارو، إلى ما هو أقرب لأدنى مستوياتها القياسية، وهو يحاول إيجاد طرق جديدة من أجل تهدئة الناخبين.وفي 19 فبراير (شباط)، قام بولسونارو بإقالة رئيس شركة النفط المملوكة للدولة، بصورة مفاجئة، بعد خلاف بشأن أسعار الوقود. كما أنه يمارس ضغوطاً من أجل الحصول على مجموعة جديدة من المساعدات من أجل الفقراء، لمساعدتهم على مواجهة أزمة فيروس «كورونا»، وذلك بعد انتهاء المساعدات النقدية في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وتكمن المشكلة في أن الأموال أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية، بحسب ماريا أندريا لاميراس، وهي باحثة في معهد «ايبيا» لأبحاث الاقتصاد. فقد قفزت أسعار الأرز بنسبة 76 في المائة في العام الماضي، بينما ارتفعت أسعار الحليب واللحوم بنسبة تزيد على 20 في المائة. وقالت لاميراس إن «الحكومة قامت بتوزيع الأموال على السكان أصحاب أعلى نسب للإنفاق على المواد الغذائية».وتهدد تكلفة تأمين التغذية الأساسية، بتوسيع فجوة عدم المساواة في دولة تعاني بالفعل من أكبر فجوة دخل في المنطقة، وهو الوضع الذي تفاقم بسبب تفشي الوباء. وحتى في حال عادت المساعدات، فإن الدفعات الشهرية ستكون أقل وستصل إلى عدد أقل من المواطنين، مما سوف يحد من نطاقها في تخفيف الفقر المدقع.
أما في روسيا، فإن الدروس المستخلصة على مر التاريخ بشأن أحداث ارتفاع الأسعار والأرفف الخاوية في المتاجر عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، ما زالت حية لدى كثير من المواطنين الروس. وفي ظل تراجع شعبيته إلى أدنى مستوياتها بسبب الاحتجاجات المطالبة بالإفراج عن زعيم المعارضة المسجون حالياً، أليكسي نافالني، يشعر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين بالقلق حيال التأثير السياسي المترتب على ارتفاع أسعار السلع الغذائية.
وفي نيجيريا، فقد شكّلت العاصفة الهوجاء المتعلقة بارتفاع أسعار السلع الغذائية في الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في أفريقيا، أكثر من نصف مؤشر التضخم في البلاد، وارتفعت الأسعار في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي بوتيرة هي الأسرع منذ أكثر من 12 عاماً. وتنفق الأسرة النيجيرية المتوسطة أكثر من 50 في المائة من دخلها على الغذاء. وتضيف تكاليف الغذاء إلى أزمة تحديات الأمن الغذائي التي ظلت تطارد نيجيريا طوال فترة تفشي وباء «كورونا».
أما في تركيا، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 18 في المائة في يناير، بالمقارنة مع العام السابق، مع تسجيل قفزات حادة في أسعار السلع الأساسية من الحبوب إلى الخضراوات. وقد أمر الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بفتح تحقيق بشأن ارتفاع أسعار المواد الغذائية.وفي حين ارتفعت أسعار المواد الغذائية الرئيسية بوتيرة أبطأ خلال الأسابيع الأخيرة في الهند، ما زال الغذاء يأتي في قلب التوترات السياسية التي تهيمن على الهند. وقد تصاعدت احتجاجات المزارعين بسبب تحرك حكومة رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، من أجل تحرير سوق المحاصيل. ويخشى المزارعون من أن يؤدي القانون الجديد إلى خفض الأسعار.
وقـــــــــــــد يهمك أيـــــــــــضًأ :