دبي - صوت الإمارات
تعي مصر أهمية قناة السويس باعتبارها أهم ممر مائي في العالم وتسعى لإرساء موطئ قدم ثابت عليها عبر تحركات بدأت أخيرا بتوسيعها مرة ثانية تحسبًا لأزمات طارئة كي لا تتكرر حادثة جنوح السفينة "إيفر جيفن" في آذار/ مارس الماضي، وحاليًا شرعت في تدشين خطوط سكك حديدية بمحاذاة القناة لدعم حركة الملاحة فيها، وهي الخطوة التي تعزز دور محور قناة السويس.
,عززت مصر مجال النقل بالسكك الحديدية أخيرا من خلال مشروع ضخم يهدف إلى إنشاء 1800 كيلومتر من الخطوط الحديدية الجديدة، وتم التعارف على تسميته بالقطار الكهربائي السريع.
وأبرمت شركة سيمنز الألمانية عقدا مع الهيئة القومية المصرية للأنفاق مؤخرا لبناء 660 كيلومترا تمثل المرحلة الأولى من المشروع القومي لشبكة السكك الحديدية والتي تشمل تدشين خط يربط البحرين الأحمر والمتوسط، ما يُعد “قناة سويس جديدة” تسير على قضبان حديدية.
وسينقل الخط ما يصل إلى 30 مليون شخص سنويًا ويوفر نحو 50 في المئة من زمن السفر، ويقلل الخط المكهرب انبعاثات الكربون بنسبة 70 في المئة مقارنةً بالنقل الحالي للمركبات، وسيبدأ التشغيل التجريبي بعد عامين.
وتنفذ الشركات المصرية المشاركة مع سيمنز في المشروع الأعمال المدنية والتمهيدية والمحطات والجسر الذي يتحرك عليه القطار، فضلاً عن الأعمال الصناعية من الكباري والأنفاق.
وتضم المرحلة الثانية إنشاء خط من السادس من تشرين الاول/ أكتوبر حتى أسوان بمحاذاة نهر النيل في الجهة الغربية لخدمة التجمعات التنموية والمدن الجديدة بطول 850 كيلومترا، ويتم إعداد الدراسات الفنية له.
أما المرحلة الثالثة فتشمل تدشين خط سكة حديدية يربط بين قنا والأقصر في جنوب مصر مع سفاجا والغردقة على البحر الأحمر بطول 300 كيلومتر.
ويربط الخط البالغ طوله 660 كيلومترا البحر الأحمر بالمتوسط، ما يعزز الدور الريادي لقناة السويس في نقل البضائع ويسهل انسيابها من ميناء العين السخنة إلى ميناء الإسكندرية أو الموانئ الجديدة مثل ميناء جرجوب الجديد في غرب مرسى مطروح بمنطقة النجيلة.
قال خبراء النقل واللوجستيات إن وجود شبكة من خطوط السكك الحديدية بمحاذاة قناة السويس لن يهدد مكانتها أو يؤثر عليها سلبًا، بل سيدعم دورها وسيرسخ موقعها الجغرافي الرائد، علاوة على نقل الركاب أيضًا بسرعة تصل إلى 230 كيلومترا في الساعة، وتنفيذ مشروعات التنمية وتعمير المناطق التي تمر بها السكة الحديدية.
ولا توجد مخاطر تهدد الإيرادات والعملة الصعبة المتدفقة إلى البلاد من جراء وجود خطوط السكة الحديدية، باعتبار أن قناة السويس أحد مصادر النقد الأجنبي، لأن مرور البضائع عبرها أو من خلالها يصب في صالح خزينة البلاد.
وتعد السكك الحديدية أحد المصادر الرئيسية للدخل قبل تأسيس قناة السويس وافتتاحها، ثم عبرت السكك الحديدية مصر لتصل إلى السودان وفلسطين، وكان مخططًا وصولها إلى ليبيا، لكن خوض مصر حروب 1948 و1967 و1973 تسبب في نسف وقطع خط فلسطين بواسطة العدوان الإسرائيلي.
وأكد حسن مهدي، أستاذ هندسة النقل والطرق في كلية الهندسة بجامعة عين شمس في القاهرة، أن خط السكة الحديدية مكمل لقناة السويس، خاصة إذا كانت الحمولات غير ضخمة، فمع وجود سفينة تحمل آلاف الحاويات قد يرفض أصحابها تفريغها ونقلها إلى القطار ثم تفريغها عند الوصول إلى الميناء المستهدف إذ يمثل ذلك ارتفاعا في التكاليف.
ويتم تجهيز عربات نقل البضائع بالقطارات لتحميل البضائع الصلبة بمختلف أنواعها مثل السلع الهندسية والمعدات الكهربائية أو السائلة مثل النفط، وكذلك بضائع السلع الغذائية والاستراتيجية مثل القمح.
ولدى مصر خط سكة حديدية قائم ويعد موازيًا لقناة السويس، ويعمل بوقود الديزل (السولار)، ويربط بين مدن القناة: السويس والإسماعيلية وبورسعيد، ويستخدم لنقل الركاب والبضائع والآليات العسكرية.
تعتزم القاهرة تدشين قطار كهربائي لربط الإسكندرية وبورسعيد بأطوال 250 كيلومترا، وبدأت الهيئة القومية للأنفاق في إعداد الدراسات الخاصة بالمشروع في أغسطس الماضي وسيتم ربطه بموانئ الإسكندرية وبورسعيد ودمياط، وربطه مع الخط القائم (السويس - الإسماعيلية - بورسعيد) ومع الميناء الجاف المزمع تأسيسه في دمياط على البحر المتوسط لتعظيم نقل البضائع بين الموانئ.
وقال المهدي إن “توافر شبكة النقل الملائمة يعتبر شريانا مهما للتنمية على كافة الأصعدة، عمرانيًا وصناعيًا وزراعيًا”، وأرجع سبب تركيز مصر على القطارات حاليًا إلى أنه “لم تطرأ زيادات في أطوال خطوط السكك الحديدية بالبلاد منذ إنشائها، رغم الزيادة السكانية المطردة، فضلاً عن تركز السكان حول الوادي الضيق حيث يعيشون على نحو 6 في المئة فقط من مساحة مصر”.
وتنتهج مصر سياسة التوسع في وسائل النقل عبر السكك الحديدية للخروج من الوادي والانتشار أفقيا وتحقيق جودة الحياة بمختلف عناصرها، وتوفير فرص عمل أكثر، واستغلال الثروات الطبيعية في البلاد.
وتُعد مصر ثاني دولة بعد المملكة المتحدة تُمد فيها خطوط السكك الحديدية، وافتتحت في عام 1856 كأول سكة حديدية في أفريقيا والشرق الأوسط، وبدأ إنشاؤها عام 1834، حيث تم تشييد القضبان بين خط السويس والإسكندرية.
وتتزامن خطوة تدشين القطار الكهربائي السريع مع خطة القاهرة للتحول إلى الاقتصاد الأخضر، لأن ذلك القطار يعتمد في تشغيله على الكهرباء ولا تنتج عنه انبعاثات كربونية، ما يمثل أثرًا إيجابيًا على البيئة، لاسيما مع زيادة إنتاج مصر من الكهرباء، والذي سيزيد مع بدء إنتاج محطة الضبعة النووية قريبًا.
وتعد القطارات عنصرا من عناصر النقل متعدد الأغراض وأكثر أمانًا وأقل تكلفة؛ ومن ثم يؤدي وجود خطوط كهربائية سريعة بين الموانئ الرئيسية في البلاد، مع ربطها بالمشروعات القومية وعلى رأسها محور قناة السويس الذي يسعى لتطوير الأراضي المتاخمة لمجرى القناة وإقامة مصانع ومناطق لوجستية متعددة، إلى فورة في التجارة الداخلية وكذلك تجارة الترانزيت.
ويتبع ميناء العين السخنة على البحر الأحمر المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وتبلغ قدرته حاليا نحو 1.1 مليون حاوية قياس 20 قدما وهو على مساحة تبلغ 300 ألف متر مربع.
كما تجري توسعته لإضافة ساحة أخرى تتحمل 1.8 مليون حاوية، وبه 3 مراسي تخزين للبضائع السائبة يمكنها تداول 20 مليون طن من البضائع سنويًا.
وقال أحمد الشامي خبير اقتصاديات النقل واللوجستيات إن “تلك التوسعات بالميناء لها دور بارز في تحويله إلى مخزن للحاويات لأنه يقع في مدخل قناة السويس من الجنوب، بالتالي زيادة تجارة الترانزيت”.
وأضاف أن ذلك “يسمح للسفن الضخمة التي تتجاوز حمولتها مليوني طن والتي لا تستطيع عبور قناة السويس بإنزال الحاويات الزائدة في الميناء ثم يتلقى القطار الكهربائي تلك الحمولة لتوصيلها إلى الإسكندرية أو العلمين على المتوسط ما يرفع من تنافسية نقل البضائع بالقناة”.
وأوضح الشامي أن تدشين خط السكة الحديدية يدعم التصدير إلى أوروبا من خلال المنطقة الصناعية بالعين السخنة، لأنه يخفض تكلفة نقل السلع المُنتَجة بالمنطقة والمستهدف تصديرها ما يمثل تقليلاً للنفقات، وتحديد سعر تنافسي للسلع المصرية.
وتشهد تلك المنطقة تطويرًا كبيرًا لاستيعاب 12 نوعا من مختلف الصناعات، لاسيما مع توقع بدء العمل بالمنطقة الصناعية الروسية فيها نهاية العام الجاري وجذب صناعات متنوعة، خفيفة ومتوسطة وثقيلة، وتصنيع المركبات والأسمدة والمنتجات الدوائية والمبردات.
ولا يمثل الخط الجديد منافسة لقناة السويس أو تقليلاً لمكانتها، وربما يعد قناة سويس جديدة داعمة ذات معدلات مرور أقل، وستمر بالخط الكهربائي بضائع بمعدل مرور سفينة واحدة من قناة السويس يوميًا، ما يتراوح بين 3 و5 آلاف حاوية.
وأكد فؤاد ثابت عضو جمعية مستثمري بورسعيد أن نقل البضائع من ميناء السخنة إلى الإسكندرية عبر القطار السريع للتصدير إلى أوروبا يمثل خفضا لتكاليف التجارة الداخلية بنحو الثلث، مقارنة مع نقلها بالشاحنات، إذ يتم نقل 100 حاوية بالشاحنة في المسافة المذكورة بنحو 1900 دولار، بينما يتم نقلها بالقطار السريع بنحو 640 دولارا.
وأشار إلى أن “خط القطار الكهربائي يعزز قدرات الموانئ المصرية، كما يرفع معدلات مرور البضائع الوافدة من أوروبا إلى شرق آسيا والتي تمر من ميناءي الإسكندرية والعين السخنة، ولا تحمل أعدادًا كبيرة من الحاويات، وكانت تتعطل حتى تنتظر سفن الفيدر لنقل الحاويات بين الموانئ، ما يبرهن على أن القطارات ذات جدوى اقتصادية تخدم الملاحة في مصر”.
وتابع ثابت “تأتي الخطوة في إطار الرد على بعض الاتفاقات التي عقدتها "إسرائيل" مع دول عربية، والتي تؤدي إلى ضرب إيرادات قناة السويس في مقتل حال بدأ العمل بها، لأنها تمنع مرور ناقلات النفط القادمة من الخليج عبر قناة السويس”.
ورغم إيجابية الخطوة إلا أن تأسيس الشبكة الجديدة تأخر كثيرًا من أجل ربط الموانئ والمدن ببعضها البعض، إذ يستغرق نقل البضائع من القاهرة حتى أسوان جنوبا على سبيل المثال 24 ساعة، وتسعى مصر للتغلب على طول المدة في مرحلة لاحقة بتدشين القطار السريع.
ولفت ثابت إلى أن خط القطار الجديد يعزز سرعة نقل البضائع والحمولات السائبة والسائلة مثل النفط، فضلاً عن أنه يقوي شوكة خط سوميد المصري أيضًا، لنقل النفط من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط والذي يبدأ من العين السخنة ليصل إلى البحر المتوسط عبر ميناء سيدي كرير.
وتفرغ السُفن العملاقة حمولتها من النفط الخام في العين السخنة لتلتقي بها في البحر المتوسط، ما يقضي على الآمال الإسرائيلية في تدشين خط بديل، كما أن ميناءي الإسكندرية والعلمين أقرب إلى أوروبا من الموانئ الإسرائيلية.
قديهمك ايضا
عقب أزمة قناة السويس جنوح السفينة "إليز" في نهر أرون البريطاني
الفنانون العرب يحتفون بتعويم السفينة الجانحة في قناة السويس