بروكسل ـ سمير اليحياوي
أكد البيان الختامي للقمة الأوروبية التي استضافتها بروكسل الجمعة، واستغرقت يومين، على الحاجة إلى الوظائف والنمو والقدرة التنافسية، كما أن عودة النمو الاقتصادي إلى جميع الدول الأعضاء، يعتبر تطوراً إيجابياً، ولكن يحتاج إلى توطيد.
وخلال القمة، ناقش المجلس الأوروبي كيفية الاستفادة على أفضل وَجه من إمكانات السوق الموحدة والتجارة والصناعة في هذا الصدد، مع ضمان أن تعود هذه التطورات بالنفع على جميع قطاعات المجتمع، بحسب البيان الختامي، الذي أضاف: "مما يعكس اهتمام قادة أوروبا بالملفات الاقتصادية في ظل انشغالهم بملفات مكافحة الإرهاب والأمن والدفاع والهجرة"، وذلك من وجهة نظر كثير من المراقبين في بروكسل.
وفي البيان الختامي للقمة، جدد القادة التأكيد على أهمية سوق واحدة، تعمل بشكل جيد، واستمرار العمل على تعزيز النمو، وخلق فرص العمل، وتشجيع الاستثمار والابتكار، مشيراً إلى حدوث تقدم كبير صوب تحقيق الهدف المشترك المتمثل في استكمال وتنفيذ مختلف الاستراتيجيات بحلول 2018.
ومع ذلك، لا تزال هناك ثغرات تحتاج إلى مزيد من الاهتمام، ولهذا شدد قادة أوروبا على ضرورة بذل المزيد من الجهد، من جانب الاتحاد والدول الأعضاء، لتحقيق مستوى الطموح كما ورد في نتائج القمة التي انعقدت في يونيو (حزيران) من العام الماضي، بشأن السوق الموحدة بما في ذلك الخدمات والسوق الرقمية الموحدة واتحاد أسواق رأس المال واتحاد الطاقة.
كما رحب القادة في هذا الصدد باستعراض "نصف المدة" التي أجرتها المفوضية للسوق الرقمية الموحدة، وخطة عمل اتحاد سوق رأس المال، وأشار القادة إلى أن التنفيذ في الوقت المناسب، وإنفاذ التشريعات القائمة على نحو أفضل، هما أمران أساسيان لجني ثمار السوق الموحدة لأوروبا، وسيكون هناك تقرير نهائي حول جميع الجوانب، فيما يتعلق بالسوق الموحدة، سيعرض على قادة أوروبا في قمة يونيو 2018، من أجل وضع الصيغة النهائية لاستراتيجيات السوق الموحدة، والتطور نحو سوق موحدة عادلة ومقبولة في المستقبل، ولهذا دعا القادة من خلال البيان الختامي، المفوضية الأوروبية، إلى مواصلة التفكير في سبل مبتكرة لمعالجة الفرص والتحديات الجديدة والحواجز المتبقية.
كما أجرى القادة تقييما للتقدم المحرز في الصندوق الأوروبي للاستثمارات الاستراتيجية، ودعا المشرعين إلى الاتفاق بسرعة على تعزيز عمل الصندوق وتمديده وفي مجال الصناعة، واستناداً إلى توصيات سابقة بوضع استراتيجية للسياسات الصناعية في المستقبل، يؤكد قادة أوروبا على الدور الأساسي للصناعة بوصفها محركاً رئيسياً للنمو والعمل والابتكار في أوروبا «وتماشياً مع القرارات لسابقة يدعو القادة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لضمان وجود قاعدة صناعية قوية وتنافسية للسوق الموحدة».
ماكرون والاستثمارات الصينية فشل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إقناع شركائه الأوروبيين، بمنح بروكسل سلطات أكبر لمراقبة عمليات شراء المؤسسات في الاتحاد الأوروبي خصوصاً من قبل مستثمرين صينيين لحماية القطاعات الاستراتيجية في التكتل.
ويأتي تخوف ماكرون بعدما قفزت الاستثمارات المباشرة الصينية في الاتحاد الأوروبي بنسبة 77 في المائة العام الماضي، لتصل إلى أكثر من 35 مليار يورو (38 مليار دولار) مقارنة مع عام 2015، في حين هبطت الاستحواذات الأوروبية في الصين للعام الثاني على التوالي، وفقاً لمجموعة «روديوم».وبعد نقاش طويل يوم الجمعة، أعاد رؤساء الدول والحكومات الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المشاركون في قمة في بروكسل، صياغة الخلاصات التي تبنوها حول الموضوع، إزاء معارضة بعض دول الجنوب.
وعلق مصدر أوروبي أن ماكرون الذي يشارك للمرة الأولى في قمة أوروبية منذ تنصيبه «دفع بوضوح باتجاه هذا الاقتراح، لكن دولاً أخرى عارضت»، في إشارة إلى البرتغال واليونان وإسبانيا.فهذه الدول الثلاث بحاجة إلى أموال «للخروج من الأزمات التي تعاني منها» وتخشى أن تعرقل مثل هذه الإجراءات الاستثمارات الأجنبية على أراضيها.في المقابل، أعربت دول أعضاء أخرى مثل دول شمال أوروبا المتمسكة بانفتاح الأسواق عن «شكوكها» إزاء المسألة.
استهدف اقتراح ماكرون الذي دعمته برلين ضمناً خصوصاً المستثمرين الصينيين الذين يثير إقبالهم على شراء الشركات الصناعية الأوروبية المتطورة القلق في السنوات الأخيرة.
وتتعرض الشركات الصينية وهي أحياناً حكومية لانتقادات بأنها تعرض بذلك تكنولوجيا وخبرات متقدمة بكلفة أقل وعبر منافسة غير نزيهة.في عام 2016، شهدت ألمانيا والاتحاد الأوروبي انتقال ملكية المُصنع الألماني للماكينات والمعدات «كوكا» إلى عملاق الأدوات الكهربائية الصيني «ميديا» لقاء 4.6 مليار يورو، دون أن يكون بإمكانهما التدخل.
وأقرت المفوضة الأوروبية لشؤون التجارة سيسيليا مالمستروم المؤيدة لسياسة انفتاحيه وللتبادل الحر بأنها «مسألة حساسة جدّاً على الصعيد السياسي».وشدد ماكرون في مؤتمر صحافي مشترك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إثر القمة، على أن «المنافسة العادلة أفضل من الفوضى»، مشدداً على أنه تم «تسجيل رسمي لطلب تحديد إطار أفضل للاستثمارات الاستراتيجية».
وقال قصر الإليزيه إنه «تم تعديل النص بشكل عام بعد الإقرار بضرورة وجود آلية. ويتعين الآن على المفوضية (الأوروبية) اقتراح مثل هذه الآلية.
وستتابع فرنسا هذه النقطة عن كثب».
لكن الواقع هو أن خلاصات القمة وبعد إعادة صياغتها لم تعد تدعو المفوضية إلى النظر في المسألة بالنيابة عن الدول الأعضاء خلافا لما كان مقرراً في البدء.
وتم حذف كلمة «رقابة» على الاستثمارات من النص.
وتابع المصدر الأوروبي، أن المفوضية ستدرس المسألة في الأسابيع المقبلة.
ومن المتوقع أن يتناول رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر المسألة في كلمته حول حالة الاتحاد في سبتمبر (أيلول) المقبل.
وقال يونكر: «شخصياً أنا أؤيد تماماً موقف الرئيس الفرنسي، وأريد أوروبا منفتحة، وليس سهلة المنال».ودعا القادة الأوروبيون من جهة أخرى الجميع إلى الدفاع عن «تجارة منفتحة ومتعددة الأطراف» وإلى «محاربة الحمائية».
كما أشادوا بدعم الإجراءات الدفاعية التجارية في الاتحاد الأوروبي، التي تهدف إلى مواجهة «الممارسات التمييزية وغير العادلة» التي يمكن أن تقوم بها دول أخرى.
وأجرت المفوضية الأوروبية منذ عدة أشهر إعادة صياغة لتشريعاتها حول التجارة، خصوصاً لمكافحة الإغراق الصيني للمواد الأولية.
وتنص القوانين الجديدة على تطوير نظام احتساب قوانين مكافحة الإغراق، بحيث يتيح فرض عقوبات أكبر على الممارسات التجاوزية.
رغم هذه الخلاصات المشتركة، تواجه دول الاتحاد صعوبات للاتفاق على الصعيد التجاري بين المدافعين عن التبادل الحر والمتمسكين بسياسة تجارية تميل أكثر إلى الحمائية.واستقطبت الحمائية التي يدعو إليها الرئيس الأميركي دونالد ترمب والتهديد المتزايد بالإغراق الصيني والمعارضة الشعبية لاتفاقيات التبادل الحر التي يتفاوض بشأنها الاتحاد الأوروبي (من بينها مع كندا) بعض الدول الأوروبية في الأشهر الماضية.
ولخص دبلوماسي أوروبي الموضوع قائلاً: «الانقسام هو بين الذين يريدون أولاً تجارة عادلة والذين يفضلون قوانين منصفة».وفي بكين، أعلنت وزارة الخارجية أن الصين «ستواصل تشجيع المؤسسات الصينية على الاستثمار في الاتحاد الأوروبي وستطلب منها احترام القوانين والتشريعات المحلية».وعلق متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية: «نأمل أن يؤمن الاتحاد الأوروبي بيئة آمنة وعادلة وغير منحازة ضد المؤسسات الصينية المستعدة للاستثمار أو التي لديها أعمال هناك».
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعهد قبل القمة، الخميس الماضي، بإقناع أوثق حلفاء الصين في أوروبا بأن كبح الاستحواذات الأجنبية في صناعات استراتيجية هو شيء في مصلحتهم، محذراً حكومات الاتحاد الأوروبي من أن تكون ساذجة في التجارة العالمية.وترفض الاقتصادات الأصغر حجماً في شرق وجنوب أوروبا، التي تعتمد على الاستثمارات الصينية، أي خطوات ضد بكين، بل إنها تذهب إلى حد عرقلة بيانات الاتحاد التي تنتقد سجل الصين في مجال حقوق الإنسان.
لكن ماكرون، في أول مشاركة له في قمة للاتحاد الأوروبي، قال إن حرص الدول على أن تكون مقصداً جذّاباً للاستثمار لا يعني تعريض أوروبا لما سماه «فوضى العولمة».وأبلغ الرئيس الفرنسي مؤتمراً صحافياً على هامش قمة زعماء الاتحاد الأوروبي «الأشياء تتغير لأننا نرى فوضى العولمة وعواقب ذلك في بلدانكم. أريد بناء تحالف حول هذه الفكرة».
وأضاف قائلا: «أنا مؤيد للتجارة الحرة... لكنني لا أؤيد السذاجة».وقال دبلوماسيون بالاتحاد الأوروبي إن شراء شركة «كيم تشاينا» الصينية المملوكة للدولة لمجموعة «سينجنتا» السويسرية للمبيدات الزراعية والبذور، وهي أكبر صفقة لبكين في الخارج حتى الآن، أدى إلى تعميق المخاوف في أوروبا من أن الاتحاد يقدم تنازلات في السيطرة على صناعته للتكنولوجيا المتطورة.وقال ماكرون إنه دافع دوماً عن العولمة وحرية التجارة أثناء عمله كوزير، لكن الزعماء يجب أن يستمعوا إلى العمال المتضررين من العولمة.
وأثناء عمله وزيراً للاقتصاد، ترك ماكرون شركات أجنبية تستحوذ على بضع شركات فرنسية كبرى. لكنه منذ أن أصبح رئيساً للبلاد الشهر الماضي سعى إلى حشد التأييد في أوروبا لما يسميه «جدول أعمال للحماية».
ووجد بعض التأييد من ألمانيا وإيطاليا.وكان متوقعاً أن يتفق زعماء الاتحاد الأوروبي يوم الجمعة الماضي، على السماح للمفوضية الأوروبية باستكشاف سبل لتقييد الاستحواذات الأجنبية في مجالات مثل الطاقة والبنوك والتكنولوجيا حيث تسعى الصين للحصول على التقنيات الأوروبية.
لكن مدافعين عن حرية التجارة مثل السويد يريدون تفادي أي إجراءات قد تتعارض مع رفض الاتحاد الأوروبي لسياسة الحماية الاقتصادية التي يروج لها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.