أبوظبي – صوت الإمارات
"أنفق ما في الجيب.. يأتك ما في الغيب".. مقولة قد تنطبق على حالات كثيرة، غير أنها لا تنطبق على حاملي بطاقات الائتمان المصرفية، نظراً لطبيعة العقود التي توقعها البنوك مع عملائها الأفراد، والتي تجعل مقولة "العقد شريعة المتعاقدين" هي الأقرب في هذه الحالة، فعدم تسديد الدفعات المستحقة عليك في الوقت المحدد سيعرضك لغرامات عالية، وفوائد يصلل معدلها السنوي إلى نحو 40%، وإذا لم تلتزم فإن شيكات "الضمان" التي أودعتها لدى البنك ستتحول إلى شيكات "وفاء"، ويمكن تقديمها للجهات المختصة وفقاً للقانون الجزائي.
ورغم أن البطاقات الائتمانية تحولت إلى جزء لا يتجزأ من ضرورات الحياة المعاصرة للأفراد، ولها العديد من الفوائد والمميزات، سواء في التعامل مع العديد من الجهات، أو عمليات الشراء الإلكترونية والمعاملات التجارية بشكل عام، فإن صمام الأمان الذي يملكه عميل البنك هو مدى حرصه على الاطلاع على الشروط كافة، ومعرفة حدود وتواريخ الالتزامات المالية المترتبة على استخدامه للبطاقة، وبالتالي يكون ملماً بتفاصيل التزاماته قبل امتيازاته.
وتساهم بطاقات الائتمان بثلث إيرادات البنوك من قطاع الأفراد، كما أنها المصدر لأكثر من 10% من إجمالي إيرادات البنوك بالدولة، حيث يوجد بالسوق المحلية نحو 5 ملايين بطاقة عاملة، فيما بلغ حجم الأموال التي تم تدويرها من خلال تلك البطاقات نحو 120 مليار درهم خلال 2016، بحسب مصرفيين.
وارتفعت وتيرة العروض الخاصة التي تقدمها البنوك على بطاقات الائتمان خلال الفترة الأخيرة، بضغط من زيادة حدة المنافسة، وتشمل العروض إعفاء من الرسوم مدى الحياة، وإعفاء من رسوم التجديد والإلغاء وميزات أخرى يتمتع بها العميل عند استخدام بطاقة الائتمان، سواء في الحصول على خصومات في بعض المشتريات أو خدمات التوصيل للمطار أو الاستمتاع بخدمة كبار الشخصيات في مطارات الدولة أو الحصول على نقاط يمكن استخدامها في المشتريات وغيرها، لكن الفائدة الشهرية على المبالغ النقدية المستخدمة من هذه البطاقات تصل إلى 3.25% شهرياً، أي ما يعادل 39% سنوياً، وهي بذلك تزيد بأكثر من عشرة أضعاف متوسط سعر الفائدة على القرض الشخصي العادي.
وتفرض بعض البنوك غرامات في حال تأخير سداد قيمة المشتريات بعد بمرور 25 يوماً على تاريخ الشراء، إضافة إلى فائدة تصل إلى 3.25% شهرياً على المشتريات.
وتقدم بنوك أخرى لعملائها فترة سماح "مجانية" لمدة 6 أشهر من دون فوائد، على السحب النقدي، إلا أنها تحتسب "رسوماً" بنسبة تبلغ 4% على المبلغ المسحوب للفترة ذاتها، وهذا يعادل نسبة فائدة سنوية تبلغ 8%، وفي حال تأخر العميل عن التسديد لفترة تتجاوز 6 أشهر يبدأ البنك باحتساب فائدة ثابتة شهرية بمعدل يبلغ 3.25% ما يعادل فائدة سنوية تصل إلى 39%.
ويقول عمرو المنهالي نائب رئيس تنفيذي، رئيس الصيرفة الإسلامية في بنك أبوظبي التجاري، إن بطاقات الائتمان أصبحت جزءاً ضرورياً من الحياة اليومية لأي فرد في المجتمع، وهناك الكثير من الامتيازات التي يمكن للعميل الاستفادة منها بشكل كبير في حال أحسن استخدام البطاقة، لكن المشكلة التي تواجه بعض العملاء أنهم يقومون باستخدام البطاقة، وصرف المبالغ المتوافرة لهم، دون أن يكونوا مطلعين على كامل التزاماتهم، ودون أن يأخذوا بعين الاعتبار تاريخ السداد الواجب عليهم الالتزام به.
وأضاف: "يجب على العميل معرفة تاريخ السداد مسبقاً، وأن يدرك أنه يجب عليه الالتزام بالتاريخ المحدد"، مبيناً أن هذا يختلف من بنك لآخر، فبعض البنوك تعطي فترة سماح تصل إلى 45 يوماً، وبعضها يشترط السداد في تاريخ محدد مثلاً لا يتجاوز اليوم الخامس من بداية كل شهر، والآخر يلزم عملاءه بالتسديد قبل تاريخ 25 من كل شهر، وغيرها، ولذا يجب على العميل أن يعرف مقدماً هذه المعلومات وأن يلتزم بها، حتى لا يتعرض للغرامات والفوائد التي تكون غالباً مرتفعة. كما أوضح أنه يجب على العميل معرفة قدراته المالية، وأن يتصرف وفقاً لذلك، حتى لا يواجه مشكلة في السداد، مؤكداً أن بعض العملاء يقعون في "سوء التقدير".
وأوضح فيليب كينج رئيس الخدمات المصرفية للأفراد في مصرف أبوظبي الإسلامي، أن البطاقات المغطاة توفر العديد من المزايا، بما في ذلك تعزيز راحة المستخدم، والقدرة على شراء الاحتياجات الضرورية مسبقاً، إلى جانب توفير مستوى حماية لحاملها.
وأضاف: "هناك العديد من البطاقات التي توفر مزايا تجارية ممتازة للمستخدم، مثل أميال السفر، والدقائق المجانية للمكالمات الهاتفية، ومزايا للعملاء الذين يجرون حجوزاتهم الفندقية عبر بعض المواقع المتخصصة على شبكة الإنترنت، وخصومات أخرى".
ولكنه أكد أنه من الضروري استخدام البطاقات بطريقة صحيحة للاستفادة منها، مشيراً إلى أنه من المهم أن يقدم البنك ما يلزم لتوعية عملائه بهذا الجانب المهم جداً.
وأضاف كينج: "ننصح جميع حاملي البطاقات بذل قصارى جهدهم لدفع كامل الرصيد المستحق على بطاقاتهم المغطاة لدى استحقاقها.
فالبطاقة في جوهرها عبارة عن نوع من خيارات الدفع، ويجب ألا تستخدم لأغراض التمويل طويل الأجل".
وذكر: "من المهم جداً ألا يقع الناس في فخ الديون، حيث يجدون أنفسهم مندفعين وراء اقتراض المزيد من أجل تغطية ديونهم"، داعياً العملاء إلى عدم اقتناء بطاقات عدة في آن واحد، بل من الأفضل الاكتفاء ببطاقة ائتمان واحدة تقدم أفضل المزايا التي تلائم نمط حياة حاملها. وأضاف: "إنه ينبغي على العميل أيضاً أن يكون يقظاً من أي تكاليف خفية".
وذكر خبير مصرفي، طلب عدم ذكر اسمه، أن سوق بطاقات الائتمان في الدولة سجل تراجعاً في العدد الإجمالي للبطاقات المستخدمة بحدود 5% خلال عام 2016 مقارنة مع 2015، حيث استقر عدد البطاقات الإجمالي عند نحو 5 ملايين بطاقة مستخدمة حالياً في السوق.
وقدر الخبير المصرفي القيمة الإجمالية للإنفاق والسحب النقدي من بطاقات الائتمان بالدولة بنحو 120 مليار درهم خلال العام الماضي، مشيراً إلى أن نحو 95% من إجمالي القيمة هي لحساب المشتريات، بينما السحب النقدي يقدر بنحو 5% فقط من القيمة، أي ما يقارب 6 مليارات درهم، معللاً ذلك بارتفاع تكلفة السحب النقدي على العملاء، حيث يبلغ المعدل الوسطي للفائدة الشهرية 3% على السحب النقدي، ما يعادل فائدة سنوية بنسبة 36% سنوياً، ويتجاوز هذا المعدل، التكلفة التي يدفعها عملاء البنوك على القروض الشخصية بأكثر من عشرة أضعاف.
وأوضح أن إيرادات بطاقات الائتمان تشكل 30% إلى 35% من إجمالي إيرادات قطاع الأفراد لدى البنوك بالدولة، فيما تشكل الإيرادات من قطاع الأفراد نحو ثلث الإيرادات الإجمالية، أي أن الإيرادات التي تحققها البنوك من قطاع بطاقات الائتمان تصل إلى نحو 10% من إجمالي إيراداتها، وذلك كمعدل وسطي للبنوك كافة، مبيناً أن حدة المنافسة ارتفعت بين البنوك في هذا القطاع خلال الأشهر القليلة الماضية.
وأشار إلى أن تكلفة بطاقات الائتمان تعتبر مرتفعة نظراً لارتفاع مستويات المخاطر فيها، لكنه لفت إلى أن الامتيازات التي تقدمها البنوك في الإمارات لعملائها من حملة بطاقات الائتمان، تعتبر الأفضل مقارنة مع الأسواق الأخرى كافة في المنطقة.
وأوضح أن معظم المشاكل في قطاع بطاقات الائتمان ناتجة عن عدم معرفة العملاء بكامل التزاماتهم، وعدم قيامهم بقراءة كامل شروط العقد الذي يوقعون عليه.
وذكر: "معظم العملاء يبحثون عن العروض المجانية، ويكونون سعداء عند تسلم البطاقة، لكنهم يبدأون بالتذمر والشكوى عندما تستحق مواعيد الدفعات لتسديد المبالغ التي أنفقوها!".
وأضاف: "هذه هي المشكلة غالباً، لذا يجب على العملاء معرفة إمكانياتهم المالية بشكل جيد، ومعرفة حدود قدرتهم على الالتزام بالسداد في الوقت المحدد، والاطلاع على الشروط كافة التي يوقعون عليها، والاستفسار عن الالتزامات كافة التي تترتب عليهم، وألا يتوقف اهتمامهم عند حدود الامتيازات التي يحصلون عليها فقط، حتى لا يتعرضون للغرامات أو دفع فوائد أو تكاليف إضافية".
وأكد المستشار الدكتور مصطفى الشربيني خبير القانون أن المبدأ العام المعمول به هو "العقد شريعة المتعاقدين" وأن على كل من طرفي التعاقد الالتزام بما هو متفق عليه، لكن هذه القاعدة القانونية لها شروط، أهمها أن لا يتضمن العقد أية شروط "إذعان" أو شروط مخالفة لنص القانون.
وعرف الدكتور الشربيني "الإذعان" بأنه فرض شروط من أحد أطراف العقد دون أن يكون هناك حرية لمناقشتها أو الاعتراض عليها أو تغييرها أو تعديلها حتى لو كان موقعا عليها، وعندما لا يكون هناك حرية الخيار للطرف المعني للحصول على الخدمات أو التعاملات من جهة أخرى.
وأوضح أن قضايا بطاقات الائتمان بالدولة تستحوذ على نحو 50% من إجمالي عدد القضايا الخاصة بمعاملات البنوك مع عملائها الأفراد.
وذكر: "إن المشكلة في هذا المجال أن الشيكات التي يودعها العميل لدى البنك كأداة ضمان تستخدمها البنوك عادة كأداة وفاء، وذلك لعدم وجود شرط يوضح هذه الجزئية.
في العقود، الأمر الذي يضع العميل تحت طائلة المسؤولية الجزائية، حيث تقدم البنوك الشيك مختوما بما يفيد أنه الارتداد وعدم وجود رصيد، وبالتالي يخضع العميل لعقوبة جزائية نص عليها قانون العقوبات".
وأضاف: إن هذا الشق الجزائي حاضر بقوة في تعاملات البنوك بهذا المجال مع العملاء الأفراد نتيجة لذلك. وأكد الدكتور الشربيني أن العميل ملزم بالشروط التي وقع عليها، وهي مشمولة وواضحة في نص الاتفاقية، من حيث المبدأ، أما الشروط التي يشار إليها مثل عبارة "تنطبق الشروط والأحكام" وإذا لم تكن تلك الشروط واردة في الاتفاقية التي وقع عليه العميل فهو غير ملزم بها لجهله بمحتواها.