بغداد - نهال قباني
حذر مختصون في مجال النفط واقتصاديون من تفاقم مشكلة هدر الغاز المصاحب للحقول النفطية في العراق وأضرارها الاقتصادية والصحية، إذ تشير التقارير النفطية المعلنة من قبل مؤسسات اقتصادية غير حكومية إلى أن العراق يهدر أكثر من عشرة ملايين دولار يوميًا، بسبب عدم استثمار الغاز الطبيعي المصاحب للحقول النفطية، نتيجة عدم وجود خطط استراتيجية من قبل الحكومة العراقية لاستثماره، رغم أن العراق ما زال يشتري غازه الطبيعي من دول مجاورة.ويمكن للغاز المحروق أن يغطي احتياجات العراق من الطاقة، كما أن كمية الغاز الطبيعي المهدر المصاحب للنفط الخام المنتج في آبار البصرة وحدها، تقدر سنويًا بنحو 12 مليار متر مكعب في العام، بحسب ما ورد في دراسات لمؤسسات نفطية غير حكومية.
وكشف الخبير النفطي حمزة الجواهري، مهندس استشاري مختص بإنتاج وتطوير حقول النفط، إن “هدر الغاز موجود ولم يتوقف، فالعراق ينتج اليوم نحو 2000 “مليون قدم مكعب يوميًا” في اليوم ، وهو يستثمر حاليًا من خلال عقد شركة “شل ميتسوبيشي”، وشركة “غاز البصرة” نحو 500 “مليون قدم مكعب يوميًا”، والمفروض أن يتوسع ليصل إلى 1000 “مليون قدم مكعب يوميًا”، وحاليًا لدينا كميات غاز مستغلة بالعراق لأغراض توليد الطاقة الكهربائية أو إنتاج الأسمدة، لكن محدودة، وحسب علمي أن أكثر من نصف الغاز يتم استغلاله، فيما يترك الباقي ليحرق في الأجواء”.
وأرجع الجواهري سبب الهدر إلى غياب منظومة استراتيجية متكاملة لاستثمار الغاز، تقوم بجمعه من الحقول المنتشرة عبر العراق من شماله إلى جنوبه.أما عن أسباب حرق الغاز في الأجواء، فقال إن “إنتاج الغاز يحتاج إلى منظومة استراتيجية متكاملة، تجمع الغاز من الحقول المنتشرة عبر العراق من شماله إلى جنوبه، لكن المشكلة أن هذه الأنابيب غير موجودة، بل أجزاء قليلة منها فقط، ولا نملك حتى الآن دراسة شاملة لبنية تحتية في كل العراق، في حين أننا نحتاج إلى منظومة غاز متكاملة بتكلفة تبلغ نحو 25 مليار دولار، والعراق لا يستطيع توفير هذه الأموال في الوقت الحالي”.
وأكد المتحدث باسم وزارة النقط العراقية، عاصم جهاد، أن “أسباب التأخير في استثمار الغاز المصاحب للحقول النفطية هي الظروف الصعبة التي عاشها البلد طيلة السنوات العشرة الماضية، والتي أسهمت بشكل كبير في تدمير بنيته التحتية بالكامل، كما أن استثمار الغاز يحتاج إلى تكنولوجيا حديثة وأموال ضخمة، علاوة على التحديات الأمنية التي حالت دون وصول الشركات الاستثمارية للعراق”.
ولفت جهاد إلى أن “هناك كميات كبرى من الغاز في باطن الأرض، لكن الغاز المصاحب هو الأكثر بطبيعة الحال، ولأجل ذلك تم الإعلان عن جولات التراخيص الأخيرة لتطوير ثلاثة حقول غازية، هي عكاز في المنطقة الغربية والمنصورية في ديالى وسيبا في البصرة”. وزارة النفط العراقية، أكدت أن الغاز الكلي للعراق واحتياطاته يمثل 70 في المائة منها غاز مصاحب لإنتاج النفط، و30 في المائة حقول غاز حر، أما الإنتاج الحالي فيمثل 100 في المائة غاز مصاحب، مع العلم أن الاحتياطي المثبت من الغاز الطبيعي للعراق يبلغ نحو 127 تريليون قدم مكعب، إضافة إلى 275 تريليون قدم مكعب من الاحتياطي الممكن والمحتمل استخراجه..
وأعلن الدكتور حامد يونس الزوبعي، وكيل وزارة النفط العراقية لشؤون الغاز، فإن بعض الحقول التي تحوي غازا حرا تقع ضمن المناطق الساخنة الآن، ولذلك كان إنتاج الغاز الجاف أو الغاز المجهز إلى محطات الكهرباء والمصانع، بحدود 700 “مليون قدم مكعب يوميًا”قبل عام تقريبًا، من ضمنها حقول إنتاج الغاز الحر التي توقفت بسبب الأوضاع الأمنية في كل من صلاح الدين وكركوك وغيرها من المناطق المحتلة من قبل “داعش”، “لكننا تمكنا من العودة بالإنتاج من دون حقول الغاز الحر، ووصلنا الآن إلى حدود 1100 “مليون قدم مكعب يوميًا”قياسي من استثمار الغاز يوميًا”.وأضاف: “هناك تقدم سريع في الإنتاج، وخطتنا أن نتمكن من استثمار الغاز بالكامل في نهاية عام 2017 وبداية 2018. أما الكمية الموجودة من الغاز المصاحب، لأجل الاستثمار، فهي 2000 مليون متر مكعب قياسي، ونحن الآن تجاوزنا 50 في المائة من الاستثمار، وفي حالة عادت حقول الغاز الحر سيكون بالإمكان استثمار 2500 قدم مكعب من حقول الغاز الحر”.وحول خطة استثمار الغاز المصاحب، قال الزوبعي: “عملية استثمار الغاز ليست سهلة، فالمنشآت معقدة ومربوطة بكل أنحاء العراق، وهي عبارة عن سلسلة من العمليات الإنتاجية المعقدة، كما أن المنشآت الموجودة سابقًا قديمة وتحتاج إلى التأهيل، و”خطتنا تتضمن تأهيل المنشآت القديمة وخطة أخرى لأجل إنشاء وحدات جديدة للغاز المنتج حاليًا من حقول النفط، لأنه غاز مصاحب للنفط، ولدينا خطة أخرى لنصب منشآت جديدة مع الحقول الجديدة التي سيتم استثمارها، وعموما الكميات متصاعدة، فبعد عام ممكن أن تزيد كمية الغاز بحسب زيادة إنتاج النفط، ولدينا خطة موازية لأجل السيطرة على كامل الغاز المصاحب”.واستدرك: “هناك فقط نحو 7 مليارات قدم مكعب سنويًا تحرق من الغاز في عموم آبار النفط في العراق، بعد أن كان نحو 11 مليار متر مكعب، وهو تقدم يحسب للشركة، خلال عام واحد، ومن المهم أن نذكر أن إنتاج الغاز السائل مثلًا تراجع منذ احتلال الموصل في العاشر من يونيو “حزيران” بنسبة ألف طن من الإنتاج، بسبب احتلال مصافي بيجي وكذلك ألف طن من غاز الشمال، لأن حقول النفط صارت خارج السيطرة”.
ويملك العراق 14 حقلًا نفطيًا، ويبلغ الاحتياطي الكلي للعراق 131 تريليون ““مليون قدم مكعب يوميًا”” من الغاز، ويحتل رقم 11 في الاحتياطي بين دول العالم.وبشأن خطة تطوير استثمار الغاز قال: “لا بد من إيجاد بنية تحتية استراتيجية للغاز في عموم العراق، وتعني أن الغاز بشكل عام يجب أن يبدأ بثلاث مراحل للإنتاج. الخطة تبدأ في الإنتاج والنقل والتوزيع، بمعنى وجود عمل متساو، فما الفائدة إذا أنتجت غازا من دون وجود معمل للفرز، والخطة الاستراتيجية تتضمن تعاونا مشتركا لمراقبة عملية إنتاج الغاز، ابتداء من النفط وفصله حتى مرحلة الاستهلاك”.ويقول الاقتصادي سعود هاشم، نائب رئيس مؤسسة “النهرين لدعم الشفافية والنزاهة”، إن “حرق الغاز لا يفقدنا قيمه الغاز المحروق فقط، بل يسبب تلوثا هائلا في البيئة. وحرق الغاز بهذه الكميات ولا يزال يجعل العراق من أكثر بلدان العالم تلويثا بالغازات المسببة للاحتباس الحراري، وأن انبعاث الغاز يراكم نحو ملايين الأطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون في سماء العراق والمنطقة”. إذ إن الأضرار البيئية لحرق 5.1 مليار قدم مكعب غاز في اليوم جنوب العراق تعني انبعاث 44 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في عام، مما يعادل الانبعاثات السمية الناتجة من أكثر من 7 ملايين سيارة.