شركة النفط "إيني"

ألغى اتحاد صناعات معدات السيارات الفرنسي رحلة كانت مقررة لإيران الشهر المقبل في ضوء التوترات الراهنة بين الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى بشأن اتفاق إيران النووي المبرم في عام 2015، بعد ساعات من إعلان مجموعة "بيجو سيتروين"، (بي إس إيه)، الفرنسية العملاقة عن انسحابها من إيران، بينما قال مُتحدّث باسم شركة النفط الإيطالية العملاقة "إيني" إن الشركة ليس لديها انكشاف ملموس على إيران، وإنها مِن ثمّ لن تتأثر بالعقوبات التي أعلنتها الإدارة الأميركية.

وقال متحدث "إيني"، الأربعاء، إن الشركة استردت جميع المدفوعات التي كانت متأخرة عن قيمة استثمارات سابقة في أنشطة المنبع الإيرانية، وإنها لديها فقط عقد لتوريد النفط متبقٍّ لشراء مليوني برميل من الخام شهريا، وأضاف في تعليقات أرسلها عبر البريد الإلكتروني: "العقد.. سينتهي أجله آخر العام".

وهدّدت الولايات المتحدة بفرض عقوبات ثانوية على الشركات الأوروبية التي تنفّذ أنشطة تجارية مع طهران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي المبرم معها في عام 2015، ويبحث الاتحاد الأوروبي، الذي كان في يوم من الأيام أكبر مستورد للخام الإيراني، عن سُبل لحماية الاتفاق النووي والاستثمارات التي تنفّذها الشركات الأوروبية، لكن مخاطر التعرض لعقوبات وفقد القدرة على الوصول إلى النظام المالي الأميركي جعلا شركات كثيرة تعيد تقييم خططها.

وفي مايو/ أيار الماضي، أعلنت "توتال" الفرنسية أنها قد تنسحب من الاستثمار في حقل "بارس" الجنوبي للغاز في إيران إذا لم تستطع الحصول على إعفاء من الحكومة الأميركية.

وقالت "إيني" إن التقييمات التي أجرتها إلى الآن في ما يتعلق بأنشطتها المحدودة في إيران لم تشر إلى أي حاجة لطلب إعفاءات محددة، وأوضح متحدث باسم الشركة أنه في أي حال من الأحوال، سيتم تنفيذ هذه الأنشطة فقط بالدرجة التي تسمح بها العقوبات.

وتأتي تصريحات "إيني" في وقت تزداد فيه الضغوط على الشركات الأوروبية، خصوصا الفرنسية. وألغى اتحاد صناعات معدات السيارات الفرنسي رحلة كانت مقررة لإيران في يوليو/ تموز المقبل، وقال جاك موج رئيس الاتحاد: "الرحلة أُلغيت، وسيعقد عوضا عنها اجتماع لنادينا المخصص لإيران في فرنسا لكي ندرس كيفية التحرك في ضوء الأحداث الراهنة".
ويأتي تصريح الاتحاد عقب ساعات من إعلان مجموعة "بي إس إيه" للسيارات أنها بدأت تعليق أنشطة مشروعها المشترك في إيران لتجنب العقوبات الأميركية بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.

وإذا كان إعلان انسحاب "بي إس إيه" من إيران يشكل انتكاسة للاستراتيجية الدولية لهذه المجموعة الفرنسية لصناعة السيارات، فهو يطرح أيضا تساؤلات أكبر بشأن ثقة الشركات بقدرة أوروبا على الصمود بوجه القرارات الأميركية.

وحاولت المجموعة الفرنسية التخفيف من تداعيات هذا القرار، موضحة أن السوق الإيرانية تشكل "أقل من واحد في المائة من رقم أعمالها"، مع أنها من حيث العدد تشكل 12.4 في المائة من عدد السيارات التي باعتها في الخارج عام 2017، وتضم المجموعة العلامات التجارية "بيجو" و"سيتروين" و"أوبل" و"دي إس أوتوموبيل".

وعلقت شركة "إينفست سكيوريتيز" للتحليل المالي على هذا القرار بالقول: "لا بد من وضع هذا الإعلان في إطاره الحقيقي، حيث إن نشاط المجموعة في إيران يتم عبر شركات مشتركة"، وأضافت أن "مجموعة (بي إس إيه) تقر اليوم مع ذلك بأنها أمام سوق كبيرة للسيارات في إيران؛ حيث باعت 444.600 عربة في 2017، وأن هذه السوق يمكن أن تزداد 3 أضعاف بحلول 2030 إلى 3 ملايين وحدة في السنة، أي أكثر من السوق الفرنسية نفسها".

في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، أكد رئيس "بي إس إيه" كارلوس تافار أن إيران ستلعب دورا "مركزيا" في تطوير المجموعة داخل الشرق الأوسط الذي يرتدي على حد قوله أهمية استراتيجية، وأضاف أن إيران "ستكون المصنع الأول" في المنطقة و"قاعدة التزويد الأولى للمنطقة".

وأعلنت واشنطن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات على طهران وأيضا على كل الشركات التي على علاقة مع إيران وأمهلتها ما بين 90 و180 يوما للانسحاب من البلاد.

ويشكل التزام المجموعة الفرنسية بهذه الشروط عقبة إضافية لها في استراتيجيتها الدولية التي تعاني من الصعوبات مع انهيار مبيعاتها في الصين بين 2016 و2017 وكونها لا تزال بعيدة عن تحقيق أهدافها في روسيا.

لكن المسألة الإيرانية الشائكة تتجاوز إلى حد كبير قضايا استراتيجيات الشركات، فمجموعة "بي إس إيه" ليست أول شركة فرنسية تعلن عزمها على تعليق نشاطاتها في إيران، إذ أعلن رئيس مجلس إدارة شركة "توتال" باتريك بويانيه الأسبوع الماضي أنه من غير المحتمل أن تحصل شركته على إعفاء أميركي يتيح لها مواصلة مشروعها الغازي العملاق.

أما "رينو" التي تملك 43 في المائة من شركة "نيسان" التي تتمتع بحضور قوي في الولايات المتحدة، فلم تعلن موقفها بعد. وكانت "رينو" قررت في 2012 البقاء في إيران خلافا لمجموعة "بي إس إيه" وذلك عند فرض عقوبات أميركية وسجلت قفزة في مبيعاتها في السنتين الأخيرتين.

وعلق فلافيان نوفي، مدير مرصد "سيتيليم" للسيارات: "يعد خطر الدخول في مواجهة مع السلطات الأميركية بشأن إيران كبيرا بالنسبة إلى الشركات الفرنسية ذات الوزن العالمي؛ إذ هي بحاجة إلى الدولار في نشاطاتها ومن غير الممكن تجاهل قرار الولايات المتحدة".​