الرياض _ صوت الإمارات
رسمت المملكة العربية السعودية على مدى عام 2016، والربع الأول من عام 2017، سياسة نفطية عالمية جديدة، حيث لعبت المملكة دوراً رئيسياً في وصول دول منظمة "أوبك" لأول مرة في تاريخها، لاتفاق مع الدول المنتجة من خارج المنظمة، وهو الدور الذي يبرهن على قدرة السعودية في خلق التوازن للأسواق البترولية. وفي اجتماع عقده ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الكرملين أول من أمس الثلاثاء، بحث الجانبان تعزيز التوافق السعودي الروسي حول الاتفاق النفطي الذي قادته المملكة، والذي ضمن لأول مرة في تاريخ المنظمة تعاون الدول المنتجة للنفط من خارج "أوبك"، وعلى رأسها روسيا.وشهد الاجتماع مناقشة فرص تحفيز هذا الاتفاق وتفعيله لتحقيق عوائد إيجابية لتحقيق الاستقرار في أسواق البترول، وهو الأمر الذي يعني مزيداً من التوافق السعودي - الروسي، حول الملف النفطي.
والمتتبع لأسعار البترول خلال العامين الماضيين، يجد أن الأسعار بدأت بموجة انخفاض حادة للغاية، قادت برميل النفط الخام لملامسة مستويات الـ27 دولاراً مطلع عام 2016، جاء ذلك قبل أن تشهد الأسعار استقراراً ملحوظاً بين مستويات 30 و40 دولاراً للبرميل.وما إن بدأت السعودية في منتصف عام 2016 تحركاتها الجادة نحو تحقيق اتفاق تاريخي بين دول "أوبك" والدول المنتجة من خارج المنظمة، حتى بدأت الأسعار في التماسك من جديد، الأمر الذي قادها لاحقاً إلى الارتفاع وبلوغ مستويات الـ55 دولاراً للنفط الخام عقب التوصل لأول قرار من نوعه ينص على خفض الإنتاج.ونص قرار خفض الإنتاج الذي تم التوصل إليه بين الدول المنتجة من داخل المنظمة ومن الدول المنتجة من خارج المنظمة في العام الماضي، على خفض الإنتاج بنحو 1.8 مليون برميل يومياً، وهو القرار الذي بدأ سريان تنفيذه مطلع العام الحالي، وصولاً إلى نهاية شهر يونيو/حزيران.
وفي اجتماع فيينا الأخير، قادت المملكة العربية السعودية حراكاً جديداً يستهدف تمديد قرار خفض إنتاج النفط بواقع 1.8 مليون برميل، لمدة 9 أشهر إضافية، يأتي ذلك في ظل ارتفاع حجم المخزونات، حيث يستهدف القرار وصول مخزونات النفط إلى متوسط مستوياتها خلال السنوات الخمس الماضية، وهو القرار الذي تمت الموافقة عليه، الأمر الذي يعني استمرار تطبيق قرار خفض الإنتاج حتى نهاية شهر مارس/آذار المقبل.وتمثل دول منظمة "أوبك"، عنصراً مهمّاً في تحقيق التوازن في الأسواق البترولية، إلا أن كبار المنتجين من خارج المنظمة، وعلى رأسها روسيا، تمثل اليوم عنصراً لا يقل أهمية في التأثير على حجم الإنتاج، ومستوى المخزونات، وهو الأمر الذي يزيد من أهمية التوافق الحالي بين الدول المنتجة من داخل الأوبك، والدول المنتجة من خارج المنظمة.
وفي هذا الشأن، قال خالد الفالح وزير الطاقة السعودي يوم أمس إن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) والمنتجين المستقلين، ملتزمون بهدف خفض المخزونات النفطية العالمية إلى متوسط خمس سنوات، متوقعاً تحقيق هذا الهدف في المستقبل القريب جداً.وقال الفالح ونظيره الروسي ألكسندر نوفاك في موسكو، إنهما يتوقعان استمرار تعاونهما في أسواق النفط بعد أن ينتهي اتفاق خفض إنتاج الخام في مارس/آذار من العام المقبل.
وقال الفالح وفقاً لـ"رويترز": "إعلاننا المشترك مع روسيا يخلص إلى أنه بينما يمضي هدف استعادة التوازن في سبيله إلى التحقق، هناك حاجة لعمل المزيد من أجل خفض المخزونات صوب متوسط خمس سنوات". وجدد الوزير السعودي التأكيد على موقف بلاده من فعل كل ما يلزم بجانب روسيا للمساعدة في تحقيق استقرار سوق النفط، مشيراً إلى سياسة منفتحة تجاه تقليص فائض المخزون وإعادة التوازن للسوق، فيما قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك: من الضروري وضع مبادئ إطارية من أجل تعاون متواصل مستقر بين (أوبك) وغير الأعضاء حتى بعد انتهاء اتفاقيات فيينا.
وأمام هذه التطورات، تمضي السعودية قدماً نحو تنفيذ إصلاحاتها الاقتصادية التي تعمل عليها، وسط توجه حثيث نحو تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط، كمصدر دخل رئيسي للبلاد، وهو الأمر الذي نصت عليه رؤية المملكة 2030.وفي الوقت الذي تمتلك فيه السعودية القدرة على تحديد بوصلة الأسواق النفطية، نجحت المملكة في تحديد مستويات سعرية للنفط خلال العام الحالي 2017، متوافقة مع موازنتها السنوية، حيث حددت موازنة البلاد مستويات النفط عند متوسطات 50 دولاراً للبرميل، كأكثر الأسعار توقعاً، و45 دولاراً كحد أدنى، و55 دولاراً سقفاً أعلى، وهي المستويات التي لم تخرج عنها أسعار النفط خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام.يشار إلى أن رؤية السعودية 2030 تحمل خريطة طريق لاقتصاد البلاد خلال 15 عاماً، وتضمنت الرؤية أن تنويع اقتصاد السعودية من أهم مقومات استدامته.
وقالت في هذا الشأن: "رغم أن النفط والغاز يمثلان دعامة أساسية لاقتصاد البلاد، فإننا بدأنا التوسع في الاستثمار في قطاعات إضافية، وندرك أن أمامنا تحديات كبيرة ونسعى إلى تخطيها، حيث بلغ متوسط نمو الاقتصاد السعودي خلال الـ(25) سنة الماضية أكثر من 4 في المائة سنوياً، مما أسهم في توفير ملايين الوظائف، ويعدّ وطننا بفضل الله من أقوى 20 اقتصاداً على مستوى العالم، إلا أن طموحنا أكبر، وسنسعى إلى أن نتبوأ مكانة أكثر تقدماً بحلول عام 2030".
ولفتت رؤية السعودية 2030، إلى أن الاستمرار في تخصيص الأصول المملوكة للدولة ومنها الشركات الرائدة والأراضي والأصول الأخرى من شأنه أن يحقق عوائد إضافية ومتنوعة للاقتصاد، مما سينتج عنه زيادة موارد البلاد النقدية، وسيؤدي استثمارها بحكمة إلى إحداث أثر إيجابي على المدى الطويل، وسيتيح ذلك تنمية الأدوات الاستثمارية التي تمتلكها المملكة، خصوصاً صندوق الاستثمارات العامة الذي تهدف السعودية إلى أن يصبح أكبر صندوق سيادي استثماري في العالم، فيما عملت البلاد على زيادة فاعلية إدارة الصندوق وتحسين عوائد استثماراته، الأمر الذي يقود إلى زيادة الإيرادات غير النفطية.