واشنطن – صوت الإمارات
بدأت شركة "غوغل" مفاوضات مع بعض شركات النشر والإعلام الأميركية، مثل محطة "سي إن إن" ومجلة "تايم"، لصناعة وإعداد أخبار ومعلومات مصممة خصيصًا لمشروع "غوغل" الجديد الرامي إلى توجيه الأشخاص من محرك البحث إلى مقالات وصور ومقاطع فيديو محددة صادرة عن وسائل الإعلام التي تدخل في تحالفات مع "غوغل"، بحيث يمكن للمستخدمين تصفحها دون غيرها، أو بسرعة قبل غيرها، عبر هواتفهم الذكية.
وتعليقًا على ذلك نشرت وكالة "بلومبيرغ" العالمية تقريرًا تؤكد فيه أن شركات التكنولوجيا، ولاسيما "فيسبوك" في مجال التواصل الاجتماعي، و"غوغل" في مجال البحث، تقترب كثيرًا من نقطة "اللا عودة" لممارسة نفوذ قوي وواسع النطاق على وسائل الإعلام التقليدية التي تعاني أكثر فأكثر من تراجع الإقبال على مواقعها الإلكترونية الخاصة، وبالتالي تقهقر إيراداتها الإعلانية. وتستغل الشركتان العملاقتان ذلك لعقد اتفاقيات تبقى فيها هي الرابح الأكبر.
وكانت شركتا "غوغل" و"فيسبوك" عقدتا الشهر الماضي سلسلة اجتماعات عمل في الولايات المتحدة وأوروبا، جمعت فيها معظم وسائل الإعلام الكبيرة في قطاعات التلفزيون والصحافة المكتوبة ووسائل النشر الأخرى لتعرض حلولًا أمام ممثلي تلك الوسائل، اتضح أنها عبارة عن "شروط يضعها قوي أمام ضعيف"، بحسب تصريح لأحد كبار الناشرين الألمان الذين حضروا جانبا من تلك الاجتماعات.
وتقول "بلومبيرغ": "إذا أرادت وكالتنا الآن جذب الناس إلى قراءة محتواها، فعليها أن تتأكد أولًا من وجود موادها وعناوين أخبارها على رأس صفحات محرك البحث (غوغل)، أو حاضرة في صفحات مستخدمي "فيسبوك". لذا؛ بدأت شركات التكنولوجيا تملي شروطها على وسائل الإعلام؛ إذ تطلب "غوغل" مثلًا تحميل الصفحات والمواضيع على أجهزة الكومبيوتر والهواتف الذكية من دون أي تأخير على الإطلاق، وتطلب من وسائل الإعلام التي تفرض مقابلًا ماديا لتصفح وقراءة محتواها التوسع في الجانب المجاني، وتجبر مواقع إلكترونية ومعلنين على التكيف مع أهدافها هذه وغيرها. ومن يتجاهل رغبات أو إملاءات "غوغل" و"فيسبوك" و"تويتر" و"آبل" و"سنابشات" يواجه خطر عدم انتشار المحتوى الإخباري والترفيهي الذي ينتجه، وهو يعرف مدى فداحة ذلك لأن لدى "فيسبوك" نحو ملياري مشترك، ولدى "غوغل" 7 منتجات بأكثر من مليار مستخدم لها شهريًا، فضلًا عن مئات ملايين المستخدمين في وسائل التواصل الأخرى.
ويضيف التقرير: "الأمر سيتجاوز ذلك؛ لأن شركات التكنولوجيا باتت هي الآن من يقرر أو يحدد وجهة السير نحو المستقبل. فرئيس "فيسبوك" مارك زوكربيرغ يعتقد أن مستقبل الإنترنت يدور حصرًا حول مقاطع الفيديو قبل أي محتوى آخر. لذا؛ وضعت شركته حوافز للناشرين والإعلاميين والمشاهير تشجعهم على صناعة أفلام فيديو توضع على منصة "فيسبوك" والمنصات الأخرى ذات الصلة أمام مليارات المستخدمين. ويمكن للشركة إدخال البرمجيات والخوارزميات التي تريدها أو تناسبها هي دون غيرها لجعل المستخدمين أكثر انجذابا إلى مشاهدة مقاطع الفيديو.
يذكر أنه ومنذ أشهر عدة بدأت شركة "فيسبوك" الاهتمام بمحتوى الفيديو بشكل كبير على شبكتها الاجتماعية، وتكلل ذلك هذا الأسبوع بإطلاق خدمة جديدة اسمها "ووتش" لمشاركة مقاطع الفيديو، والتي قد تأخذ حصة كبيرة من مستخدمي "يوتيوب"، وحتى "نتفلكس"، بحسب متخصصين في العالم الرقمي يجزمون أنه يمكن لشركة "فيسبوك" بالأدوات الهائلة التي تمتلكها خلق ديناميكية حول محتوى الفيديوهات لإجبار متصفحي الإنترنت على التكيف مع أهدافها. أما "سنابشات" فقد أقنعت متابعي دوري كرة القدم ومحطات تلفزة مثل "إيه بي سي" بصنع مشاركات ومقاطع فيديو توضع على منصتها الغنية بالمستخدمين الشباب.
ولدى "غوغل" أيضًا قوة إقناع ضاربة، بالنظر إلى العدد الملياري من الناس اللاجئين إلى محرك بحثها، وقناة "يوتيوب" التي تملكها، وهواتف "أندرويد" وغيرها من المنتجات التي يحتاج إليها الناشرون والإعلاميون لبث محتوياتهم على أنواعها.
ويسأل تقرير "بلومبيرغ" عما إذا كان الأمر يستأهل أن "تتحول وسائل الإعلام التقليدية إلى عبيد عند شركات التكنولوجيا من أجل حفنة من الدولارات الإعلانية التي قد لا تأتي"، لأن "غوغل" و"فيسبوك" تستحوذان على معظم الدولارات الإعلانية الجديدة في العالم الرقمي، وحصتها من النمو في هذا القطاع تزيد على 95 في المائة.
على صعيد متصل، صدر عن جامعة كولومبيا الأميركية للصحافة تقريرًا يؤكد هو الآخر هيمنة شركات التكنولوجيا على وسائل الإعلام التقليدية. وقال التقرير: "تحولت وسائل التواصل ومحركات البحث من مجرد ناقل أو موزع للمحتوى، إلى لاعب أساسي في هذا المضمار. وبات الناشرون يسألون أنفسهم عن جدوى الاستثمارات الهائلة التي وظفوها في بناهم التحتية، ولاسيما في مواقعهم الإلكترونية الخاصة، إذا استمر نمو الإقبال على المواد من خلال منصات شركات التكنولوجيا على حساب المواقع الخاصة مباشرة، وكيف للمداخيل أن تنمو في مناخ كهذا انفجر فيه عدد المتابعين بالمليارات بين المنصات المتنافسة، وهل الناشر أمام خيار وحيد مفاده ترك اللعبة تسير كما هي ليحظى بمتابعين أكثر من دون الحصول على المداخيل التي يستحقها؟".
ويشير التقرير إلى دخول علاقات الناشرين وشركات التكنولوجيا في مرحلة "خطرة ومعقدة وغامضة في بعض جوانبها؛ لأن المعادلة غير متكافئة... وسيزداد الاختلال مستقبلًا"، ويستند التقرير إلى بحث أجرته مؤسسة "بيو ريسيرتش" البحثية بداية العام الحالي يشير إلى أن الوصول إلى المحتوى الإعلامي يحصل بنسبة 36 في المائة عبر دخول المواقع الخاصة بالناشرين، مقابل 56 في المائة عبر "غوغل" و"فيسبوك" و"تويتر" ووسائل تواصل أخرى، والباقي عبر الإيميل والرسائل النصية والأصدقاء، ومع الاستخدام الكثيف للهواتف النقالة، فإن هذا الاتجاه يتسع بشكل كبير وسريع، علما بأن المنافذ الإلكترونية لشركات التكنولوجيا بات عددها يربو على 40 منفذا، مع سيطرة لشركتي "غوغل" و"فيسبوك" اللتين تسيطران وحدهما على 65 في المائة من الإيرادات الإعلانية في العالم الرقمي.
ويقول تقرير جامعة كولومبيا إنه "ليس أمام الناشرين ووسائل الإعلام إلا وضع المحتويات والمواد التي ينتجونها بين أيدي هذه المنصات على قاعدة (مكره أخاك لا بطل)؛ لأن العائد على الاستثمار، بالمردود الإعلاني أولًا، يذهب إلى تلك المنصات الإلكترونية بالدرجة الأولى"، فيما يحذر تقرير جامعة كولومبيا من مخاطر أمام وسائل الإعلام في هذا الواقع الرقمي تكمن في 3 جوانب. الأول، هو الخوف على العلامات التجارية وأسماء وتاريخ وسائل الإعلام، طالما أن استهلاك محتواها بات يمر عبر غيرها. والثاني يكمن في أن وسائل الإعلام ستفقد القدرة على معرفة من يتابعها، ولن تستطيع تحديد هويات هؤلاء كما يجب، لأن المعطيات والمعلومات عن القراء والمتصفحين هي بحوزة شركات التكنولوجيا التي تلجأ لتثمير ذلك كما يحلو لها؛ ولاسيما إعلانيا وتسويقيا؛ لذا فإن الخطر الأكبر هو هجرة الإعلانات من التقليدي إلى الرقمي.
لكن التقرير ينصح وسائل الإعلام التقليدية بالتمسك بميزة مسؤولية النشر، وجودة ومصداقية المحتوى، ولاسيما الإخباري منه؛ لأن المنصات الإلكترونية تقع أحيانًا كثيرة ضحية الأخبار الكاذبة والشائعات المغرضة، وهي تدرك ذلك تمامًا، لذا؛ نراها تلجأ إلى عقد اتفاقات مع وسائل الإعلام المعروفة بمصداقيتها لتعزيز المحتوى الرقمي بكل ما هو صحيح من إنتاج أجهزة تحريرية محترفة وحيادية ومستقلة ومتخصصة.