لندن - كاتيا حداد
قرّر وزير المال البريطاني فيليب هاموند الأربعاء، فرض ضرائب جديدة على العاملين المستقلين الذين خرقوا بيان حزب المحافظين البريطاني الذي تعهّد بعدم رفع اشتراكات التأمين الوطني، حيث جاء ارتفاع الفئة الرابعة من معدلات سعر التأمين الوطني لأصحاب الأعمال الحرة، لتضييق الفجوة بينهم وبين العاملين بأجر الذين يفضلون الخضوع لضرائب أكثر، وهو أحد التدابير الواضحة التي شملتها الميزانية الحذرة، والتي شهدت أيضًا تعزيز التوقعات الاقتصادية لهاموند.
ووفقًا لما نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، فمن المقرّر أن تكون الميزانية الجديدة، ميزانية الربيع النهائية، فيما تعرّض هاموند إلى ضغوط شديدة من قبل حزب المحافظين الذي ينتمي إليه بسبب القيود المفروضة على خدمات الرعاية الاجتماعية، حيث تعّهد بتخصيص 2 مليار جنيه إسترليني على مدار السنوات الـ 3 المقبلة لمساعدة المجالس على التكيف، وأعلن هاموند أيضًا عن سلسة من الإجراءات لتهيئة الاقتصاد البريطاني لفترة ما بعد الـ "بريكست" أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك استحداث نظامًا للتعليم المهني بهدف خلق "تكافؤ المكانة" في المقررات الدراسية، وأكد أنه بصدد رفع قيمة اشتراكات التأمين الوطنية من الفئة الرابعة، بحيث تصبح 10% بحلول أبريل/نيسان المقبل، و11% بحلول 2019، وذلك بعد أن كانت صفر%.
وأدان المتحدّث باسم حزب العمال البريطاني، ما وصفه بـ "ضريبة التجار الأحادية"، على الرغم من أن وزارة المال البريطانية صرّحت بأن تلك التغيرات سوف تشمل أولئك الذين تجاوزت أرباحهم حاجز الـ8 آلاف جنيه إسترليني، لافتة إلى أن العديد من هؤلاء سوف يستفيدون من إلغاء اشتراكات التأمين الوطنية من الفئة الثانية التي يدفعها أصحاب الاعمال الحرة، والذي من المقرّر أن يصبح نافذ المفعول في أبريل/نيسان المقبل، وقد تعهّد بيان حزب المحافظين البريطاني لعام 2015، 4 مرات، بأن الحزب لم يزيد من معدلات ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل أو التأمين الوطني، وذلك في البرلمان الجديد، فيما هاجم بشدة حزب العمال البريطاني بسبب احتمالية رفع معدّلات سعر التامين الوطني، وهو ما وصفه رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ديفيد كاميرون، ووزير المال، جورج أوزبورن، بأنها "ضريبة وظيفية".
وفي 2015، كتب أوزبورن على حسابه بموقع "تويتر"، بأنّه "تتمحور تعهدات حزب المحافظين بشأن الضرائب، حول عدم رفع معدلات سعر التأمين الوطني، وعدم رفع سقف الحد الأدنى"، إلا أن المتحدث باسم وزير المال الحالي، شدّد على أن سياسة الحزب لم تخرق أي وعود لأن قانون "تجميد الضرائب" الذي عرضه أوزبورن عام 2015، لم يذكر فئات معينة في التأمين الوطني، مشيرًا إلى أنّ "هذا الأمر لا يوجد في البيان، بل قانون تجميد الضرائب".
وتأتي التغيرات السياسية بالتزامن مع خفض الحد الأدنى للإعفاء الضريبي لأرباح الأسهم، والذي تعتقد وزارة المال أنه يشجّع الأفراد ذوو الدخل العالي على اعتبار أنفسهم شركات ولكن بشكل صوري، ومن المقرّر أن تضمن موازنة 2019-2020 عائد ربح وراء تلك التدابير، حوالي مليار ونصف جنيه إسترليني.
وبيّن هاموند أن "عائدات الضرائب الأقوى مما كنا نتوقعها قد ساهمت في رفع توقعات مستقبل أفضل للاقتراض"، مشددًا على أن استنزاف الفائض الإضافي الذي خلقه من خلال تخفيف الفروض الضريبية والإنفاق في الخريف الماضي، سيكون استجابة خاطئة، مشيرًا إلى أنّ مكتب مسؤولية الميزانية البريطانية قد عدّل من توقعاته للنمو في العام الجاي من 1.4% في نوفمبر/تشرين الثاني إلى 2%، وواصفًا حالة الاقتصاد البريطاني بأنها "لا تتوانى عن إرباك المنتقدين، نحن بصدد الشروع في مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، كما أن هذه الميزانية سوف تأخذ خطتنا إلى الأمام للنهوض بالاقتصاد البريطاني من أجل مستقبل أكثر إشراقًا، فهي بمثابة منصة قوية ومستقرة لمفاوضات بريكست"، وبالإضافة إلى تمويل خدمات الرعاية الاجتماعية، تعهد هاموند أيضًا بتخصيص 100 مليون جنيه إسترليني لخدمات الفرز بهيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، وعرض مساعدة على الشركات التي فرض عليها زيادة أسعار العمل، وذلك في أعقاب ردود فعل عنيفة بين صفوف حزب المحافظين، كما خصّص تمويلاً للمدارس الحرة، وهو ما سيمكنها من تقديم عملية تعليمية انتقائية.
وقوبل قرار هاموند برفع معدلات سعر التأمين الوطني، والتي قالت بشأنها مصادر في وزارة المال إنها سوف تؤثّر على المهنيين الذين يتقاضون أجورًا مرتفعة مثل الأطباء ومراقبي الجودة والشركاء بشركات المحاماة، بموجة غضب عنيفة داخل القطاع ونواب البرلمان الذين أكدوا أن سائقي سيارات الأجرة والعاملين في المجال من بين المتضررين من هذا القرار.
وكشف عضو منظمة التجارة "إيبسي" والمتحدث باسم أصحاب الأعمال الحرة والمستقلة، سايمون ماكفايكر، أنّه "عندما تنظر إلى الدعم الإضافي المعروض على معدلات العمل، يتبيّن لنا أن وزير المال يدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم عن طريق تضييق الخناق على رجال الأعمال والشركات متناهية الصغر"، فيما قال، زعيم حزب العمال، جيرمي كوربين إنّه "لطالما أكّد الحزب على ضرورة شن حملة ضد أكذوبة التوظيف الذاتي، ولكن اليوم يبدو أن هاموند يضع العبء على العمالة المستقلة بدلاً من التوظيف الذاتي، يجب فعل شيئًا ما، لذلك آمل أن هاموند يتمكّن من ضمان الأمن الاجتماعي وتعزيزه في المقابل، إن الحزب لا يدعم سوى سياسة واحدة وهي رفع أجور أصحاب الأعمال الحرة من النساء، وهو ما سيكلف الموازنة 10 ملايين جنيه إسترليني فحسب في السنة الواحدة".
وتساءل المستشار السابق في حكومة الظل، كريس ليزلي، في إحدى جلسات مجلس العموم أنّه "بالنسبة لزيادة اشتراكات التأمين الوطني لأصحاب الأعمال الحرة، ألا تظنوا أن هاموند بحاجة إلى تبرير خرق بيان المحافظين الذي تعهد بعدم رفع الاشتراكات في 2015؟"، إلا أن مركز أبحاث "روزولشن فاوندشين"، أشار في تقرير له إلى أن خطوة هاموند هي خطوة جيدة للغاية في العموم، وهذا يعزوا إلى أن أكثر من نصف أصحاب الأعمال الحرة والمستقلة ستتحسن أحوالهم بحلول عامي 2019 و2020 نتيجة لتدابير التأمين الوطنية، منوّهًا إلى أن هذين التدبيرين يستهدفان أصحاب الأجور المرتفعة، وقال هاموند إن هذين التدبرين سوف يقضيان على عدم التكافؤ بين الموظفين والعاملين لحسابهم الخاص، بسبب الظلم الضريبي.