الحضور خلال مؤتمر مبادرة الاستثمار المستقبلية في الرياض

أبهر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحضور في القاعة المليئة بالمستثمرين من جميع أنحاء العالم، بخطته لبناء "مدينة مستقبلية" بتكلفة 500 مليار دولار، تجذب أكثر العقول ذكاءً في العالم في مجالي الأعمال والتكنولوجيا، وكان ذلك في العام الماضي 2017. لكن هذا العام، لم يحضر "مؤتمر مستقبل الأستثمار" الذي انعقد في الرياض، الكثير من المستثمرين، وذلك احتجاجا على مقتل الصحافي السعودي المعارض، جمال خاشقجي.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، إن مقتل خاشقجي، ألقى بظلاله على مؤتمر الأستثمار، وطموحات ولي العهد السعودي الأوسع لإصلاح اقتصاد المملكة العربية السعودية.

ورأت كارين إي يونغ، وهي باحثة مقيمة في معهد "أميركان إنتربرايز"، أن "خروج برنامج الإصلاح الاقتصادي عن مساره إلى حدٍ ما  هو أزمة سياسية واقتصادية". وقالت: "لا أعتقد أن الأمر قد انتهى، لكنها أزمة واضحة، لأن الأمر يعتمد في الغالب على الاستثمار الأجنبي، وهذا هو أسوأ توقيت."

وبدأت أزمة خاشقجي في الوقت الذي تصارع فيه المملكة العربية السعودية انخفاض أسعار النفط، وتكافح من أجل خلق فرص العمل، ورفع القطاع الخاص بها والحفاظ على الفوائد والمميزات السخية للسعوديين وخاصة الشباب، ولكن الغضب الدولي من عملية القتل أدى إلى تضخيم هذه التحديات، من خلال إثارة الخوف من العديد من الشركاء الأجانب الذين يعتمد عليهم ولي العهد محمد بن سلمان، في المساعدة في تنفيذ إصلاحاته الطموحة. وقد يضعه هذا الأمر في موقف "المعزول" بشكل متزايد في الداخل رغم صعوده السريع إلى السلطة،  حيث سيصبح أقل قدرة على امتلاك دفتر الحسابات العظيم في المملكة، لحل المشاكل في الداخل والخارج.

ومع وجود الأمير الشاب على رأس السلطة منذ 3 سنوات، تمكن من التواصل مع الشركاء من خلال رؤيته الطموحة لمستقبل المملكة، وتحويلها من مكان متحفظ دينيا إلى نحو عالمي ذي اقتصاد متنوع. ولتحقيق ذلك، لم يكن يحتاج إلى تغيير المجتمع السعودي فقط من خلال السيطرة على رجال الدين والسماح للنساء بقيادة السيارات، بل أيضا لإغراء المستثمرين الأجانب للانضمام إلى خططه ووضع أموالهم خلفه. ولكن المخاوف بشأن حكمه والتزامه بسيادة القانون كانت تتصاعد بالفعل، بعد مزاعم احتجازه لرئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، واحتجازه إيضاً لمئات من الأمراء ورجال الأعمال في فندق فخم في الرياض، وشنه للحرب في اليمن، ومشاحناته مع قطر، وألمانيا، وكندا.

وتزايدت هذه المخاوف بعدما ترددت أنباء غير مؤكدة عن تورط عملاء سعوديين بعضهم على علاقة مباشرة بالأمير محمد، في مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، في 2 أكتوبر/ تشرين الثاني، كما أن الروايات المختلفة للمملكة عن مقتل الصحافي المعارض، لم تحسِّن من صورتها.

واختتم المؤتمر السعودي الذي يعرف باسم "مبادرة الاستثمار" في العاصمة الرياض، يوم الخميس، وكان بمثابة أختبار للجهود المبذولة لجهود الإصلاح الواسعة التي يبذلها بن سلمان، وقد قالت الحكومة إن آلاف رجال الاعمال ما زالوا مستمرين، ولكن لاحظ الحضور المتكررون أن عدد الأميركيين والأوروبيين الذين كانوا حاضرين هذا العام أقل، لكن الحضور كانوا من الروس والآسيوين والعرب. وقال محللون إن هذا قد يشير إلى تحول في سعي المملكة إلى إقامة شراكات اقتصادية، إذا أدت قضية مقتل خاشقجي إلى أضرار دائمة بعلاقاتها مع الغرب.
وقال خالد الفالح، وزير الطاقة السعودي، إنه تم توقيع أكثر من 25 صفقة بقيمة 56 مليار دولار، معظمها مع شركات أميركية، لكن 34 مليار دولار من هذه الصفقات كانت مع شركة أرامكو السعودية، الشركة المحتكرة للنفط في الدولة، مما يشير إلى أن المستثمرين يلتزمون بما تشتهر به المملكة العربية السعودية. وأكد الفالح للتلفزيون السعودي: "ستبقى الولايات المتحدة جزءا أساسيا من الاقتصاد السعودي لأن المصالح التي تربط بيننا أكبر من أن تضعفها حملة المقاطعة الفاشلة للمؤتمر".

ولكن الضربة الأكبر حول قضية خاشقجي، أتت في قطاعات كان الأمير قد وصفها بأنها رمز للمملكة العربية السعودية الجديدة، حيث أوقف ريتشارد برانسون، رئيس مجموعة Virgin Group، مناقشات مع صندوق الاستثمار العام في المملكة العربية السعودية بشأن استثمار مخطط له بقيمة مليار دولار في مشاريع "فيرجن" الفضائية.

وقال برانسون، الأسبوع الماضي :"أعتقد أن الناس لا يستطيعون القيام بعمليات القتل والتقليل من الصحافيين في هذا العصر، وأعتقد أنه إذا فعلوا ذلك، يجب على الجميع في العالم أن يتخذوا موقفا ضدهم".

وفي بداية هذا الشهر، قال ولي العهد إنه سيتم الإعلان عن "صفقة مذهلة" ستكون "بعيدة عن النفط" خلال المؤتمر، لكنها لم تكن أبدا، مما أثار تساؤلات حول ماهية الصفقات الأخرى التي سقطت. وفي اليوم السابق للمؤتمر، أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس" بيانا استهدف بوضوح أولئك الذين يطلقون على المؤتمر السعودي "دافوس الصحراء"، قائلين إنهم "يرفضون استغلال اسمهم". وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها لجذب الاستثمار الأجنبي، فإن المملكة تناضل من أجل هزِّ صورتها كمكان للحصول على مساعدة مالية، وليس لركن رأس المال.

ومع انسحاب أسماء أجنبية أخرى من المؤتمر، دعت المملكة عمران خان، رئيس الوزراء الباكستاني، لحضور المؤتمر، ولكن قبل التوجه إلى الرياض، قال خان للصحافيين إنه اضطر إلى الذهاب لأن "لدينا الآن أسوأ أزمة ديون في تاريخنا"، وقد عاد إلى باكستان حاملا حزمة مساعدات مالية بقيمة 6 مليار دولار. كما ظهر الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، بعد شهور قليلة من حصوله على 2.5 مليار دولار من المساعدات المالية من المملكة العربية السعودية ودول الخليج المجاورة؛ لتخفيف حدة التوتر الاقتصادي، الذي قاد شعبه إلى الاحتجاج في الشوارع.
وذهب ماسايوشي صن، المسؤول عن تمويل القرية الذكية، فكرة الأمير محمد، إلى الرياض، ولكنه أبلغ ولي العهد بأنه لن يتحدث، وغادر البلاد، وبدلا من ذلك، حضر ملك البحرين، وحاكم دبي، ورئيس الوزراء اللبناني.