الرياض - سعيد الغامدي
دفع هبوط سعر النفط العالمي كلٌ من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية إلى الدخول في "تحالف الأعداء" والعمل سويًّا من أجل تدارك التداعيات السلبية لهذا الانخفاض، وذلك رغم انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والخلافات الاستراتيجية بشأن الأزمتين اليمنية والسورية.
ويتصور البعض أن تأييد إيران للخطة التي تبنتها المنافس الإقليمي اللدود وهي المملكة العربية السعودية من أجل تحقيق الاستقرار في أسعار النفط العالمية، قد يكون بمثابة انقلاب دبلوماسي لصالح الرياض، ومع ذلك، فإن دعم طهران لتجميد إنتاج النفط لم يكن بناءً على رغبة جديدة في إعادة التقارب السياسي بقدر قبول العدو الأكبر ألا وهو "الانهيار في أسعار السلع الأساسية".
وبعدما تم إغراق الأسواق بالنفط الخام في الوقت الذي تراجع فيه الطلب بسبب التباطؤ في النمو المتوقع من المستوردين الرئيسيين مثل الصين، فإن الأوقات العصيبة تتطلب اتخاذ تدابير قاسية، وعند النظر إلى إيران والسعودية، نجد أنهما من المتنافسين في إنتاج النفط ولكنهم على جانب آخر خصمين في السياسة الإقليمية.
وقطعت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع إيران في كانون الثاني/ يناير الماضي في أعقاب الاعتداء على سفارتها في طهران، وذلك خلال الاحتجاجات التي جاءت على خلفية إعدام رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر في المنطقة الشرقية من المملكة، كما تتعارض سياسة البلدين تجاه تناول قضايا الحروب في سورية واليمن من ناحية التنافس الاستراتيجي والعداء الطائفي.
وعلى الرغم من هذه الخلفية الجغرافية السياسية غير الواعدة، فقد كانت هناك تحركات إيجابية من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن إنتاج النفط، إذ ارتفع سعر مزيج خام برنت إلى 7.5% عقب اجتماع وزير النفط الإيراني بيجان زنجانيه، الذي امتد لنحو ساعتين مع بعض نظرائه داخل منظمة أوبك للتصديق بالموافقة على العقد الذي تبنته السعودية قبلها بيوم مع روسيا التي لا تندرج ضمن الأعضاء في المنظمة.
وأكدت إيران أنها تدعم التدابير التي تساعد على استقرار السوق وضبط أسعار النفط الخام، على أن زنجانيه لم يتطرق إلى إمكانية قيام إيران بالحدّ من إنتاجها الخاص، فقد كانت تمتلك رابع أكبر احتياطيات نفطية في العالم وتفاخرت في السابق برغبتها في رفع سقف إنتاجها من النفط، في أعقاب التوصل إلى إتفاق بشـأن برنامجها النووي في كانون الثاني/ يناير الماضي ورفع العقوبات التي كانت موقعة عليها.
ولا تزال الرؤية غير واضحة في الوقت الحالي بالتحديد بشأن ما ستسفر عنه الأيام المقبلة، حيث ذكر المسؤولون في السعودية وروسيا أن الإنتاج سيتوقف عند مستويات كانون الثاني/ يناير الماضي حال انضمام بلدانٍ أخرى بما فيهم إيران، بينما توصلت المملكة إلى عقد صفقة مماثلة خلال فترة الثمانينات فقط لترى روسيا وغيرها من البلدان تتراجع عن التزاماتها، ما أجبر الرياض على خفض إنتاجها من 10 ملايين برميل يوميًا إلى 2.5 مليون مع تأثير طفيف في الأسعار.
وواصل سعر مزيج خام برنت ارتفاعه الأسبوع الماضي ليصل إلى نحو 36 دولار للبرميل، وذلك في أعقاب التصريح الصادر عن إيران على الرغم من البيانات الجديدة الصادرة، أخيرًا، من الولايات المتحدة الأميركية وتظهر حجمًا أكبر من المخزونات النفطية عن أي وقتٍ مضى، ومن ثم فإذا كانت هناك زيادة في سعر برميل النفط عن الشهر الماضي الذي سجل 28 دولارًا، إلا أن هذا السعر يبقى بعيدًا جدًا عما سجله سعر برميل النفط في حزيران/ يونيو 2014 والذي سجل 115 دولارًا.
ويرى تجار النفط والمستثمرون أن التطورات التي جرت الأسبوع الماضي تعطي بادرة الأمل على نحوٍ متزايد من أن الدول المنتجة ستبذل قصارى جهدها من أجل النهوض بأسعار برميل النفط مرةً أخرى، ومع ذلك، فإنه من غير المرجح انتهاء التناحر السياسي والديني واسع النطاق بين المملكة العربية السعودية وإيران في وقتٍ قريب، حيث تتمتع الأخيرة بالشرعية في العالم الإسلامي السُني بحكم سيطرتها على مكة المكرمة وتنظيم شعائر الحج، بينما تعد إيران منارة للشيعة في كل مكان.
ويشتهر العرب والفرس بالذكريات الطويلة مع التحيز، وإن كان في العصر الحديث قد بدأ العداء مع اندلاع ثورة 1979 ونمت بعد الحرب على العراق العام 2003، حيث قامت إيران في الآونة الأخيرة بنشر الحرس الثوري الخاص وحزب الله في لبنان إضافة إلى المسلحين الشيعية من العراق وأفغانستان وباكستان؛ من أجل الإبقاء على بشار الأسد في السلطة في دمشق، في حين يرى المسؤولون في السعودية تورط طهران في دعم المتمردين الحوثيين، وتصف طهران الرياض بالحاضنة للمتطرفين المتشددين.
وأبدت المملكة العربية السعودية مخاوف من تداعيات الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، في الوقت الذي صاحبت فيه استراتيجية المملكة بضخّ ما يزيد عن 10 ملايين برميل نفط يوميًّا وتخفيض أسعار النفط الخام في الأسواق الرئيسية حدوث نتائج عكسية، وقيل إن السعودية التي تعد أكبر بلد مصدرة للنفط في منظمة الأوبك تحتاج أن يصبح سعر برميل النفط 100 دولار من أجل تغطية التزاماتها الهائلة في الإنفاق العام، بينما حذر صندوق النقد الدولي من أن الاحتياطي النقدي الذي تمتلكه الرياض سينتهي في غضون خمسة أعوام عند سعر 50 دولارًا للبرميل ما لم يتم اتخاذ خطوات لزيادة الضرائب أو خفض الإنفاق التي بدأت به بالفعل.
وشهدت المملكة العربية السعودية في الأشهر الأخيرة زيادة في الضرائب ورفع الدعم عن المشتقات النفطية مع إشارتها إلى الاستعداد لخصخصة جزء على الأقل من شركة أرامكو للنفط التابعة للمملكة، في إشارة واضحة إلى حاجتهم للسيولة النقدية، كما أن اجتماعهم مع روسيا واقتراح الصفقة يدلان على حرصها على محاولة الخروج من المأزق.
وتريد إيران أسعار أفضل للنفط للنهوض بالاقتصاد بعد رفع العقوبات، فخلال العام 2011، كانت إيران تنتج 3.6 مليون برميل نفط في اليوم، إلا أنه انفض في الوقت الحالي ليصل إلى 2.8 مليون مع انخفاض الصادرات إلى 1.1 مليون قبل فرض العقوبات، ولكنها قدمت وعودًا عقب التوصل إلى الاتفاق التاريخي في 16 كانون الثاني/ يناير الماضي بضخ نصف مليون برميل نفط إضافي في أقرب وقت ممكن.
ولا شك أن استمرار صعود إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري قد ألقى بظلاله قبل 18 شهرًا على أسعار النفط، في الوقت الذي لم تعد فيه منظمة أوبك مستعدة لخفض إنتاجها من النفط، وجاءت المواجهة من جانب السعودية وأعضاء آخرين من اتحاد الكارتل للمنتجين، مبنية على أساس أن التكاليف المرتفعة للحفر ستدفع الولايات المتحدة إلى التوقف عن العمل، فهي استراتيجية تعمل بالتأكيد ولكن ببطئ شديد؛ تجنبًا لحدوث مشاكل اقتصادية هائلة في البناء الاقتصادي للسعودية وغيرها من البلدان التي تعتمد بشكلٍ كامل على عائدات النفط.
ويصل إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري إلى ما يقرب من نصف مليون برميل يوميًّا، وهو حجم الإنتاج الذي يعد أقل مما كان عليه في نيسان/ أبريل 2015 وفقًا لوزارة الطاقة في الولايات المتحدة، على أنه من المتوقع أن ينخفض أيضًا حجم الإنتاج هذا العام، إذ كان ينمو بمعدل 15% سنويًّا عندما كانت أسعار خام النفط تزيد عن 100 دولار للبرميل، إلا أن حجم النمو تضاءل في الوقت الحالي على الرغم من محاولات المنتجين الأميركيين الاستمرار عن طريق خفض التكاليف.
وكشفت الإحصاءات الأخيرة الصادرة من بيكر هيوز، المتخصصة في المجال الصناعي عن أن هناك الآن نحو 540 منصة أميركية عاملة تقل بواقع 800 عن العام الماضي، في حين ارتفعت حالات الإفلاس عن تلك التي شهدتها ذروة الأزمة العام 2008 – 2009، ويحتاج الحفر من أجل النفط الصخري أن تكون أسعار النفط 70 دولارًا للبرميل وفقًا لمحلل النفط، فاضل غيط، مع أوبنهايمر وشركاه مقارنة مع نحو 50 دولارًا بالنسبة إلى بريطانيا وأقل من 6 دولارات بالنسبة إل المملكة العربية السعودية.
ويبقي السؤال الآن هو هل سيتم تجميد إنتاج النفط، وحال تم ذلك الإجراء هل لن تكون فقط دفعة للنفط الصخري؟ فالتجار يعانون من التوتر ولكنهم يعربون عن أملهم، بينما يرجح رئيس السلع في إدارة إنفيستيك للأصول، توم نيلسون، أن أسعار النفط قد تصل إلى نحو 60 دولارًا للبرميل نهاية العام 2016، في الوقت الذي يُصِر فيه الخبير في شؤون الطاقة في شاتهام هاوس، أستاذ بول ستيفنز، على أن الاتفاق الأخير للسعودية لن يجدِ ويتوقع أن خام برنت قد يتراوح بين 25 و50 دولارًا نهاية العام 2016.