حياة البادية

يعتبر الراوي سيف بن عبدالله بن غليطة، المولود في عام 1919 في عجمان أحد رواة الحياة القديمة، عرف حياة البادية وخبرها بكل تفاصيلها، فقد عاش فيها فترة طويلة، وعمل في رعي الإبل وتحمل الأسفار لجلب المؤونة، وغيرها من المهام التي كان يقوم بها الرجال في ذلك الوقت، وكان في مروياته وحكاياته يميل إلى الحديث عن ذلك الزمن ويروي عن رجاله، وكيف كانت حياة الناس قائمة على التآزر ومراعاة الأخلاق والإيثار .

عرف سيف بن غليطة بقدرته في مجال الشعر، خاصة الشلات البدوية و"الونة" و"التغرودة"، والشلة هي نوع من القصائد المنظومة على بحور قصيرة سريع الإيقاع، متواترة القوافي، نظمت لتغنى، فالغناء جزء أصيل فيها، ولا بد لشاعر الشلة من القدرة على الارتجال، لأنه أثناء غنائه يتبع اللحن الموسيقي القار في وجدانه، فتتراقص الكلمات تحت لسانه، وكان ابن غليطة شاعرا ذا حاسية إيقاعية مرهفة، يتألف النغم أمامه فيرسله على شكل كلمات راقصة، تزيدها عذوبة أدائه رونقا وإطرابًا.

أما "الونة" فتعتمد بحرا من بحور الشعر الشعبي أشطاره قصيرة ويتميز بالأسى لذلك سمي "الونة"، وهو أيضا بحر غنائي يلجأ إليه الشعراء عندما تستثار ذكرياتهم في الماضي الذي انقضى، ويجدون في أنفسهم الحنين للأيام الخوالي، أو عندما يهجرهم الحبيب وتبعد به الشقة عنهم، وكان لابن غليطة باع طويل في شعر "الونة".

وكان له الباع نفسه في شعر "التغرودة" البدوية التي تؤدى على ظهور الإبل عندما تأخذ في رحلة طويلة، فيلجأ إليها الراكب لتخفيف طول السفر وعنائه، فينفث من زفرات نفَسه بتغرودة غنائية بإيقاع يحاكي سير الإبل، ويشبه وزنها وزن بحر الرجز في الشعر الفصيح القائم على "مستفعل"، وغالبا ما تكون قصيدة التغرودة قصيرة معدودة الأبيات، وأغلب ما تكون على سبعة أبيات.

ويميل ابن غليطة إلى التغرودة لأنه خبرها وأبدع فيها عندما كان يعيش حياة البداوة في المجتمع الإماراتي التقليدي النقلة قبل الحضارية الحديثة .

جاب ابن غليطة عدة مناطق في السعودية وقطر والكويت ممارسا أعمال عدة، وعمل في نقل البضائع على ظهور الإبل بين المناطق الصحراوية المتباعدة، وكانت الإبل في ذلك الزمن أهم وسيلة للنقل والتزويد بالبضاعة بين مناطق الصحراء، فلم تكن السيارات قد انتشرت في المنطقة، وما هو موجود منها قليل ومحدود في المدن الكبرى.

وقد شكل نقل البضاعة إحدى الوظائف المهمة، وكان لا يمارسه إلا ثقات الرجال القادرين على تحمل الأمانة، وتوصيلها إلى أصحابها، وكان لشخصية ابن غليطة من الثقة لدى الناس ما جعله مؤهلًا للقيام بهذه المهمة.

وتحول ابن غليطة إلى حياة المدينة بعد قيام دولة الاتحاد، وذاع صيته بسبب تميز شعره، وعذوبة شلاته ووناته، فأصبح يستضاف في البرامج الشعبية، وبرامج الشعر النبطي، في الإذاعة والتلفزيون .

وترك ابن غليطة من تراثه الشعري الغنائي مدونة كبيرة حفلت بألوان الشعر التقليدي وأغراضه، وتوزعت بين الحماسة والحنين والحكمة والتوجيه.

وكانت مروياته الشعبية معززا لذلك الإرث بما حفلت به من وصف لعادات وتقاليد أهل الصحراء، وتفاصيل حياتهم وحرفهم، وقد كرمته إدارة التراث في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة الدورة السابعة من يوم الراوي في عام ،2007 وجاء في الملخص الذي كتب عن حياته في كتاب "يوم الراوي، مسيرة عشر سنوات" (من أشهر رواة الشلات البدوية والونة والتغرودة . . أحب حياة البرية والانطلاق) .