أنيس منصور

من "أدب الدنيا والدين"، وروايات الجيب، ومكتبة على النيل، بدأت رحلته مع دنيا من الورق.. بإجلال كان ينظر إلى رحاب المكتبات، ويرى أنه ينبغي أن تخلع الأحذية على أبوابها.. ليصير "أكبر قارئ في مصر"، يعيش بين 70 ألف كتاب، ويطالع معارف العالم بسبع لغات كان يجيدها، حتى تحوّل إلى "ماكينة كتابة"، تقدم كل الألوان، تجمع بين ذكريات "صالون العقاد" والفلسفة الوجودية، ترضي الباحثين عن غرائب من الشرق والغرب و"الذين هبطوا من السماء"، وتغضب آخرين بالجملة لم يستريحوا لخيارات الرجل السياسية، وانحيازاته التي رأوها غير منصفة بالمرة.. إنه الراحل أنيس منصور "دودة الكتب" كما وصف نفسه، أو "أكبر قارئ في مصر"، كما أطلق عليه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.

وفتح أنيس منصور (1924 - 2011)، الذي اجتذب قلمه وأسلوبه السهل ملايين القراء، وأثرى المكتبة العربية بمئات المؤلفات التي حقق بعضها طبعات بلا حصر، عينيه على مكتبة البيت، فقلّب فيها، وفتح صفحات الكتب، وحاول أن يفهم "ولم أجد أحدًا يساعدني على الفهم، رغم لهفتي وحبي الشديد للقراءة.. ربما أول كتاب أطلت النظر فيه، هو كتاب أدب الدنيا والدين، وهو كتاب في حسن السلوك والأخلاق والطرائف والنكت والموعظة الحسنة".

البداية كانت مع الكتب التراثية الضخمة الحجم، والتي كانت تتطلب أن يقرأها الطفل أنيس منصور واقفًا، مضيفًا "لم أتصور أن هناك كتبًا أخرى في أي موضوع ليس دينيًا، وأصغر حجمًا.. كان أعظم اكتشاف في طفولتي أن وجدت روايات الجيب.. انقلابًا. الكتب صغيرة لها أغلفة ملونة، ويمكن وضعها في جيبك وقراءتها وأنت ماشٍ. وأنت نائم في أي وقت".

مكافآت عدة حازها الصغير أنيس؛ بسبب ذلك الشغف المبكر بالقراءة، بعيدًا عن عوالم المعرفة والمتعة التي لا تضاهى، ومن بينها الهدايا التي حصل عليها مطبوعات لجنة التأليف والترجمة والنشر، عندما جاء ترتيبه الأول في مسابقة للفلسفة "ومن أعز ما أملك في مكتبتي وثيقة كتبها أمين مكتبة المنصورة، يشهد لي فيها بأنني عندما كنت تلميذًا قرأت كل ما في المكتبة من كتب وقصص.. ويدعو الله أن يباركني، وأن ينفع بي بلدي وأهلي.. ولم يكن من أجل هذه الوثيقة قرأت واستمتعت، وإنما من أجل المتعة التي هي أعظم وأرقى وأنبل وأبقى المشاعر العقلية".

وكتب الجيب الصغيرة جدًا كانت اكتشافًا، كما وصفه منصور، كتب كانت "تطالعها قوات الاحتلال البريطاني، فقد طبعوا لهم روائع الأدب العالمي في طبعات رخيصة، وكان يسكن إلى جواري في إمبابة بائع لهذه الكتب، واشتريت 100 كتاب منها.. فكانت أول نواة لمكتبتي التي تضم اليوم أكثر من 70 ألف كتاب، ولا أزال أحتفظ ببعض هذه الكتب، حتى لا أنسى فرحتي بهذا الحدث الذي كان نقطة تحول في حياتي الأدبية".