الشارقة – صوت الإمارات
قبيل أن يظهر أبطال مسرحية "استراحة على متن الريح" على مسرح القصباء، تحدث كاتب المسرحية، نديم صوالحة، لجمهور المسرح الذي جاء لحضور النسخة العربية من المسرحية التي تروي حياة الأديب العربي المهجري جبران خليل جبران، موضحًا أنه أمضى نحو 10 سنوات وهو يبحث "بطريقة أركيولوجية" عن جبران، بمعنى أنه كان يُنقّب عن جبران، كي يقدمه إلى الجمهور العربي وغير العربي، وعندما اكتمل البحث كان لابد من تقديمه على خشبة المسرح، أولًا باللغة الإنجليزية "جربناها على الإنجليز"، ومن ثم باللغة العربية، وهو اليوم سعيد جدًا لأن هذا العمل سيقدم باللغة العربية لأول مرة في منطقة الخليج، وسعيد أكثر لأن الشارقة استقبلت العمل وفريقه. وتابع: "سألت مرة سيدة لبنانية في لندن عن جبران، فقالت إنه فيلسوف هندي عاش قبل نحو 600 سنة"، وختم بالقول: "إن أعجبكم العمل فهذا من حظي، وإن لم يعجبكم فأعتذر إليكم".
"استراحة على متن الريح"، المكونة من 14 مشهدًا تروي سيرة حياة جبران في المهجر، وركزت على حياته في المهجر، ومختلف المحطات الرئيسة التي عاشها إلى يوم وفاته، وهي تعرض لأول مرة باللغة العربية، في دولة الإمارات، وسبق أن تم عرضها في العاصمة الأردنية عمّان.
وفي مشهد ما من مشاهد المسرحية، يتذكر جبران والده الموظف في إحدى الدوائر المالية التابعة للحكم العثماني في لبنان، والذي اتهم بسرقة أموال تلك الحكومة، ويتذكر ما صنعت به السلطة العثمانية، حيث يقول جبران مخاطبًا رفاقه "أيها الرفاق قبل سنة أخرجت السلطات العثمانية والدي من سجنه، وربط الجنود العثمانيون يومها يد والدي بحبل، وربطوا الحبل في ذيل حمار وجروه إلى منزله جرًا، وعلى طول الطريق ضحك عليه الناس، وفي اليوم التالي عثروا عليه ميتًا في فراشه، هذا أمر لا يطاق، حتى متى نصبر على هذه الحال". ويتابع "علينا نحن المهاجرين العرب مساعدة إخواننا في الوطن على التحرر من الاستيطان ومحاربة الظلم والجهل"، مؤكدًا على أن "إسطنبول لن تحكمنا بعد اليوم".
وكانت مواقف جبران السياسية واضحة وحاضرة، فهو من بين الذين ناضلوا من أجل الحرية والاستقلال، وضد الجهل والتخلف، ومن أجل البقاء في الوطن، والعودة إليه لمن هم بعيدون عنه، ولم ينجر جبران إلى أميركا وحياتها والتبعية لها، ومثلما رفض الانصياع والتعامل مع السلطة العثمانية، رغم الضغوط والإغراءات، من خلال السفارة العثمانية في أميركا، رفض وبحزم التعامل مع الحكومة الأميركية، وتقديم تقارير لها عن حالة العرب هناك، وكان كل حلمه أن يعود إلى بلده لبنان، وكان أن عاد كما حلم وتأمل، لكنه عاد بكفن، وفي مشهد من مشاهد المسرحية، تجلى ذلك من خلال تلك العبارة: لا يوجد في أميركا ملائكة، وإن أميركا لا يهمها أمرنا، ويلزم علينا أن نُوّعِي شعبنا، أنا عربي من المشرق، المكان الذي تطل منه الشمس على الأرض.
وحضر العرض الأول لـ"استراحة على متن الريح"، الذي تلاه عرض آخر، أمس، ويليه العرض الثالث والأخير، اليوم، في الثامنة والنصف مساء، جمهور كبير، تفاعل مع المسرحية، وعبّر عن إعجابة وتقديره للعمل والممثلين والفكرة وصاحب العمل، وأكدوا أنهم عرفوا الكثير من التفاصيل عن حياة جبران والمعاناة والصعوبات التي عاشها صاحب أكثر كتاب مبيعًا في العالم (كتاب النبي الذي مازال يتربع على عرش الكتب الأكثر مبيعًا في العالم)، من خلال هذه المسرحية التي قدمت تفاصيل مهمة عن حياته لم يكن البعض يعرفها. وقال بعض من حضر المسرحية، إنها وجبة دسمة من المعلومات المتنوعة عن حياة جبران لم نكن نعرفها بكل هذه الدقة والتفصيل، فقد تناولت المسرحية محطات مفصلية في حياة جبران، وعرضت لكثير من المواقف والصعوبات التي واجهته، في حين لم نكن نعرف كثيرًا عنه سوى أنه مؤلف مبدع وكاتب من الطراز الرفيع وفنان ورسام وشاعر، من دون معرفة كل تلك الهموم والمعاناة والأحلام الكبيرة. إنها مسرحية تستحق المشاهدة، وجاء ديكورها بسيطًا وجميلًا وأنيقًا، وكذلك الإضاءة، وبوركت جهود فريق العمل الذي قدم إلينا سيرة حياة جبران باللغة العربية التي كان جبران يعتز بها ويعتز بالعرب والعروبة.
وعرضت المسرحية من خلال مشاهدها الـ14 محطات مهمة في حياة جبران، لخصت أهم محطات حياته، وتضمنت علاقاته الاجتماعية والسياسية، ومواقفه وأحلامه وطموحاته، والمشكلات والصراعات التي كان يواجهها، ومدى صلابته وتحديه من أجل حلها ومواجهتها، وإصراره على التمسك بمواقفه وقناعاته.
وكانت المسرحية بدأت في مشهدها الأول من بوسطن عام 1916، حيث ظهر جبران في الأستوديو مع موسيقى ناعمة، والموديل تقف على منصة، وخليل يرسمها على شكل ملاك، وهي ترتدي ثوبًا حريريًا أبيض وجناحين، ومن الخارج تأتي أصوات أطفال وهم يلعبون في الخارج، وجبران يرتدي عباءة شرقية زاهية اللون وقبعة مخملية، وهناك في سلة متوسطة الحجم يوجد عدد من مضارب كرة البيسبول وشمسية وعدد من عصي السير، وجبران يرسم ثم يعود إلى الوراء ويتأمل، ثم يسحب قارورة من جيبه الخلفي ويشرب، ثم يشعل سيجارة ويدخن، وفجأة يرتفع الصوت، عراك بين سيدتين، مريانا شقيقة جبران، وجارتها صوفية، وهناك سطل ماء مغلي يسقط على الأرض، طفل رضيع يصيح كالمجنون. ومن ثم تبدأ المشاهد تتوالى عارضة محطات حياة جبران بكل ما فيها من معاناة وصعوبات، وسخرية وضحك وجد، وآمال وآلام، إلى أن يصل في المشهد الأخير في نيويورك حيث تزوره ماري هاسكل، وعندما تسأله عن إمكانية عودته إلى وطنه، يجيب "نعم سأعود إلى وطني"، لكنه لا يعود إلا في كفن، وكان قد وصف عودته في ذلك الحلم الحقيقة، بكل تفاصيله.