أبو ظبي ـ سعيد المهيري
تجربة الصمت التي جسدها محمد برادة في رواية "بعيدًا من الضوضاء.. قريبًا من السكات" الصادرة عن دار الآداب، لا تنفك تقارع "الصمت الشرقي" لتنأى بأساليبها نحو أنماط جديدة من اللغة التي تجعل الأشخاص قادرين على استنباط "أشكال فعل" جديدة وأنماط وعي بعيدة عن الضوضاء.
الرواية التي يقدمها الكاتب والناقد المغربي، محمد برادة، تندرج ضمن السير الذاتية لثلاث شخصيات ينسج بها الكاتب خيوط حكاية الواقع المغربي، بعد نصف قرن من الاستقلال، مستشرفًا الحلم بمجتمع العدالة والتحرر، الذي تعبر عنه قصص أربع شخصيات متباينة يعيشها الشاب (الراجي) العاطل عن العمل حين يكلفه المؤرخ المنكب على إنجاز كتاب يستعيد تاريخ المغرب المعاصر منذ الحماية الفرنسية حتى الاستقلال، بتجميع آراء الناس حول المستقبل، فيجد نفسه منغمسًا في كتابة رواية امتزجت فيها مسارات شخصياته التي تمثل مختلف الأجيال: توفيق الصادقي والمحامي فالح الحمزاوي والمعالِجة النفسية نبيهة سمعان.
"بعيدًا من الضوضاء.. قريبًا من السكات" صوت يخرج من رحم الصمت، وشرفة مفتوحة على أحلام المثقف المغربي وأسئلة الهوية والحرية، وسط مجتمع يرصد فيه الكاتب، ما بين التواريخ الشخصية والتخييل الروائي، أوضاع الناس وسيكولوجيتهم، وخيارات النخب المغربية وتحولاتها التي نقلها الكاتب على لسان (الراجي) من الفضاء الخاص إلى الفضاء العمومي.
في كثير من المواضع، يستشعر القارئ هاجس الروائي المشغول بمتغيرات الوطن وتاريخ البلاد، وعين المثقف الذي يرصد تحولات مجتمعه وقصصه، مستعينًا بزخم ذاكرة نابضة بالصور الحية التي يرسم بها برادة خطوط شخصياته ومآلاتها.
ولد محمد برادة في 14 مايو 1939 في الرباط، ثم انتقل إلى فاس حيث عاش طفولته. وهو روائي وقاصّ وناقد ومترجم، أصدر روايات "لعبة النسيان، الضوء الهارب، مثل صيف لن يتكرر، امرأة النسيان، حيوات متجاورة"، وله مجموعتان قصصيتان: "سلخ الجلد" و"ودادية الهمس واللمس".