الشاعر والطبيب السوريّ محمد سعيد العتيق

يفتخر الشاعر والطبيب محمد سعيد العتيق، بامتلاكه هذه المهنة الراقية والملَكة الرائعة، حيث كوّن حالة شعرية خاصة به، لفتت إليه الأنظار كشاعر متفرد يجمع بين التفكير المنطقي والمشاعر المرهفة، فكان علامة فارقة بين الشعراء السوريين الأوفياء لوطنهم والمتمسكين بالأصالة.
 
واعتبر العتيق، في حوار مع "صوت الإمارات"، أنَّ "الشاعر يمكن أن يمتهن أية مهنة، دون أن تؤثر على كونه شاعرًا"، مبيّنًا أنَّ "أكثر من يمتلك الشعور الإنساني هو الطبيب، ولذا لا يجد  أي تعارض بين مهنته وشاعريته، بل على العكس يجد أن مهنة الطب تضفي على الشاعر خصوصية وميزة، لأنه أقدر الناس على الإحساس بالألم والمعاناة".
 
وأكّد العتيق أنَّ "الشعر هو المسيطر على غالبية التاريخ الثقافي، عبر كل الأزمان، ويعتبر السجل الذي تدوّن فيه الحياة، ومع أنَّ الشعر خبا قليلاً بعد الرسالة المحمدية عندما اصطدم الشعراء بالقرآن، فخرست الألسنة أمام بلاغته، وتراجعت مكانة الشعر والشعراء".

وأشار إلى أنّه "بعد ذلك منهجوا شعرهم بما يتناسب مع العهد الجديد، إلا أنه بقي مسربلاً بعباءة الشعر الجاهلي، مستمدًا من المعاني الإسلامية، والمرادفات الدينية، إلا أنّه عاد بلغته الجديدة، ليحتل مكانته من جديد، رائدًا للكلمة، وهكذا فإن الشعر يواكب الزمن والتطور والتغيير".
 
وبيّن العتيق "لذلك أرى أنَّ الشعر حالة شعورية إنسانية قد تتبدل مفاهيمه، ولا تختفي أدواته، إلا أنه يبقى محافظًا على دفق روحه عبر كل المراحل الزمنية، وإن قلَّ وهج الشعر قليلاً في زمننا، إلا أنّه باق ما بقيت الحياة".
 
واعترف العتيق بوجود صراع بين مفهوم الشعر الموزن والعمودي، وبين الشعر الحديث، موضحًا أنّه "صراع من نوع خاص، يرمي إلى تشذيب المراد، وجعله من جنس المقبول، كي يكون مفهومًا، ومن هنا يكون الشعر شعرًا والنثر نثرًا، بينهما بررخ لا يلتقيان".
وأبرز أنّه "تقبل الحداثة للشعر العمودي والموزون على شكل شعر التفعيلة كنزار قباني ونازك الملائكة وبدر شاكر السياب، والذي يبقى ضمن وزن وتفعيلة وموسيقى، أما ما عداه لا يغدو أكثر من كلام منثور"، مؤكّدًا أنه "مع الأصالة والتطور ومازال وسيبقى من أنصار الشعر الموزون فقط".
 
وعن رأيه في تأثر الشعر بوسائل التواصل الاجتماعي، اعتبر العتيق أنَّ "هناك وجهين لهذا الموضوع، الأول أنَّ مواقع التواصل وسيلة لخدمة الشاعر والمبدع، وأنسنته وانتشاره بسهولة، وخدمة الشاعر عبر إيجاد جسور بينه وبين المتلقي، وساهمت بإيصال صوته وإبداعه، والثاني، على الرغم من أنها أحدثت تأثيرًا إيجابيًا للحركة الشعرية، إلا أننا لا نستطيع أن نغفل تأثيرها السلبي على المشهد الشعري برمته، حيث سمح للكثير من الغث أن ينتشر، وبالتالي أدّى إلى اختلاط الحابل بالنابل، وإفساد الذائقة العامة للشعر، ولكنه يبقى واقعًا جديدًا علينا أن نتعامل معه، ونحاول كسر المعوقات السلبية، وإظهار الحالات الإيجابية، حتى تتوضح الرؤيا لدى الجمهور، فالكلمة الجميلة لابد أن تلقى صداها، أمّا الغث والرديء فإنه يختفي بين سراديب التواصل".

وفي شأن تقييمه لواقع الحركة الثقافية في سورية، أشار العتيق إلى أنَّ "سورية كانت ومازالت رائدة في المشهد الثقافي، وتعتبر دمشق عاصمة العرب الثقافية، ومازالت مقاليد التمسك باللغة والتراث والأصالة فيها، ولذا من وجهة نظري أنَّ سورية كونها قلب العروبة النابض، فهي قلب الثقافة النابض، مع أنها في الفترة الأخيرة شابها الكثير من التذبذب، في خطها البياني الذي عهدناه ثابتًا، ولكنها حركة التاريخ، قد تتغير قليلاً، إلا أنّها ما زالت تحتفظ بجذورها وجيناتها المبدعة، ولا أخشى ولن أخشى على الحركة الثقافية في سورية".

وأضاف "لكن ما يخيفني في المرحلة الراهنة هو كثرة المنتديات والملتقيات الحرة، والتي لا تخضع لجهة رسمية، والتي قد تستغل بطريقة سلبيّة، وتسيء للثقافة بالعموم".

وناشد  وزارة الثقافة، ووزارة الإعلام، واتحاد كتاب العرب، أن "يكونوا على قدر المسؤولية، وأن تكون الملتقيات تحت إشرافهم، وأعينهم، ومبرمجة بطريقة صحيحة، تحفظ الكلمة، ولا تشوهها".
 
وعن تأثير الحرب على الحركة الثقافية في سورية، بيّن العتيق أنَّ "الحرب لم تنل من المثقف السوري، إلا أنها حرضت فيه إبداعه فانبرى الشعراء والمثقفون الوطنيون لكشف هذه الهجمة، والتصدي لها، وأعادت للمثقف السوري روح التحدي والمقاومة فالقلم لا يقل عن البندقية، بل هو أهم، ولذا وجدت أنَّ الثقافة السورية التي كانت شبه ساكنة، تحركت وبدأت تعيد رونقها، واستوعبت الهجمة على الوطن".
 
وأردف "أجزم بأنه ظهر ما يسمى ثقافة الأزمة، حيث بدأ المثقفون التشمير عن سواعدهم، وأقلامهم، ووقفوا صفًا واحدًا، وفي خندق واحد للدفاع والذود عن حياض الثقافة، وأظنهم أبدعوا، وكانوا رجالاً حقيقين في المواجهة، مع أنَّ البعض انهزم ووقف في الصف المعادي، إلا أنَّ من وقف في وجه الأزمة كانت له اليد الطولى، وقام بتعرية المؤامرة، ولعلها نقطة تحوّل يجب أن نتمسك بها".
 
وفي تقييمه للحركة النقدية في سورية، رأى العتيق أنَّ "الدراسات النقدية لم تواكب المنتج من نصوص مختلفة ما أدى إلى التناسخ والتكرار، كما أنَّ علاقة النقاد بالعمل الأدبي والشعري، وبالكتاب، بوصفهم منتجين، علاقة جدلية، تتسم بالتأثير والتأثر".
 
وتابع "يمكن القول أنَّ وظيفة النقد هي التي تفرض تبدلاً وتطورًا لدى الآخر المبدع، فكلما ازداد اهتمام النقاد بالمنجز الإبداعي، ازدادت أهميته لدى الجمهور، ولكن الواقع يؤكّد وجود هوّة كبيرة في المجال النقدي، ومع الوقت تزداد وتكبر ويبتعد النقد عن مجارة الإبداع الأدبي".
 
يذكر أنَّ الشاعر محمد سعيد محمد العتيق من مدينة حماة، طبيب بشري حائز على الماجستير في الطب المخبري، وتخصص في الدمويات، وأمراض الدم.
 
عمِل محاضرًا جامعيًا في جامعات عربية، وكان مغتربًا لمدة 20 عامًا، ورجع للوطن منذ عامين، وانخرط في الحياة الثقافية والأدبية فيها.
 
وصدرت له أخيرًا مجموعة  شعرية تحت اسم  "وجد وعشاق الشآم"، تناول فيها الحالة الراهنة للوطن، وتحدث عن المصاب الجلل الذي تمر به سورية، وأسس منتدى ثقافي حمل اسم المجموعة نفسها، هدفه الدفاع عن الكلمة الأصيلة والحفاظ على الموروث  الثقافي.