الفن التشكيلي الإماراتي

ما إن تتحسس مساحة اللوحة الإماراتية إلا وتدرك سطوة البحر ورائحته في تلك الجغرافيا، جغرافيا الحلم الذي ينغمس فيها الفنان الإماراتي عبر ارتباطه العضوي بالبيئة فهو ابن النخلة ومن تذوق طعم "الخنيزي" صنع "باليتة" مغموسة بمساحة الرمل وتحولاته البصرية، مساحة أقرب إلى السحرية الواقعية، حيث طقوس الصيادين الباكرة حين يواجهون البحر حيث بيت الشمس ووسادة الرمل وشجرة الغاف وتفاصيل رؤوم البيوتات القديمة وظلالها المرسومة على أديم البصيرة.

لم يكن ذلك بمنأى عن تلك التجارب التي شكلت اعترافا على الصعيدين العربي والدولي، إيمانا منهم بالإخلاص إلى رائحتهم فكلما كنت الأكثر محلية في تناول عناصرك الإبداعية فأنت تضيف إلى الروح الإنسانية مساحة غرائبية جديدة ولافتة.

كانت البيئة الأكثر سطوة في التشكيل الإماراتي، بل منطقة تغريك للتورط فيها والبحث في تفاصيل حركتها بين الناس، ومرجعية من الذكريات الجميلة المتوارثة التي تناقلتها الأجيال في الفعل البصري، فحكايات الغواصين ومشاهد السفن القديمة وصولاً إلى طبيعة الأبواب وأقفالها وكوة النور المتسلل من المقرنصات الخشبية على جسد البيت.
يبحث الفنان محمد أحمد إبراهيم عن طرائق جديدة لصياغة أمكنة الطفولة في خورفكان، حيث أعاد صياغة أشجار الغاف من خلال لفها بمجموعة من الأقمشة الملونة كما لو انه أراد أن يصنع عروسا من شجرة تكسر صفرة الرمل حيث تلفعت جذوعها بألوان تلك الأقمشة التي ترتديها النساء، فنقل القماش بألوانه الحارة من جسد المرأة إلى جسد الشجرة كعلامة ودلالة على أمومة الشجرة التي تشبه الأم والحبيبة.
كانت لوحته هي الطبيعة التي تفتح له باب الأمل والتأمل في مكنوناتها المتوالدة، خرج من إطار العمل المسندي لينغمس في طبيعة أكثر عطاء عبر عرض تركيبي متاح للإنسان والحيوان والطير.
لم يكن الفنان محمد احمد إبراهيم ببعيد عن طرائق تفكير الفنان مارسيل دوشامب، لكن إبراهيم أراد للدوشامبية أن تكون محلية بامتياز.

من هنا نرى أن الفنان الإماراتي لم يكن بمعزل عن ما يحدث في العالم من مغامرات في إيجاد طرائق تعبيرية جديدة تخصه، وفي هذا السياق نجد أن الفنان حسن شريف هو رائد تلك المدرسة في الإمارات، فقد فتح باباً مهماً من الحرية في التفكير الفني في الخليج، وقدم مجموعة من الأعمال المجهزة بالفراغ تثير في مشاهدها أسئلة كثيرة ومتنوعة حول طبيعة هذا الفن ومحمولاته السياسية والجمالية.
 فهو فنان أكثر واقعية رغم أعماله الصادمة ينطلق من نفايات الإنسان في المدينة، تلك النفايات الهامشية والمهملة تتحول في أعماله إلى تاريخ جديد من المهمل إلى صدارة العرض واستدراج الأسئلة حول العادي ليتحول إلى مساحة للتعرف إليه من جديد، مثل أعماله التي اتخذت من الشوكة والملاعق عناصر لها وكذلك الملاقط البلاستيكية والأوراق، فهو يقود المشاهد إلى ما اقترفه الإنسان في المدينة كما لو أنه يقدم مدينة مسكوت عنها، يقدم ما أهمله الناس للناس.
ونرى الفنان محمد يوسف الذي استفاد من الفعل المسرحي ودراسته للفن في أكثر من منطقة مختلفة في كل من مصر وأمريكا حيث ذهب إلى أعمال التركيب والنحت غير التقليدي منتصرا لقيم البيئة الإماراتية، تحديدا تفكيك النخلة وبعض البوص والنباتات الصحراوية، فهو يحاول بذلك أن يصنع خصوصية تنتمي لروحه الإماراتية فقد كان البحر والمراكب والأشرعة والنخلة عناصر أساسية في تكوين عمله الفني.
واستطاع يوسف أن ينجح في إيجاد صياغات جديدة من البيئة الإماراتية، فقد ألبس النخلة صفة المرأة وأدخل في الجسد النحت القائم على المرأة حركات مرجعيتها من النحلة كمحاولة لخلق علاقة عضوية بين عنصر النخلة والإنسان.
وكذلك نجد الفنان محمد كاظم الذي بنى مدنا تطل على البحر عبر إنتاج مجموعة من الألواح الخشبة المرسوم عليها والمحفورة لتطفو على جسد البحر معولاً على حركة الماء في البحر للتعامل مع شكل الألواح الخشبية، ويشكل هذا العمل رسالة تدعو إلى كسر الحدود بين الكائنات، ودعوة واضحة للتعايش بين الأديان والتعايش بين الشعوب من شتى بقع الأرض، أنها محمولات الأفكار المثالية التي يطمح الفنان بتحققها عبر رسائل يبثها هنا وهناك.
لم يتوقف الفنان الامارتي عن التفكير المستمر في تقديم ما ينافس في العالم في شتى مجالات الفنون البصرية وما يلفت هو تنوع طرائق التعبير في التشكيل الإماراتي فقد خرجت اللوحة من الإطار لتعود إليه مرة أخرى عبر تجارب مهمة منها عبدالقادر الريس الذي قدم مناخا مهما في مجال الرسم والتلوين عبر احتفاظه بالشرط الجمالي في مجمل تجاربه الفنية ويعتبر الأكثر إخلاصاً للبيئة الإماراتية عبر الرسم فقد قدم مجموعة وثائق بصرية عن بيوتات الإمارات وطبيعة عمائرها ومشاهد الصحراء وأنواع الأشجار والأبواب وملأت أعماله المطارات وارقى البيوتات الإماراتية والعربية.
إن ما يقدمه الريس من أعمال لافتة يدلل على تميز الساحة الإماراتية في كثير من مجلات الفنون، فالريس واحد من الذي يمتلكون مهنية عالية في الرسم والإحساس باللون كقيمة بصرية في العمل الفني، والى جانب أعماله التي تختص بالواقع الجمالي لجغرافيا الإمارات نجده قد حقق مساحة أخرى لها علاقة بتوظيف الحرف العربي عبر لغة راقية لا تمكث في المقروء من الحرف بقدر ما يتعامل معه كشكل جمالي خالص.
وظف الريس شجرة الغاف في صحراء الإمارات التي تعتبر الشجرة الوطنية، كاشفا عن جمالياتها عبر مفهوم الرسم الواقعي، بل حولها إلى إيقونة جمالية تسهم في تعريف الأجيال بهذه الشجرة،والتي أصبحت رمزاً للصمود لعنادها في مقاومة العطش بل أسموها شجرة الديمقراطية كون القبائل كانت تستظل بها للتشاور، وغيرها من النباتات مثل "الرقروق" و"النفل" وصولاً إلى شجرة النخل.
ولم تكن المرأة الإماراتية بمنأى عن هذا الفعل فنجد الفنانة نجاة مكي التي استطاعت أن تقدم رؤيتها كفنانة اتخذت من المواد البيئوية فضاء لأعمالها، إضافة إلى تحيزها لعنصر المرأة عبر لغة فنية تجمع بين مفاهيم الرسم والنحت، فقد زاوجت بين ما هو تجريدي وبين تشخيصية تعبيرية محكومة بزخم لوني أشبه بالنسيج.
بينما يذهب الفنان عبدالرحيم سالم إلى المرأة مباشرة لتكون هي العنصر الأساس في بحثه الفني والذي يقدمه من خلال إعطاء إحساس ما بالريح داخل اللوحة، أنثى عبدالرحيم سالم أنثى متمرده في الغالب تحمل في حركتها العنيفة مناخات التمرد ومحمولات الرفض.
امتاز سالم بجمعه الغريب بين النحت والرسم فمجمل أعمال الرسم لها مرجعية نحتية كونه نحات اشتغل على الجسد سنين طوال.
يبقى الفن الإماراتي مساحة واسعة للتفحص والتنقيب في حيواته المتنوعة.