بيوت صغيرة يتعايشون داخلها بألفة

"الفريج" وجمعه "فرجان"، هو حارة تضم مجموعة من البيوت الصغيرة المفتوحة على بعضها يعيش فيها عدد من الناس ويتعايشون داخلها بألفة وحميمية كبيرة، ويعضد بعضهم بعضا، وتمتاز حياتهم بالتكافل والتواصل والتناغم والانسجام، وهو نمط سابق على حياة الفلل والعمارات والأبراج الشاهقة التي ألغت، بالضرورة، في سياق تطور العصر، تلك الحميمية الجميلة التي اعتاد عليها سكان "الفريج" في تقاربهم وتواصلهم وتوادهم فيما بينهم .

تنتشر "الفرجان" في مختلف إمارات الدولة محتفظة بهويتها الثقافية والتراثية وماضيها العريق، وما تتميز به من خصوصية، وثمة العديد من "الفرجان" المشهورة في دبي والشارقة ورأس الخيمة، وعجمان وغيرها، وهي تشترك في مجملها في الإرث الثقافي والتراثي الذي لا يزال قائما ومتداولا ومحفوظا ومحفورا في ذاكرة المجتمع .

يختزن "الفريج" تراث المجتمع الإماراتي وأصالته وعمقه التاريخي بما تحفل به ذاكرة سكان الفريج من قصص وحكايات عن نمط حياة الآباء والأجداد وبساطتها واعتدالها وصفائها ونقائها بمنأى عن تعقيدات الحياة المعاصرة، وهو ما يحيل إلى البراءة والصدق، وحسن الطوية، والتخلق بالأخلاق النبيلة، والقيم الراقية التي جُبِل عليها الإنسان في هذه الأرض .
وتظهر حالة التكافل والتواصل والانسجام داخل الفريج في المناسبات الاجتماعية والدينية التي تبرز تعلق الأهالي بالعمق الثقافي الإسلامي والترابط الاجتماعي داخل هذه المنظومة الاجتماعية المصغرة، حيث يتشاركون في مختلف بالمناسبات، من أعراس، ومواليد، ومآتم، وأعياد، في الأفراح والأتراح، ولا غرابة والحال هذه أن تحتفظ الذاكرة الشعبية بالكثير من القصص عن طريقة الاحتفال والاحتفاء بشهر شعبان، ومقدم شهر رمضان الكريم وعادات الأهالي في استقباله وإحيائه من خلال الأهازيج والابتهالات والتزاور بينهم .

ومن عادة أطفال "الفريج" أن يجوبوا دروبه، يطوفون على البيوت جيئةً وذهاباً مبتهجين بهذه المناسبات، ويجتمعون ليتطارحوا الألغاز الشعبية، ويكون ذلك بعد صلاة المغرب في فصل الصيف أو في المخزن (الدهريز)، وهو إحدى الغرف المخصصة للأبناء فيما إذا كان الجو باردا في فصل الشتاء، كما يسير الأطفال في الفريج ويطوفون على البيوت ليلة النصف من شعبان للحصول على هدايا تسمى "حق الليلة" وهم يغنون:
أعطونا الله يعطيكم أعطونا مال الله
بيت مكة يوديكم سلّم لكم عبدالله

كما كان الإماراتيون يحتفون بعودة الغائبين الحجاج أو الغواصين، وهي تمثل مظهرا اجتماعيا دالا على المحبّة والتماسك الاجتماعيّ، وكان الناس يعبّرون عن احتفائهم بعودة الغائب برفع قطعة قماش فوق بيوتهم، ويسمونها: "النشرة"، أو "البيرق"، أو "البنديرة"، وهي كالعلم في زماننا الحاضر .
ومن مظاهر تلاحم "الفريج" وتواصله احتفاؤه بختم القرآن الكريم، حيث تحتفل العائلة في هذه المناسبة بالصبيّ ، ويُكرم المطوع أحسن تكريم، فتتفق العائلة مع المطوع على تعيين يوم يطاف فيه بولدهم في الفريج، لإشهار ختمه للقرآن الكريم، فيجمع المطوع الطلبة ويختار أقواهم ذاكرة وأعذبهم صوتا فيردد الأناشيد، ويردد الأطفال وراءه بعض الأناشيد الدينية التي تسمّى "التحميدة" . كما كان رجال الفريج وشبابه يجتمعون في مجلس "الفريج" يتسامرون فيه ويتبارون في الألغاز فكان من بينهم من يبدع الألغاز تارة بالشعر وتارة أخرى بالكلام المسجوع والمركب تركيبة معينة يشد به انتباه السامعين .

اشتهرت المقاهي الشعبية وارتبطت بذاكرة أهل "الفرجان" لكونها تقدّم مأكولات شعبية إماراتية خالصة تستقطب الأبناء وعامة السكان، كما تزخر الذاكرة الجمعية كذلك بالعديد من القصص عن دكاكين الفرجان التي كانت تجمع أهل الفريج .