الشعر العربي الجاهلي

مما لا شك فيه أن للفن والشعر علاقة تكاملية مع الاقتصاد، فغالبًا ما تزدان حدائق الأدب والفن مع ازدهار الحالة الاقتصادية للمجتمعات والعكس صحيح؛ فالمتتبع لمسيرة تاريخ الشعر العربي يجد هذه العلاقة الطردية واضحة المعالم، فمنذ العصر الجاهلي ومع ازدهار النشاط التجاري وظهور الأسواق، التي أضحت تمثل منتديات أدبية وثقافية كمعرض للتنافس بين رواد الأدب والثقافة والشعر، وذلك لما شهدته من خطب الفصحاء وقصائد الشعراء ومنها على سبيل المثال سوق عكاظ الذي شكل مربدًا أدبيًا فريدًا.

ومع ظهور الإسلام خفت بريق الشعر عما كان عليه في حقب متقدمة من التاريخ إلا أنَّ صداه ظل يصدح بين أروقة الشعر وعلى حناجر الشعراء، وإن كان ذلك بطابع وأنماط مختلفة نوعًا ما لأسباب تتعلق بانشغال المسلمين بالفتوحات، وانعكاس نظرة الإسلام على بعض جوانب الشعر، وانصراف الناس للاهتمام بالقرآن والعلوم المنبثقة منه.

وفي خضم ذلك انتقل الشعر إلى أوج ازدهاره مع ظهور الدولة العباسية التي شهدت قفزة نوعية في نمو الاقتصاد ما حدا بالخلفاء والوزراء إلى الارتقاء بميدان الشعر، وتحفيز الأدباء والشعراء بمنحهم الهبات والعطايا نظير ما يقدمونه لإثراء واقع الأدب والشعر، وقد تأثر الشعراء حينها بما شهدته المرحلة من نمو ثقافي ونقل علوم الحضارات الأخرى، فظهرت أساليب جديدة في صياغة الشعر وتنوع أساليبه ومواضيعه .

وغير بعيد، كان لازدهار الدولة الإسلامية في الأندلس أثره الكبير في نهوض الكثير من مجالات الفنون والأدب؛ من بينها الشعر الذي تطور لغة وأسلوبًا، فأضفت تلك الحقبة ألقًا وجمالاً على بيئة الأدب والشعر.

وفي العصر الحديث نجد أن الشعر انحصر نسبة في بعض الأسماء الكبيرة والتي ظلت مسيطرة عليه وعالقة في ذاكرته إلى الآن رغم تفرعه حينها، وتعدد مدارسه النقدية وظهور مدارس جديدة غيّرت البناء النمطي للقصيدة الذي ظل سائدًا في حقب تاريخية متتالية .

وظهر شعر التفعيلة والشعر الحر وبعض ألوان النثر الذي يأبى الخروج عن دائرة الشعر وألوانه، مع ذلك كان للاضطرابات السياسية وانعكاسها على الاقتصاد أثرها في انحصار المد الشعري رغم قوة مضمونه ومنطلقه، وعلى امتداد تأريخ الشعرالعربي نجد للتنمية الاقتصادية أثرها البالغ عليه فيزدهر بنموها ويخفت بريقه بتدهورها.

ولعل خير شاهد على هذه العلاقة المتلازمة الطفرة الثقافية والأدبية والفنية التي تعيشها العديد من بلدان الخليج العربي في مواكبة للازدهار الاقتصادي، الذي تشهده تلك البلدان، فقد أصبحت هذه الدول هي الحاضنة والمتبنية للعديد من المنتديات والملتقيات والمسابقات الشعرية وبشكل لم يسبق له مثيل، الأمر الذي شكّل دافعًا لنبوغ العديد من الطاقات والمواهب الإبداعية والارتقاء بالقدرات الشبابية ما أدى إلى انتعاش الشعر وازدهار الحقل الأدبي والفني على امتداد الوطن العربي، وساعد في ذلك ظهور وسائل الإعلام والتواصل الحديثة كالقنوات الفضائية والإنترنت فأصبح للشعر مضماره المباح وصداه المتاح للجميع.