أبوظبي - سعيد المهيري
يعد الراوية كداش بن خميس بن عثمان أحد الفنانين الشعبيين المحترفين الذين كان لهم أثر في ترسيخ وحفظ الموروث الشعبي في مجال الغناء والإيقاع، فقد عمل هذا الراوية والفنان الموهوب، الذي ولد في الشارقة في بداية القرن الماضي، على ترسيخ وتعميق تعاطي الجمهور مع ذلك الموروث، في وقت كان فيه المجتمع بحاجة إلى فنانين حريصين على حفظ وصيانة الموروث الشعبي وبثه لدى الأجيال الشابة، وذلك من خلال عمله في جمعية الشارقة للفنون الشعبية التي كان أحد أعضائها المؤسسين والناشطين فيها .
اشتهر كداش بأنه طبال ماهر حاذق بفنون الإيقاع على تلك الاسطوانة المغطاة فوهتها بجلد لين مشدود، يحسب بدقة عدّادٍ حجم ونوع الصوت الذي يريد إخراجه، ويضرب بالدقة نفسها في المكان المناسب فيخرج الصوت كما أراد وينتشر الإيقاع، متواتراً ومتدرجاً، مرتفعاً ومنخفضاً، مجتمعاً ومتفرقاً، بحسب سرعة ومكان الضربات التي توقّعها يداه على الرقعة الجلدية من الطبل، وتنشأ عن ذلك أنواع لا حصر لها من الإيقاعات يستدعيها الطّبّال حسب الحاجة والمناسبة، ونوع الفن الغنائي الذي يميز المجموعة المصاحبة له .
وقد كرّمت إدارة التراث في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة كداش ضمن احتفالية يوم الراوي وورد له تعريف مقتضب في كتاب (يوم الراوي، مسيرة عشر سنوات): "كداش أفضل من ضرب على طبول فرق الفنون الشعبية الإماراتية، فهو فنان يتميز بأحاسيس وتلقائية روح صادقة في التعبير أثناء العزف، وقد ورث هذه المهنة عن أخواله، وتتضح أهمية كداش في مجال الفنون في جوانب عديدة منها ما يحفظه من أهازيج شعبية مصاحبة لأداء رقصة العيالة المشهورة في الإمارات" .
لم يكتف كدّاش بالضرب على الطبل لكنه كان صانع طبول ماهر يعرف بدقة محترفٍ تفاصيل ومراحل تلك المهنة، وحفظ في مروياته تراث وخصائص تلك المهنة، وأنواع الطبول التي تصنع في الإمارات، حيث يصُنع الطبل من جذوع الشجر، وأفضله المصنوع من شجرة السدر، وتحفر قطعة الجذع على شكل اسطوانة، مفتوحة وتختم فوهتها بجلد من الغنم أو الإبل أو البقر حسب المنطقة، صحراوية كانت أو جبلية أو بحرية، ويدبغ الجلد بعناية حتى يصير لينا قويا قابلا للشد عن طريق الحبال التي تعقد في أطراف الجلد ثم تلف من تحت الأسطوانة وتربط مشدودة في الطرف المقابل من الجلد، وتوضع أربعة أو خمسة حبال متقاطعة بهذه الطريقة حسب سعة فوهة الطبل .
مارس كدّاش في مسيرته كفنان ضارب للطبل جميع الفنون الشعبية التي يستخدم فيها الطبل، مثل فن "الليوة" الذي يدخل المشاركون فيه وهم حفاة على هيئة حلقة وفي وسطهم عازف المزمار (الصرناى) وتتشابك أيدي الرجال في حركة متناغمة، بخطوتين للأمام وخطوتين للخلف ويدورون عكس عقارب الساعة" .
ويصاحبه عازف الطبل الكبير المسمى "المكوارة"، وفن "النوبان" ويشترك فيه الرجال والنساء ويكون فيه خمسة عازفين ثلاثة على الطبول، وواحد على الطنبور، وواحد يقوم بضبط الايقاع، ومنها أيضاً فن "العرضة البحرية" وهي من أغاني البحر ويؤديها العاملون على السفينة يقودهم "النهام" الذي يعلق في رقبته طبلة متوسطة الحجم أسطوانية الشكل ذات وجهين، ويحاكي الإيقاع تموجات حركة السفنية، وتصاحبه رقصات تمثيلية لأعمال الصيد، مع أغان شعبية لرفع همة الصيادين والتخفيف عنهم، ومن هذه الأغاني أيضا "العيالة" وهي تحكي قصة معركة حربية متكاملة تمثل فيها المواجهة واللقاء بين الفرسان يصاحبه إيقاع الطبول وأشعار الفخر والمديح .
قبل أن ينصرف كداش إلى الفنون الشعبية كان قد اشتغل في شبابه بالصيد البحري والغوص، وأصبح ماهراً فيه، حتى صار رئيس البحارة الذي يقود العمل ويوزع المهام، وأثناء عمله حفظ الأزجال والمواويل والقصائد التي يتغنى بها البحارة، مما سهل عليه ذلك التحول الذي عرفته حياته مع بداية تأسيس دولة الاتحاد وظهور الفرق الفرق الشعبية، ليكرس نفسه كفنان وراوية شعبية له بصمته الخاصة .