الشارقة ـ صوت الإمارات
أمضى الراحل محمد عبدالله آل علي جل حياته العملية في دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة، وتشهد المكتبة الأرشيفية الخاصة بهذه المؤسسة التي رفدت الساحة الثقافية الإماراتية كثيراً منذ تأسيسها مطلع ثمانينات القرن الماضي، بعطاء جزيل للراحل؛ إذ يمكن للرائي أن يعثر على مئات المراسلات والخطابات والاقتراحات التي خطها الراحل وتواصل بشأنها مع المعنين والمسرحيين داخل الدولة وخارجها، وهي تكشف في معظمها عن حرصه على الدقة في إنجاز الأعمال في توقيتها وعلى الوجه الأمثل، كما تبين كم كان مخلصاً وحريصاً على تقدم المسرح الإماراتي وتطوره.
وقد قال أحمد أبو رحيمة مدير إدارة المسرح بالدائرة، عضو الهيئة التنفيذية لمسرح الشارقة الوطني، أعرب عن حزنه العميق لرحيل الإداري الذي انطبع عمله بالجدية مع المهارة والإبداع، وقال أبو رحيمة إنه رافق الراحل لسنين في المجال المسرحي بالشارقة، مشيراً إلى انه لمس فيه دائماً إخلاصه لعمله ومحبته للناس وتواضعه وسعة صدره وثقته في المسرح الإماراتي.
ويقول عمر عبد العزيز، رئيس تحرير مجلة «الرافد» بالدائرة، إن العمل جمعه لسنوات طوال بالراحل، وثمة تواشجات نبيلة وأحاديث ضافية بينهما.
ويضيف: «خلال تلك السنوات كان العلي نموذجاً ساطعاً للإنسان النبيل العفيف، والزميل الرفيق الناظر لمعنى الزمالة المهنية في أُفقها الأكثر اتصالاً بالإبداع، وكان بالنسبة لنا كزملاء عمل، يمثل ميزان الشوكة الضابط للدقة في الأداء، المقرون باستكمال عناصر النجاح والكمال الفني الإبداعي، كما كان في إطار مربعه السحري بإدارة الثقافة بالدائرة، يحرك دولاباً شاملاً للفعاليات والنشاطات، والأسابيع الثقافية العربية والدولية، والمهرجانات، والندوات، والملتقيات، وكان المرحوم متفرداً في التخطيط بعيد المدى للفعاليات التي يرعاها ويشرف عليها.
وفي ذكراه ، قال أسامة مرة، الإعلامي الذي رافق الراحل لوقت طويل: «قرابة عقدين ونيف من العمل سوياً مع الراحل محمد عبدالله الذي تولى مسؤولية الشؤون الثقافية بالدائرة وكان من بين عملها الإشراف على «أيام الشارقة المسرحية»، وذلك في المراحل الأولى من تأسيس الدائرة 1984، يعني أن المسؤولية عدا كونها مضاعفة هي منفتحة أيضاً في الوقت ذاته على الوطن العربي، حيث تسعى الدائرة ليس لممارسة حراك ثقافي إنما أيضاً التأسيس لنهضة ثقافية شاملة تتعدى الإمارة إلى الدولة، ومن ثم إلى المنطقة العربية قاطبة».
من جانبه، قال هاني الطنباري، من إدارة المسرح بالدائرة الذي سبق له أن رافق الراحل أثناء عمله في «مسرح الشارقة الوطني»، إن الراحل كان يقف خلف المسرح، مستتراً في زاوية ما، ينتقل من يمين إلى يسار خلف الكواليس مترقباً، قلقاً... لا يعبأ بكمِّ الأضواء التي تتسلط على خشبة المسرح أو بالعدسات التي ترصدها، لكنه يعبأ بكل من يعتليها وبكل ما يدور عليها، كأنه مخرج العرض ومؤلفه وكل الفنيين، تؤذيه الأخطاء أكثر مما تؤذي مقترفيها، ويسعده الإنجاز أياً كان مصدره.
ويقول ياسر القرقاوي، مدير إدارة المشاريع والفعاليات بالإنابة في هيئة دبي للثقافة والفنون: «لا يخفى على أحد بأن الراحل كان من أهم المثقفين الأكاديميين ومن أبرز القادة الإداريين في المجال الثقافي، فقد كان واعياً بالثقافة وأبعادها، طيب الله ثراه على ما قدمه من خير للثقافة والمثقفين.
كما أصدرت الهيئة العربية للمسرح، بياناً نعت فيه الفنان والمسرحي الإماراتي محمد عبدالله آل علي، وصفته فيه بأنه «أحد رموز العمل الثقافي والمسرحي في الإمارات والوطن العربي، أحد رجالات المشروع النهضوي الذي يقوده صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة».
وجاء في اليان: «إن رحيل محمد عبدالله آل علي، إنما يشكل بالنسبة لنا محطة لنقول له: فلترقد بسلام من الله أبا عبدالله.. وإننا سنكون على درب العطاء النبيل لسائرون، يحدونا ما زرعته من خصال، وما شكلته من مثال».
لقد كانت الهيئة العربية للمسرح قد تشرفت بتكريم الراحل الكبير في مهرجانها السادس يناير 2014، الشخصية العربية المسرحية، وهي تدرك أن تكريم محمد عبدالله إنما هو تكريم لكل المثقفين في الإمارات والوطن العربي، إنما هو إعلاء من شأن الاحتفاء بقيم النبل والعطاء والتفاني، وعلامة لمسيرة ومنهج في العمل الذي ينفع الناس فيمكث في الأرض.
لقد استللنا من سيل الشهادات وصفه (جمع بصيغة المفرد)، لندخل في عالم رحب من الإبداع والتفاني والعطاء، لندخل في دائرة المعارف الملخصة بفرد، لندخل في عالم من السكينة والمودة والاحترام، لندخل في عالم محمد عبد الله العلي.
وها نحن اليوم نودعه وداع الجمع بصيغة المفرد.