دبي – صوت الإمارات
يرصد الشاعر محمد أبوعرب في مجموعته الشعرية الأولى "أعلى من ضحك الأشجار" البيئة الريفية في قريته القليعات المحاذية لنهر الأردن. ويمتح من قاموس الريف مفردات قصيدته، إذ يسمي نفسه "ابن شجرة اللوز الوحيدة"، لكن خط الحزن يتسرب في عروق النصوص، على الرغم من الألوان، خصوصاً خضرة الأشجار، التي تتفتح في المناخ الشعري. يقول في قصيدة "يحدث غالباً": "صامت أكثر من رخام القبر وجثث الخيول في ساحة المعركة/ كلّ ما في الأمر/ أني فقدتُ صوتي في جرّة البكاء/ وأهديت قلبي لنهر نحيل".
ويبرز المكان في المجموعة التي صدرت، أخيراً، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمّان، بوصفه ذاكرة محتشدة بالذكريات مرها وحلوها، بدءاً من التهجير القسري للعائلة من فلسطين إثر الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، مروراً بمجرى نهر الأردن، وذكرات الطفولة وشغب الظلال المتراقصة تحت الأشجار، والذاكرة العائلية للشاعر، متمثلة في الجد والجدة والأهل، وكذلك الممرات الجبلية وطقوس الشاي الصباحي والبساتين الممتدة مثل يد خضراء، وتناوب الفصول، خصوصاً الربيع الذي يبتكر الألوان من حجر أخضر.
وتضمنت مجموعة الشاعر أبوعرب الذي درس الصحافة في جامعة اليرموك في مدينة إربد، 44 قصيدة ترصد جماليات القليعات وذاكرتها. وفي إهداء المجموعة الشعرية، كتب "إلى القرية التي علمتني الحياة. إلى القليعات، سيرة القمح وغناء الخيول في أقصى الجبل. إلى كل الذين يمضون في البال مثل سرب حمام". وفي هذه العتبة، يشير الشاعر إلى جزء أساسي من انشغالاته في القصائد، كما يشير إلى الريف بوصفه إحدى مرجعيات النص لديه.
وتكشف عناوين القصائد، بوصفها مفاتيح أولية، عن الفضاء الشعري في المجموعة، التي جاءت في 99 صفحة، ومن تلك العناوين "نافذتان"، "وزن البكاء"، "بكاء لي"، "خجل الشجرات"، "مثل نقش الجدّات"، "طريدة البكاء"، "دعاء أمي"، "أبناء البساتين"، وغيرها من عناوين دالّة تشير إلى القاموس الجوّاني للقصائد، على الرغم من عنوان المجموعة "أعلى من ضحك الأشجار" الذي جاء في هذا السياق، كما لو أنه يشير إلى بكاء أعلى من ضحكات الشجر.
وذكر الشاعر أبوعرب الذي يعمل محرراً في القسم الثقافي في الزميلة "الخليج" عن تجربته الشعرية "ربما لا يمكن للشاعر اختبار مزاج قصيدته، وآلية نموه فيها، فهو في القصيدة قريب من الشعر بعيد عما سواه، لكنني كلما قرأت القصائد التي كتبتها، أجد أن كل ما أملكه حاضر فيها، وله أثر يتمازج مع غيره ليكوّن القصيدة، فبناء الصورة الشعرية لديّ يرتبط بمخيال التشكيلي، أو إن جاز التعبير، المشغول بالمرئي وتجلياته، إذ لم أغب يوماً عن الرسم، والتقاط التفاصيل الدقيقة في كل ما يمر أمامي، فبرغم أنني امتهنت الكتابة الصحافية، وكتبت القصيدة، إلا أنني أعود إلى الألوان والأقلام بين الحين والآخر".