رام الله - صوت الإمارات
شدّد رئيس الوزراء الدكتور محمد إشتية، على أهمية اعتماد الثامن من تموز، ذكرى وفاة الروائي والمناضل غسان كنفاني، يوما للرواية الفلسطينية.
جاء ذلك خلال إطلاقه فعاليات ملتقى فلسطين الثاني للرواية العربية، في المسرح البلدي بدار بلدية رام الله، وتنظمه وزارة الثقافة حتى الثاني عشر من الشهر الجاري، بمشاركة روائيين وناشرين وأكاديميين ونقاد من فلسطين ودول عربية، خاصة العراق وسورية والسودان، لا سيما أن سلطات الاحتلال حالت دون مشاركة أي من الروائيين والروائيات من حملة الجنسيات العربية، بعدم إصدار تصاريح لهم لدخول فلسطين، وهم من اثنتي عشرة دولة عربية.
ووصف إشتية الشهيد كنفاني بـ"صاحب القلم ذي الرأس المبريّ كحد الرصاصة"، وقال: غسان كنفاني زرع فينا الوعي، وتتلمذنا على ما كتبه عندما دعا إلى الثورة، حين كان يقول: "لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟"، مضيفاً: غسان كنفاني، وأنت في قبرك، الشعب الفلسطيني دق جدران الخزان.
ولفت إشتية إلى أنه من بين المعارك الرئيسية التي "نخوضها مع الاحتلال"، معركة الرواية، وهي معركة متراكمة حتى اليوم، فما يجري في فلسطين والقدس معركة رواية، لأنهم يريدون هيمنة الرواية اليهودية على حساب الرواية المسيحية والإسلامية عن فلسطين والقدس، وهي رواية تقوم على نفي الآخر.
وشدد على أن فلسطين شكلت مركزاً ثقافياً على مدار التاريخ، فمنذ الكنعانيين الأوائل، والشعب الفلسطيني راسخ على أرضه، وإن تبدلت الاستعمارات والاحتلالات.
وقال: على مدار التاريخ، روايتنا رسمت صورة فلسطين في العالم، ولهذا على المبدعين من الروائيين الفلسطينيين والعرب ترجمة رواياتهم إلى لغات العالم، كي تتحول هذه الروايات العربية والفلسطينية إلى وثيقة في سجلات العالم.
وأضاف رئيس الوزراء: هذا التزوير المتعمد لتاريخنا وجغرافيتنا، لن يغير الحقائق. سنبقى أوفياء لتاريخنا، ولجغرافيتنا، وما يكتبه الروائيون العرب عن فلسطين هو أصدق ما يكتب، وهذا ينطبق على ما كتبه الروائيون الفلسطينيون.
وأكد إشتية على أهمية زيارة المبدعين العرب إلى فلسطين، وتحقق لحمة الوطن عبر هذا الملتقى، متطرقاً إلى إبداعات العديد من الروائيين الفلسطينيين المشاركين في الملتقى، ومشيداً بها، من أمثال يحيى يخلف، ومحمود شقير، وأحمد حرب، وغيرهم.
وقال مخاطباً الروائيات والروائيين العرب المشاركين في الملتقى: حين تتحدثون مع الفلسطينيين وتستمعون إليهم، ستكتشفون أن كل فلسطيني رواية بحد ذاته، ليعود إلى استعارات من كتابات كنفاني، حين ختم: لم يعد البرتقال حزيناً في يافا، فلقد تم اغتيال البرتقال، كما يغتالون أشجار الزيتون في الأراضي المحتلة العام 1967، حين اقتلع الاحتلال من وقتها مليوني ونصف المليون شجرة، من بينها ثمانمائة ألف شجرة زيتون تم اقتلاعها كما اقتلع الفلسطيني من أرضه العام 1948، حيث سوّيت بالأرض 481 قرية، كي لا يعود الفلسطيني إليها. لكن بقي ما كتبت عنه سحر خليفة، وهو "شجرة الصبّار"، التي كلما "اقتلعت تنبت مجدداً كما الشعب الفلسطيني. كلما حاولوا اقتلاعنا سننبت من جديد.
كان وزير الثقافة د. عاطف أبو سيف تحدث في كلمته عن ذكرى استشهاد كنفاني، الذي "دق جدران الصمت والخرس، فكان صدى نبضه يرج الكون، ويعلي صرخة الحكاية، ويرسم بلون الأرض اسم البلاد".
وقال: في الثامن من تموز، يحمل ملتقى فلسطين الثاني للرواية العربية، رسالة واضحة نؤكد من خلالها على أهمية الفعل الثقافي العربي، من خلال مشاركة الروائيات والروائيين العرب في فعاليات الملتقى، خاصة ونحن نواجه ونجابه كل سياسات المحو والإلغاء التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي المسنود بكامل الدعم الأميركي الذي يعزز دور الاحتلال في المزيد من النهب والسلب والتغيير لمعالم وتاريخ وجغرافية فلسطين والقدس قلبها.
وختم: إن مشاركة الكتاب والأدباء العرب تعني إسناداً واضحاً ورسالة في مواجهة كل المحاولات لتكريس نهج الاحتلال لأرضنا وشعبنا والاعتداء على حكاية الوجود الفلسطيني، عبر تحريف مسار التاريخ ووجه الحاضر.
وقدمت فرقة جامعة الاستقلال للفنون الشعبية لوحات استعراضية على خلفية أغنيات وطنية وتراثية لاقت استحسان الحضور من فلسطينيين وعرب، حيث أبدع راقصو وراقصات الفرقة من مختلف الأعمار في تقديم ما ينتزع الإعجاب، فكان الجميع على كف رجل واحد.
هذا وانتظمت، عقب حفل إطلاق فعاليات الملتقى، الندوة الافتتاحية له، بعنوان "الكتابة عن فلسطين.. تأصيل الرواية في مواجهة الآخر"، أدارها الروائي الفلسطيني أحمد حرب، وقدم مداخلته فيها إلى جانب الروائيين العراقيين إنعام كجه جي وجنان جاسم حلاوي، والروائي الفلسطيني يحيى يخلف.
"فلسطين.. ولدنا وهي في البال، وأنا سعيدة جداً بأن العمر لم ينقضِ دون أن أراها، وسعيدة أيضاً لأنني في روايتي الأخيرة (النبيذة)، كانت شخصية فلسطينية واحدة من الشخصيتين الرئيسيتين فيها".. بهذه الكلمات بدأت الروائية العراقية إنعام كجه جي، ضيفة ملتقى فلسطين الثاني للرواية العربية، حديثها الناطق بحب فلسطين.
وقالت كجه جي: هي مستلهمة من شخصية حقيقية لفلسطيني ولد وعاش فيها في ثلاثينيات القرن الماضي، ولا يزال على قيد الحياة، ولهذا اضطررت إلى إعادة قراءة تاريخ القدس حيث كان يعيش، لكونه مقدسياً، فكنت كمن يتمشى في "البقعة التحتا" و"البقعة الفوقى"، وفي مكتبة والده المليئة بالكتب والمخطوطات، والتي نهبت بعد الاحتلال.
وكشفت: لم أختر أنا هذه الشخصية الفلسطينية، بل بطلة الرواية، وهي عراقية تعرفت إلى المقدسي الفلسطيني في العام 1950، حيث كانا يعملان سوياً في إذاعة كراتشي العربية، وتولدت بينهما قصة حب لم تكتمل إلا بعد بلوغهما سن الشيخوخة، فهي التي طلبت مني البحث عنه، وكان ذلك بالفعل.. وجدته في فنزويلا، وكان مستشارا للرئيس الراحل هوغو شافيز، وسفيراً لفنزويلا في تركيا.. اتصلت به، وكنت متحرجة، ومتشككة أيضاً إذا ما كان سيحدثني عن قصصه القديمة، وفوجئت به يقدم لي مذكراته، ورسائله الغرامية مع بطلة الرواية العراقية.. هذه شخصية من لحم ودم، لكن خيال الكاتب يضفي عليها أبعاداً أخرى.. القارئ العربي كان يسأل إذا ما كان شخصية حقيقية، وهو بالفعل ذلك، ولا يزال على قيد الحياة في عمر الثامنة والثمانين، ويقيم في كراكاس.
ولفتت كجه جي إلى أنه "في كل بلاد العالم يوجد فلسطينيون، وهناك حضور فلسطيني قوي في الدول العربية والعديد من دول العالم، خاصة في الثقافة والفنون والصحافة والتعليم"، وأكدت: الرواية ليست مانشيتات وعناوين مباشرة، وما أحرص عليه بشكل خاص الدخول إلى الحياة اليومية للناس، لأنني عانيت كثيرا.. أنا مقيمة في الخارج، وكل الأخبار التي تتحدث عن العراق أو عن فلسطين أو عن سورية أو عن اليمن وغيرها، ترتبط عادة بالحديث عن الدكتاتوريات والحروب والاحتلال والنزاعات والانقلابات.. صحيح أن هذا يحدث في بلادنا، لكننا نعرف السبب، ونعرف من هو الفتيل المحرّك.. لكن، الأهم، هو من هم هؤلاء الناس الذين يعيشون هذه الظروف.. هناك حياة يومية وتفاصيل كثيرة ومعاناة للملايين في هذه الدول، وهناك أيضاً حب وطموح وأمل.. حكايات لمن يرغب في إكمال دراسته والظرف السياسي يحول دون ذلك، والعائلات التي تشردت ما بين القارات ولم تعد تلتقي إلا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أي في العالم الافتراضي، وغير ذلك، بعيداً عما يتردد في نشرات الأخبار التي تتعاطى مع البشر كأرقام.
وشددت صاحبة "النبيذة" و"طشاري" و"الحفيدة الأميركية" وغيرها، على أن "فلسطين موجودة في حياتنا.. حين توجهت إلى القدس في زيارتي الأولى لفلسطين، وهذه زيارتي الثانية لها، وجدت أن إحدى رواياتي مقرصنة .. الكاتب عادة يجب أن يحزن في هكذا حالة، لكنني كنت في منتهى السعادة، فما يهمني أن تصل رواياتي إلى فلسطين، ولو كانت مقرصنة".
وأكدت كجه جي: كنت أتمنى لو أن بقية زملائي المدعوين إلى الملتقى، لكن الروائيين من حملة الجنسيات العربية، ولا يحملون جنسيات أجنبية لم يحصلوا على تصاريح لدخول فلسطين حتى اللحظة.. كان من المفترض أن يشارك أكثر من ثلاثين روائية وروائياً ومبدعاً عربياً، ولكننا ثمانية فقط ممن نحمل جنسيات أوروبية، لكن كونوا على ثقة أننا سنقول ما سيقولونه وأكثر، فهذه مسؤولية كبيرة.
وقالت الروائية العراقية بألم: من وعينا على الدنيا، ونحن نسمع العبارة التي تتكرر كثيراً "أمّتنا تمر بلحظة حرجة"، ومن المفترض أن تكون اللحظة محض هنيهات، ومن غير المعقول أن تستمر اللحظة إلى ستين أو سبعين عاماً .. إلى متى سنواصل القول "فلسطين الجريحة"، و"بغداد الجريحة"، و"الموصل مدينتي الجريحة" .. لنتجاوز الجرح، ولنداوِ جراحنا، ولهذا نكتب.
وأضافت: نكتب لنحفظ الذاكرة، فحين أكتب عن ثورة القسام التي أنا وأبناء جيلي نعرفها جيداً، فإنني أنقلها إلى شباب اليوم من أبنائي وأحفادي، ممن هم بحاجة إلى تعريفهم أو تذكيرهم بها، ولكن بعيداً عن الطابع أو الشكل المدرسي الجاف، بل عبر الرواية والشعر التي هي وسائل راقية وصحية للتسلل إلى الروح البشرية .. الكتابة، وخاصة الشعر والرواية هي من الوسائل الجميلة للدخول إلى العقول الشابة.. عبر الكتابة لا نحفظ الذاكرة والهوية فحسب، بل نحفظ الحق أيضا.
واستهجنت كجه جي الحديث "تطبيع" عند زيارة فلسطين، مشددة: أنتم تقولون إن زيارة السجين ليست تطبيعاً مع السجّان.. أنا ابنة شعب حر، وقادمة لزيارة شعب حر.. كنت متخوفة في المرّة الأولى عندما دخلت عن طريق الجسر، وكنت أتساءل عن طبيعة موقفي عند مواجهة أول ضابط أو جندي إسرائيلي.. دخلت ووجدتهم متعبين ومرهقين.. رفعت رأسي، وتملكني شعور من تدخل بيتها وتجد فيه لصّاً، فاللص من يرتبك، ولذا لم أكن مرتبكة.. دخلت برأس مرفوعة، والتقيت بشعب حرّ، فيكفي أن الشعب الفلسطيني قاوم ويقاوم كل هذه السنوات.. نحن أبناء لغة واحدة، وطموح واحد، ومشاكل واحدة.. أنا لا أدخل فلسطين لزيارة سجين، أنا أدخل إلى فلسطين التي أراها حرة دائماً وتقاوم، فعن أي "تطبيع" يتحدثون؟!
"الأدب أقوى.. فلسطين تحاصركم"
باتت دار "المتوسط" في إيطاليا، وخلال سنوات قليلة، واحدة من أبرز دور النشر العربية، انفتح خلالها، مؤسسها الشاعر الفلسطيني المغترب خالد الناصري، على الفلسطينيين في الشتات، والآن المقيمين في الوطن من المبدعين، كما شكل مساحةً لاستضافة إبداعات كتاب وروائيين وشعراء وأكاديميين ومنظرين من مختلف الوطن العربي، خاصة العراق وسورية، وأخيراً مصر، علاوة على كونه منصة مهمة لإطلاق ترجمات لها حضورها الخاص في المشهدين الأدبي والأكاديمي، فيما للناصري مشوار له حضوره الخاص على المستوى الشعري، ومثلها الإعلامي، وفي السينما أيضاً.
ولد الناصري في "دمّر البلد"، أي البلدة القديمة لدمّر المنطقة السياحية الشهيرة بسورية ما قبل الحرب، وهو ابن أسرة فلسطينية لاجئة. كان والده معلماً، ووالدته معلمة، وكذلك عمه، وشقيقته بعد ذلك، وأبناء عمومته، فهو من أسرة جل أبنائها يعملون في التعليم.. "نحن من عائلة يفترض أنها من الطبقة الوسطى، لكنها عايشت لحظات انهيار الطبقة الوسطى في سورية"، وهو كما يرى "من أخطر ما يمكن أن يمر على دولة"، وذلك كان "بفعل نظام دكتاتوري عنيف جداً، خص المقربين له بامتيازات دون غيرهم، خاصة في الجانب الاقتصادي، فتكونت طبقة رأسمالية ضخمة توسعت على حساب الطبقة المتوسطة، التي انضم جزء كبير منها إلى الفقراء".
وحول مبادرته "الأدب أقوى" التي تقوم على فكرة إصدار طبعات فلسطينية لكتب بعينها تصدر عن منشورات المتوسط، وبالتعاون مع الدار الرقمية في فلسطين، قال الناصري: "الأدب أقوى.. فلسطين تحاصركم" جاءت من أول مشاركة لمنشورات المتوسط في معرض فلسطين الدولي للكتاب العام 2016، حيث قامت سلطات الاحتلال باحتجاز كتبنا كاملة، ومرات لأسباب وذرائع واهية، ومرات دون أسباب. في فلسطين يحدث أحياناً ما يمكن وصفه بـ"المعجزات الحقيقية"، أبلغتني مديرة المعرض بوصول الكتب في اليوم الأخير، وقبل إغلاق المعرض أمام الجمهور بساعتين فقط.. حدثني د. إيهاب بسيسو، وكان وزير الثقافة، آنذاك، وشجعني على عرض الكتب، كون أن كثيرين ينتظرونها بشغف، وقام بتمديد المعرض لساعتين إضافيتين.
وتابع: ما حدث كان "سيريالياً"، حيث نفذت، تقريباً، الشحنة بأكملها، وكان أمراً مستهجناً لي حقيقة، ومن هنا جاءت فكرة "الأدب أقوى"، وهي طبعات خاصة بفلسطين، وكانت الرسالة للاحتلال بأنكم لو كنتم تسيطرون على الحدود، فنحن قادرون على طباعة كتب من داخل فلسطين، لذا قررنا طباعة بعض الكتب الصادرة عن منشورات المتوسط في طبعات فلسطينية، وبخاصة تلك التي نعتقد بأنها تهم القارئ الفلسطيني.
وأضاف: الفكرة من هذه المبادرة هي عوضاً عن عبور الكتاب للحدود التي تسيطر عليها قوات الاحتلال وسلطاته، الاتجاه نحو ولادة الكتاب في فلسطين، وبالتالي يحمل جنسيتها.
ولفت الناصري، إلى أنه، مؤخراً، تمت طباعة عديد الروايات للمشاركين في ملتقى فلسطين الثاني للرواية العربية، منهم من يشارك بالفعل كالروائي العراقي جنان جاسم حلاوي وروايته "البستان والغرباء"، وأخرى لروائيين لم يتمكنوا من المشاركة بسبب سياسة استصدار التصاريح، كرواية "سلالم ترولار" للروائي الجزائري سمير قسيمي، ورواية "بلاد القائد" للروائي اليمني علي المقري، وغيرهم، وستحتفي فلسطين بهذه الكتب. صحيح أنهم منعوا من دخول فلسطين، لكن كتبهم بيننا، والكاتب حين يعلم أن كتابه يشارك في الملتقى فإن في الأمر ما يعزّيه عن عدم مشاركته.
وشدد الناصري على أن هذه المبادرة هي شكل مجازي لكسر العزلة والحصار على فلسطين، وفضح سياسات الاحتلال في منع الدخول ليس للروائيين والكتّاب فقط، بل والروايات والكتب أيضاً.
وقــــــــــد يهمك أيـــــضًأ
فادي أوطه باشي يبحث عن السلام مع "الآتون من السماء"
إيهاب بسيسو يُؤكِّد أنّ المكتبة الوطنية الفلسطينية مشروع استراتيجي