دبى - صوت الامارات
يستند الإبداع الأدبي على مر العصور على أحداث ومشاهد غيرت مجرى الأحداث وأطلقت العنان لخيال الكاتب أو الشاعر في طرح ذائقته الفنية التي لمست قلوب وعقول الملايين في الشارع العربي، لما تمتع به صدق المشاعر ودقة التعبير عن أحاسيس مختلطة في ظل الكوارث والأزمات، ومع تداعيات انتشار «كوفيد-19» يتفاعل الأدباء الشعراء والمثقفون مع تلك الأزمة برؤى وأطروحات مختلفة في سياقها لتوثيق المشهد والكلمة في ظل العزل المنزلي تأسيساً لنصوص أدبية معاصرة في زمن الكورونا.
مسؤولية إنسانية
يؤكد الدكتور محمد بن جرش الأمين العام لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات، أنه يعكف على إعداد نص إبداعي من وحي فضاءات العزل المنزلي للسلامة والوقاية من المرض وفقاً للإجراءات الحكومية، ويعتقد أن كل مشهد أو حادثة بشكل عام تؤثر في فكر وروح مبدع لرسم تلك المشاهد البصرية والتفاعلات بحلوها ومرّها من خلال عمل إبداعي، وأعتقد أن فترة العزل المنزلي سوف تمنح المبدعين فرصة لكتابة نصوص جديدة، فهي بمثابة مختبر إبداعي لتوثيق ما يجري محلياً وعالمياً عبر الدور الكبير للوظيفة المجتمعية للمثقف العربي، فيما يتعلق بمسؤوليته الوطنية والإنسانية عبر إنتاجه الأدبي وبما يمتلك من أدوات فنية ومتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي في طرح موضوعات ملهمة تسهم في رفع مستوى الوعي للمجتمع، والتكاتف للخروج من هذه المحنة أقوى وأكثر إبداعاً.
توثيق الحاضر
من جهته، يرى الكاتب والمستشار الاقتصادي نجيب الشامسي، أن المثقفين في أي مجتمع إنما هم جنود يسهمون في الدفاع عن الأوطان وفي صناعة الوعي وتنميته، وهم قادة تنوير في الدول خاصة عند حدوث الأزمات والصدمات لذلك يعتقد أن هذه الأزمة الناجمة عن هذا الوباء سوف تشكل مادة خصبة لدى المثقفين والكتاب والأدباء والمسرحيين، عبر أعمال توثيقية عن حالة الناس والمجتمع خلال فترة تفشي هذا الوباء، وتؤرخ لأيام كورونا بالإحصاءات والأرقام، وكذلك هم الكتاب المتخصصون في الاقتصاد، حيث سوف تكون لهم كتابات عن انعكاسات وتداعيات هذا الوباء بالأرقام والإحصاءات على الأوضاع الاقتصادية لتكون هذه الكتابات مراجع عند مواجهة أي أزمات أخرى في المستقبل.
مئة عام
وتعتقد الكاتبة فتحية النمر أن «كورونا» شأنه شأن أي وباء يباغت العالم، وأن مقدماته كان حاضرة في وجود مشكلة الانبعاث الحراري والتلوث البيئي وباتت القضية عامة لا تستثني أحداً، وبكل تأكيد ستكون جزءاً من ذاكرة الكتاب والشعراء وسينحتون في ضوئها أعمالاً كثيرة وقد تكون مهمة وخالدة مثل قصيدة «الكوليرا» لنازك الملائكة التي دبجتها في الكوليرا التي اجتاحت مصر وحصدت الكثير من الأرواح، وكذلك هناك أعمال أدبية في شأن الكوليرا كتبها نجيب محفوظ في روايته المعروفة باسم «المرايا» وهناك «الطاعون» لألبير كامو و«الحب في زمن الكوليرا» لغارسيا ماركيز، وأنا أيضاً بصدد نص روائي سأجعل كورونا حاضرة فيه بتداعيات لم يعتدها الناس هنا في الإمارات وبشكل عام يواجه البشر كل 100 عام بلاء أو وباء تفجره الطبيعة كرد فعل.
كبسولة الزمن
من جانبه، يشير الكاتب ياسر القرقاوي رئيس مسرح دبي الوطني، إلى أن الأدباء والشعراء يبدعون دائماً في وصف الحالات، خاصة عندما يكون الصراع والتحدي خطراً حقيقياً وليس وهمياً، فنحن في مرحلة صعبة، لنسجل ونكتب تاريخاً مهماً لأحفادنا، تماماً كما كان يحدثنا الأجداد عن الجدري والحصبة وغيرها من الأوجاع والأسقام التي أذاقتهم الأمرين، وكم من حبيب فقد حبيبه لما كان، ونتمنى حقيقة أن ينتصر العلم اليوم على هذه الجائحة العالمية وتنتصر الثقافة والمعرفة عبر الإبداع الإنساني قد يتمثل في نص أدبي أو شعري ومشاهد تمثيلية «من الشعب» للتعبير عن الحالة الجدلية التي بات فيها الحليم حيراناً، وكأني أراها كبسولات زمنية صغيرة جداً، تعبر عن الواقع الذي نعيش فيه، سواء أكان بتعبير فكاهي كوميدي أو جاد وحتى محزن تراجيدي، فالشعراء بدؤوا فعلاً نظم قصائدهم، تعبيراً عن هذه الأجواء، فالأجواء العامة لوباء كورونا والتي انتشرت كالنار في الهشيم بسرعة، خير محفز لذلك، وأنا على يقين بأننا سنشاهد مسرحيات قريباً تتحدث عما جرى لنستفيد من دروس هذه المرحلة.
حقيقة العزلة
وترى الكاتبة مريم الزرعوني أن جائحة «كورونا» تمس كل إنسان باعتبارها تحدياً على مستوى الوعي والصحة والممارسات المجتمعية أيضاً، ولا شكّ أن للشاعر رؤية تختلف عن الآخر لاعتبارات عدّة، أولها رهافة الشعور، وآخرها الملكات التي تمكنه من التعبير عما يعتريه حيال الجائحة وتداعياتها،وبكل تأكيد سيشكل هذا الفيروس ذاكرة في الأدب لا شك في ذلك، ليس في ذاته، إنما فيما سببه من العزلة، والتباعد، والمحدودية، والتي تجعل المرء يتفكرّ في فكرة التملك والسيطرة، ومدى اقترابها من الحقيقة أو الوهم.
ذاكرة الإبداع
وحول ما إذا كانت تداعيات فيروس «كورونا» ستصبح جزءاً من ذاكرة الإبداع الأدبي والشعري يقول الشاعر غانم العامري، إن في كل مرحلة من حياتنا ذاكرتها الخاصة بجمالياتها ومساوئها، فكم مرت الأمة العربية أخيراً بمراحل حرجة، أما هذه المرة فقد اتحد العالم كله أمام خطر يهدد الإنسانية، وهذا ما يميز أحداث اليوم والتي ستكون ذاكرة المستقبل، وبالطبع إن حالة الحجر المنزلي العامة التي نعيشها ستغير مجريات التاريخ إلى منحنى آخر، فهذا الفيروس استطاع بأن يغير نمط حياتنا، وأمسى الناس أكثر وعياً لمصادر الأخبار الموثوقة بدلاً من وسائل التواصل الاجتماعي، فلا شك بأن «كورونا» سيكون مؤثراً كثيراً في التعبير الإنساني للشعراء والكتاب والسينمائيين والمسرحيين والتشكيليين وغيرهم.
قد يهمك ايضا:
الشمس تغرب من فوق الكتف اليمنى لأبو الهول في ظاهرة فلكية متميز
وزير الثقافة الأردني يشكّل لجنة لتوعية المواطنين ضد "كورونا"