دبي - صوت الإمارات
وسط حضور جماهيري كبير، أعلن ليلة الثلاثاء كل من محمد الجنيبي ود. نادين الأسعد عن المتأهلَين إلى المرحلة التالية من المسابقة عن الحلقة الثانية بعد أسبوع من التصويت، فتأهل الشاعر قيس قوقزة من الأردن بحصوله على 88 درجة إثر جمع درجات المشاهدين ودرجات لجنة التحكيم، تلاه علي العبدان من الإمارات الذي حصل على 48 درجة، والجزائرية آمنة حزمون التي خطفت بطاقة لجنة التحكيم بحصولها على 47% ، فيما غادرت هاجر عمر من مصر المسرح بـ45 درجة فقط، تاركة وراءها أثراً لطيفاً.
وإلى قافلة المتنافسين انضمّ الثلاثاء أربعة فرسان جاؤوا من دول عربية أربع، وهم آمنة حزمون من الجزائر، شيخنا عمر من موريتانيا، وردة سعيد من الأردن، وليد الخولي من مصر، فأطلوا عبر قناتي الإمارات وبينونة في تمام الساعة العاشرة من مسرح "شاطئ الراحة" بالعاصمة الإماراتية.
وبعد ليلة حافلة بالنزعة الصوفية والحب استطاعت آمنة حزمون خطف بطاقة لجنة التحكيم بحصولها على 47%. فيما توجّب على الشعراء الثلاثة الانتظار حتى الأسبوع المقبل ريثما يتم الإعلان عن المرشحَين الآخرَين اللذين سيكملان درب الشعر في "أمير الشعراء"، حيث منحت اللجنة وليد نسيم 45%، ووردة سعيد الكتوت 42%، وشيخنا عمر 36%.
كل ذلك وما يليه من الفقرات كان مترجماً بلغة الإشارة التي تمكّن الصم والبكم من متابعة حلقات "أمير الشعراء" بموسمه السابع الذي يظهر بعد أعوام من انطلاقه بإخراج مسرحي لافت، وإخراج تلفزيوني فريد.
الثلاثاء لم يكن الليل حافلاً بما قال الشعراء فقط في هيئة قصائد، إنما بالشعر المغنى كذلك، حيث قدمت المغنية مشاعل قصيدة من كلمات الشاعر نزار قباني (يسمعني حين يراقصني)، والتي سبق للمطربة ماجدة الرومي أن غنتها. في حين كان أبو الطيب المتنبي وأبو فراس الحمداني أشهر شاعرين في العصر العباسي موضع اهتمام الحلقة، وكان على الشعراء الأربعة مجاراة أبيات لهما.
آمنة حزمون التي حلت أولاً حسب تقييم لجنة التحكيم، أولى شعراء الحلقة، فقدمت بداية نص المجاراة، ثم انتقلت إلى نصها "توسّل على سلّم الضوء" الذي اخترنا من بدايته:
(خذني إليك مجازاً إنّني لغة/ كلّي خيال.. وهذا الكلّ توّاق/ خذني إذا كبّر الحجّاج وانصرفوا/ واحتلّ صومعة النّسّاك عشّاق/ وطاف آخر درويشٍ بكعبته/ وانسلّ من جبّة الحلّاج مشتاق/ خذني.. فلن يدرك العرّاف وجهتنا/ ولن تمدّ لوجه الغيب أحداق)
د. صلاح فضل رأى أن آمنة تعبر بجرأة محسوبة، تشف عن حالات شعرية صافية من الحب. تلبس وشاحاً صوفياً لتخرج من جبة الحلاج، أما تكراراتها مفردة (خذني) فقد جاءت بليغة، وتذكرنا بإيقاعات الشاعر نزار قباني، وبالتالي يمكن أن يلحّن نص آمنة ويُغنى.
لكن قوافي آمنة – كما قال د. فضل - عسيرة صعبة، ومع ذلك جاءت مستقرة لا تقلقها أي قلقلة، وفي نصها تورية ذكية وجميلة فأبدعت، وهي شاعرة واعدة ومتحققة، تثبت أن في الجزائر حرائر.
د. علي بن تميم قال: إن نص آمنة بهي وضوئي، وحتى إن كررت كلمة (خذني) عدة مرات فإنها تؤكد أن القصيدة هي قصيدة حب تقوم على طلب الوصال، وتوسل على سلم الضوء، مشيراً إلى أن في نصها الجميل حباً إلهياً يتملّك الشغاف، لأنه اعتمد على الصوفية في مفرداته، وعلى التسامح كذلك. والشاعرة في نصها تفضل الكتمان، وهي التي وظفت اسمها بذكاء وزهو خفي، لأنها تمقت الأنا.
متسائلاً في النهاية إن كان يلجأ النص إلى التحايل هروباً من الرقابة الذكورية؟
إلقاء آمنة حزمون أعجب د. عبدالملك مرتاض، فوصفه بأنه ممتاز، مشيراً إلى أن النص استحال إلى حدائق جميلة من خلال ما ورد فيه من مفردات مثل (روض، نخل، رمان، دراق)، فجاءت الشاعرة بصورة شعرية مخادعة لكن حديثة جداً وأنيقة، ما دفعه للقول إن آمنة شاعرة أنيقة، وعليها أن تعنى بلغتها، لافتاً إلى الدفق الشعري الذي غلب عليه الصنعة والتكلف.
صعوبة وغرابة
شيخنا عمر كان ثاني شعراء الأمسية. ألقى نصاً قال عنه سعادة الدكتور علي بن تميم إنه من العنوان يشي بأنه مسكون بهاجس الرحيل الذي كان يؤرق الشاعر القديم. والنص عموماً - مثلما أضاف - ينزع إلى الغموض والإبهام، وهي نزعة سلبية، ورغم أن الشاعر حاول رسم مشاعره، إلا أنها بدت متضاربة وغريبة، ولم تنقل الحالة الشعرية، وما زاد من الغرابة المفردات التي حاول شيخنا من خلالها ابتكار صور شعرية، غير أنها لم تصنع صورة راسخة فيما قدم، فبدا في النص قلق وجودي. ومما جاء فيه:
(وكنت على نوء المساء مبعثرا/ وكلّ فمٍ في التّيه يحسبني قطرا/ تعرّى ذهولي كالنقوش وسامرت/ كواكب أحلامي مجرّتك السّكرى)
ووجد د. عبدالملك مرتاض أن في القصيدة تكلفاً رغم جمالها، أما أبياتها التي عارض فيها أبو فراس الحمداني فقد كانت منسابة، لكنها أيضاً متكلفة. ومع أن الشاعر سعى إلى تقديم نص كبير، إلا أن ما قدمه كان بحاجة إلى مراجعة. ثم طلب د. مرتاض من شيخنا اختيار نص غير متكلف وممتلئ بالصنعة في المرات اللاحقة.
د. صلاح فضل قال لشيخنا: إنك تملك طاقة شعرية قوية، وقدرة بارزة، والجمهور يتجاوب معك، لكن نصك متكلف وصعب، ومجازاتك صعبة جداً، وفي النص عبارات مقحمة، وأنت شاعر مركب، وكل بيت من أبياتك يحتاج إلى معلم، ومع ذلك قدمت نصاً قوياً.
إتقان صناعة النظم
وردة الكتوت ألقت "سارق النار" قصيدتها التي بدأتها بمطلع قالت فيه:
(من سكرة الروح/ لا من صخرة الجسد/ أمشي إليك/ ويقتات الهوى كبدي/ يلقي علي قميصاً قد من قبل/ شوق لعينيك لم يهد ولم يكد)
والصورة في القصيدة تقوم على صناعة النظم لا على دفق الشعر.. هكذا قال د. عبدالملك مرتاض، معتقداً أن وردة قدمت صورة فنية بديعة، حيث جعلت البحر يسوق الموج ويطاردها بكل ما فيه من أهوال، إلى جانب صورة أخرى بديعة ترسم لوحة فنية من فزع وبغي وعدوان، لكنه وجد نشازاً في البيت التاسع، وكذلك في نهاية النص، وتمنى على وردة لو أنها لم تحكم على الأردنيين بأنهم يعيشون في كَبَد، لأن البلد الحضاري لا يمكن أن يعيش ذلك.
لكن من وجهة نظر د. صلاح فضل فإن وردة تتقن صناعة الشعر. صياغاتها قوية، وصورها جميلة، وتراكيبها مشحونة، وهي معجونة بالبلاغة القرآنية، وتشرب منها عبر القصيدة، غير أن هذا الأمر يسلبها طاقتها لأنها لا تستطيع مجاراته، فالقرآن كالشمس، وليس للشموع أن تضيء ما يضيئه. ورغم وجود افتعال فيما قدمته، لكن في المقابل لها لفتات طريفة وأنثوية بديعة، مقدراً اعتزازها ببلدها.
د. بن تميم لفت إلى بروميثيوس "سارق النار" عنوان قصيدة وردة، ورأى أن الشعر هو النار المقدسة المضطرمة، وأن علاقة الشاعرة بالشعر هو فناء تام، وحسب أفلاطون (إن أعطيته كلك يعطيك بعضه) مثل العلم. وفي النص – كما أشار - عدة مستويات تشبه دلالات قميص يوسف بين مراودة ومراوغة، لتتعالق الشاعرة مع النص القرآني بذكاء وجمال، وترسم علاقتها بالشعر.
أما المطلع فقد جاء جميلاً ورائعاً، والبيتان الأخيران يستنهضان همم الأردنيين كي يقفوا ثانية بالإبداع.
صوفية وإنسانية
تحت عنوان "ضوء يخفّف الطين" ألقى وليد الخولي قصيدته التي نالت إعجاب د. مرتاض، بدءاً من العنوان الذي اعتبره في غاية الشعرية، أما بالنسبة لصور النص فكانت جميلة، وبعضها حديث جداً، حيث الشاعر يشجر المعنى، ويجعل الصور تتوالد وتتشعب، فيصور بالحداثة ويبني بالتراث، وكأنه يستلهم من البيت الجاهلي (وتضحك مني شيخة عبشمية/ كأن لم ترَي قبلي أسيراً يمانيا). من جهة ثانية استطاع الخولي تضمين ابن عربي ببراعة شعرية دون أن يقلق التناص في النص الذي اقتطفنا من نهايته:
(وهل أنا لي إن لم أكن لك/ صحتُ بي/ فما أنا إلا أنت/ وهْو سوى هِيا/ فمِن حقل زهر ينشد النحلُ شهدَه/ وألوان طيفٍ تبدع النور صافيا/ (لقد صار قلبي قابلاً كلّ صورة)/ وقسّمتُ روحي بينهنّ تساويا/ أمدّ إليك القلبَ/ صافحْ محبّتي/ وشمّ شذى روحي يضوع تصافيا/ على الأرض سِلْمٌ/ والأنام مسرّةٌ/ وكلّ إلى كلّ يحنّ تلاقيا)
د. فضل تحدث عن الضوء في النص، حيث إنه لا يخفف العتمة وحسب، بل يجعله بللوراً، وهو ضوء المحبة الإنسانية، والشاعر أبدع إذ علق قلبه بجناح فراشة، وناشد أخاه للخروج من العزلة كما فعل أكتافيو باث، ومن فخ الهويات القاتلة. وحين عاد وليد إلى المتنبي كي يقشر النصال ويتكئ على ابن عربي، فبدا أنه يدعو إلى مذهب الإنسانية ودين الحب.
د. بن تميم ركز أيضاً على تأثر شعراء الموسم السابع بالصوفية، وكأنهم يريدون البحث عن دين بلا إيديولوجية وتشدد، ثم قال للشاعر: حسناً فعلت حينما ذهبت إلى ابن عربي، فقصيدتك تتسامى بدءاً من عنوان فيه مفارقة بين الطين الجسد والضوء الروح، وقصيدتك تتحاور مع النفري، وهذا جيد منك وموفق فيه. وحول آخر بيت رأى د. بن تميم أن صياغته الشعرية جميلة، ومستلهَم مما قاله السيد المسيح (المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة)، وبالتالي علينا أن نحيي اليوم الكولاج الروحي الإنساني الصوفي كما كانت تفعل النصوص الشعرية القديمة التي نزعت إلى الصوفية.
مشاكسة.. وزيارة
حفلت ليلة الثلاثاء بالشعر الفصيح والنبطي من خلال "المشاكسة" الشعرية بين الشاعر نذير الصميدعي نجم "أمير الشعراء" في موسمه السادس، والشاعر محمد السكران التميمي نجم "شاعر المليون" في موسمه السابع، حيث تحدّى كلاهما الآخر في أهمية ومكانة كل من الشعر النبطي والشعر الفصيح.
وحفلت الحلقة أيضاً بالمحبة والفرح، إذ تسنى لشعراء هذا الموسم زيارة جامع الشيخ زايد الكبير ، فجالوا في أرجائه، وقالوا فيه أبياتاً من وحي التسامح والسلام، كما أظهر التقرير المصور الذي عرض خلال الحلقة التي أشارت إلى أسماء الشعراء الأربعة الذين سيحلون في مسرح "شاطئ الراحة" فرساناً ومتنافسين ثلاثاء الأسبوع المقبل، وهم: طارق الصميلي من السعودية، إباء الخطيب من سوريا، أفياء الأمين من العراق، نوفل السعيدي من المغرب.