الفنانة الإماراتية الشابة إيمان الهاشمي

تتميز أعمال الفنانة الإماراتية الشابة إيمان الهاشمي، بسِمات وقابليات بصرية تعتني بعلاقة الأبعاد مع الفراغ، وتشتغل في فضاء سيمتري متجانس يطغى عليه اللون المحايد، ضمن المسافة التخيلية بين الأبيض والأسود عموماً، فيما تعمل الألوان الأخرى على إشاعة بقع من البهجة الحسية، والقطع الأليف بين الانطباعات المتضادة، للجمع بينها في إطار يمنح عملها الفني نوعاً من الحياة والحيوية والحرارة العاطفية.

وتلجأ الهاشمي لخلق علاقة رياضية وتكاملية بين المكعبات الصغيرة، بتدرّجات شكلية توحي بالبناء والهدم في الوقت ذاته، كما أن أعمالها التركيبية تبدو مثل منحوتات ورقية شفافة يمكن التعاطي معها بنوع من الانجذاب المؤسس على الفضول والاكتشاف وتحويل الأشكال المجسمة، إلى مصائد للدهشة والفرح الطفولي المفتقد.

وتنحو أعمالها المنفذة بأسلوب "الكولاج" في الاتجاه ذاته، وفي القصد الفني المنشغل بالتناغم، وحماية الذات من الفوضى والضجيج والقلق، وكأن ثمة نداء خفياً هنا يدعونا للتأمل في الهوامش المنسية، واستجلاب حالة من الذوبان والتجلي داخل تلك الأنساق البهيّة من الرؤى واختراق قشرة الواقع وصلابته.

وتعبر إيمان عن تجربتها لـ "الاتحاد" قائلة: "رحلتي مع الفنون البصرية كانت غير متوقعة في البداية، ولكنها قادتني إلى مناطق تخيلية مثيرة، حيث بدأت علاقتي مع الفن عندما اخترت قسم التصميم والفنون الجميلة في جامعة الشارقة، وجربت أنواع الفن المختلفة في السنة الدراسية التأسيسية. فأحببت العمل بيدي واستكشاف الطرق المختلفة التي يمكن العمل بها لتنفيذ أعمال فنية"، مضيفة أن الفن بالنسبة لها أشبه بأفق ممتد من التعبير والحرية، ما جعله مجالاً مهماً في حياتها، مؤكدةً أن الفن عزّز وعيها بذاتها وبالعالم الخارجي، وأن الفن يشتمل على لغة كونية تجمع كل البشر في نطاق حيوي من التفاعل العاطفي والجدل الإنساني والحوار الإيجابي.

وأشارت الهاشمي إلى أنها تميل للتجريب والبحث في طبيعة وإمكانات المواد المستخدمة، وقالت: "أحب أن أتحدى قدراتي، والتعرف إلى طرق جديدة من العمل، كما أحب الأشكال التي تمنحها الطباعة التقليدية باستخدام النحاس والخشب ومواد أخرى، إضافة إلى صناعة الورق وصب الجبس والإسمنت". وتابعت: "في الغالب تكون أعمالي على الورق، وأرغب في استخدامها كتحدٍ لنفسي ولتطوير إمكاناتي، وأسعى لصناعة أعمال ثلاثية الأبعاد بهذه الأوراق المطبوعة".

وأكدت الهاشمي أن التجريب يدخل في صلب اهتمامها الفني، وأن خطوات الإنتاج لديها تتراوح بين المصادفة والقصد، ليكون المنتج النهائي حاضراً في المسافة المبهمة بين الشكل والموضوع، أو بين الواقع والتأويل، وهي تناقضات ذهنية وصفتها الهاشمي بالنمط الديناميكي الحر لدى المتلقي عند مشاهدته للعمل الفني. وقالت: "في رأيي أن فكرة العمل تتطور أثناء الاشتغال الفعلي عليه، وبالتالي فهي فكرة يمكن أن تتحول إلى صور وتراكيب جديدة لم تخطر على بالي عند بدء العمل، وقد تتجه أحياناً نحو سياق مضاد للمخطط الأصلي الذي بنيت عليه المشروع".

ولفتت الهاشمي إلى أن معظم نتاجها الفني يبدأ مع اكتشاف العنصر العشوائي، والطبيعة الهشة للمواد، وعدم التوقع والمصادفة كعنصرين حاضرين في لاوعي الفنان، مشيرةً إلى أن هذا التكتيك الذي تتبعه يضيف زخماً لأعمالها؛ لأنه تكنيك يستثمر الخطأ وعدم الدقة في العمل الفني من أجل صياغة تراكيب تخرج أحياناً عن نطاق السيطرة، وتضيف روحاً من التمرد والخروج عن الأطر والآليات المسبقة والجاهزة. ونوّهت الهاشمي بأن هذه الأشكال المفاجئة في العمل، هي التي تمنحه نوعاً من الغموض والكمال الناقص، وتدفع المتلقي للوقوف والتساؤل ووضع تفسيرات حول هذا العمل، وحول مقولته ودلالاته الخاصة، واستطردت: "أحب أن تحتوي أعمالي على رموز وألغاز، قد أكون أنا الوحيدة القادرة على حلّها، ولكنها بالنسبة للمتفرج قد تخلق مجالاً من الأسئلة والحوارات الذاتية والانطباعات المتعددة تجاه العمل".

وأضافت أنها غالباً ما تسعى لترويض الفوضى والعشوائية أثناء الإنتاج، لمنح العمل معنى خاصاً، وقيمة فنية مستقلة، وحتى لا يصبح العمل مجرد تكوين منفلت من أي إيقاع شكلي أو جمال ضمني، كما عبرت عن رغبتها في تحويل الأشكال الصلبة إلى نتاجات توحي بالهشاشة، وتحويل الهياكل المادية الثابتة والراكزة، إلى أنماط متطايرة وقابلة للزوال.
وعن نظرتها للمشهد التشكيلي المحلي ووسائل تشجيع المواهب الشابة المهتمة بمجالات الفن المختلفة مثل التصوير والنحت والرسم والفيديو أرت وغيرها، أوضحت الهاشمي أن المشهد التشكيلي المحلي في تطور دائم، وأن هناك دعماً كبيراً للفنانين الشباب، مشيرة إلى أن هذا المناخ الفني الإيجابي في الدولة دائماً ما يمنحها الدافعية والرغبة في التواصل مع الحركة التشكيلية المحلية، من خلال إنتاج أعمال جديدة والمشاركة في المعارض المختلفة التي تقيمها الهيئات والمؤسسات الحكومية والمحلية المعنية بالفنون البصرية. وأضافت أن العقبة الوحيدة التي تقف حاجزاً أمام نمو وتوسع هذا المشهد، هي عقبة توقف الفنانين أنفسهم وانسحابهم وعزوفهم عن التواصل والعطاء والاستمرارية، وقالت إن هذا الأمر يشكل صدمة لها بسبب وجود خيارات متعددة أمام الفنان لعدم التوقف، ولتنويع تجربته، وهزيمة الإحباط النفسي، خصوصاً مع وجود بيئة مشجعة وإمكانات مادية ومعنوية جاذبة في دولة الإمارات.

وفي سؤال عن مشاريعها الفنية القادمة، أجابت الهاشمي أنها تعمل بشكل متواصل على مشاريع جديدة، حتى مع عدم وجود حدث معين، أو معرض دعيت للمشاركة فيه، مؤكدة أن تطور عملها الفني مواكب لنموها المعرفي ولبحثها المتواصل لتطوير أدواتها وأساليبها الفنية، متمنية أن تزداد مشاركاتها في المناسبات والمعارض المبرمجة في المشهد المحلي خلال المرحلة المقبلة، وأن تضيف شيئاً جديداً لما قدمه رواد الفن والأجيال المؤسسة له في الإمارات.