الشارقة – سامر شهاب
أكد الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أن اختيار منظمة اليونسكو لإمارة الشارقة ضمن شبكة المدن المبدعة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، يأتي نتيجة طبيعية للمنهج الذي تتبعه الإمارة في تعزيز علاقة الأجيال بتراثهم وما يحتويه من حرف ومهارات تعكس هوية الشعب وثقافته وفنونه عبر مراحل التاريخ المختلفة.
وأشار إلى أن هذا التقدير العالمي لمكانة الحرف والفنون في الشارقة، يمثل تتويجًا للجهد الذي تبذله الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، من خلال رعايتها وتوجيهها لجهود ومبادرات مجلس إرثي للحرف المعاصرة التابع لمؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة، وأوضح الشيخ سلطان أن رؤية الشيخة جواهر لمكانة الإمارة بين مراكز الإبداع العالمية تتحقق كل يوم ومع كل إنجاز يصنعه المجتمع الذي ترعاه وتعمل معه من أجل أن يكون متماسكاً ومنتمياً وفاعلاً.
وتمثّل الشارقة المدينة العربية الوحيدة بين المدن المدرجة عن فئة "الحرف والفنون الشعبية" لعام 2019، والمدينة الأولى على المستوى الخليجي وواحدة من ستة مدن عربية أدرجت في القائمة هذا العام وشملت كلاً من العاصمة اللبنانية بيروت ومدينة السليمانية العراقية بصفتهما مدينتي الأدب، ومدينتي رام الله الفلسطينية والصويرة المغربية بصفتهما مدينتي الموسيقى، ومدينة المحرّق بالبحرين عن فئة التصميم.
وقال القاسمي : "نبارك للشارقة هذا الاستحقاق الذي ننظر إليه بأهمية بالغة لما له من علاقة مباشرة بهويتنا وتاريخنا، نحن حريصون على أن تستمر الحرف التراثية مع كل جيل، وعلى ألا تضيع وتندثر، لأن ضياعها أو ضعف حضورها في الثقافة والممارسة اليومية، يشكل انفصالاً للمواطن عن تاريخه وثقافته وجذور هويته، ويشكل بدايةً لتفكك التجربة الخاصة واندثار ملامحها التي تميزها عن غيرها من الأمم، فما نحن فيه اليوم من حراك ثقافي مؤثر لم يكن ليتحقق لولا حضور تاريخنا بكل مكوناته في ثقافتنا ووعينا".
وتابع: "إن حرف الشعوب ومهاراتها اليدوية في إنتاج حاجاتها وأدواتها اليومية، كانت وستظل مؤشراً على إنتاجية المجتمع ووحدته وتماسكه، لهذا عندما نقرأ عن تاريخ الشعوب نتجه لفهم حرفها وصناعاتها ومهارات أبنائها ورصد مسار تطورها وكيفية استجابتها لحاجات الناس المتنامية".
وأضاف: "نريد لكل من يقرأ تاريخ الشارقة ودولة الإمارات أو تاريخ أمتنا أن يشهد على مكونات هذه الحضارة وأن يلمس مدى تطور المجتمع ومشاركة مكوناته كافة في عملية الإنتاج والإبداع".
بدورها قالت الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي رئيسة مؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة، المؤسسة والرئيسة الفخرية لمجلس إرثي للحرف المعاصرة: "نحرص في إمارة الشارقة ودولة الإمارات العربية المتحدة على صون تراثنا المحلي وتجديد صورته ليكون حياً ومستداماً ومواكباً لمسيرة النهضة الحضارية المتسارعة التي تمضي بها الدولة على المستويات كافة، فبفضل هذه الرؤية باتت الشارقة حاضنة التراث الإماراتي ومركز الاستثمار بالحرف التقليدية وقائدة مشروع تجديدها".
وأضافت الشيخة جواهر القاسمي: "بفضل توجيهات حاكم الشارقة، وجهد وإخلاص العاملين على حفظ وتجديد التراث وفي مقدمتهم مجلس إرثي للحرف المعاصرة التابع لمؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة، تمكنّا من تحويل الثقافة الشعبية بحرفها وفنونها وإبداعاتها إلى مؤسسات لها برامج واستراتيجيات وخطط، تعمل على إشراك المجتمع برجاله ونسائه وشبابه وفتياته وحتى الأطفال في الاحتفاء بالتراث واحتضانه وتطويره".
وتابعت: "إن مجلس إرثي للحرف المعاصرة استطاع أن يبرز مكانة الحرف والفنون التراثية والمبادرات القائمة على تطويرها وتجديدها في الإمارة للجهات المعنية باختيار قوائم المدن المبدعة، وهو عمل يستحق أن يفخر به كل العاملين في مجلس إرثي بكافة المستويات الوظيفية، وكل فرد في مجتمعنا الإماراتي، وعلينا أن ننظر لهذا الإنجاز بوصفه استحقاق كبير ومسؤولية أكبر تتمثل في استمرار العمل وابتكار طرق جديدة لحماية التراث وتقديمها للعالم كجزء من هويتنا وثقافتنا".
احتفاء بالتاريخ الإماراتي
وأشارت إلى أن الاحتفاء العالمي بالشارقة بين قائمة المدن المبدعة في حرفها وفنونها التقليدية، يستند إلى تاريخ طويل حافل بإنتاج كافة أشكال التراث من أدوات العمل والصيد إلى أدوات الزينة ومقتنيات المنازل والأشخاص، وكافة أشكال الإبداع الفني الذي يعكس العلاقة التاريخية بين المجتمع الإماراتي والفنون الشعبية.
وأوضحت الشيخة جواهر القاسمي أن الملف الذي قدمه مجلس إرثي للحرف المعاصرة لمنظمة اليونسكو، كان بمثابة صورة مكثفة لتاريخ الحرف والفنون الإماراتية، وأن اختيار الشارقة لم يأتِ نتيجة لمشروع واحد بل لمسيرة طويلة تطورت فيها الحرف والفنون ومهارات المجتمع في التعامل معها.
ونوهت بالبعد الاجتماعي الراسخ للتراث الإماراتي المتمثل بحرفه وفنونه، وقالت: "إن حماية التراث والحرف الأصيلة لا تتحقق بدون إرادة ووعي المجتمع، وهذا التكريم العالمي لمكانة الحرف والفنون في الشارقة، هو تكريم وتقدير للمجتمع الإماراتي المتمسك بجذور هويته كمدخل وحيد نحو بناء حضارة حقيقية راسخة، ونحن نفخر بالنساء والفتيات والشباب الذين نراهم يمارسون الحرف اليدوية في الفعاليات المحلية والدولية، ونقول لهم: أنتم حماة تراثنا وثقافتنا الشعبية".
إرث من المنجزات يتوجها العالم
وجاءت تصريحات حاكم الشارقة، وقرينته الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، بمناسبة إدراج إمارة الشارقة من قبل منظمة اليونسكو، ضمن شبكة المدن المبدعة التي ضمت هذا العام 66 مدينة جديدة من مختلف بلدان العالم، حيث اختارت اليونسكو الإمارة عن "الحرف والفنون الشعبية" تقديراً لجهودها الطويلة والكبيرة، في إحياء التراث الإماراتي المحلي والاستثمار بصناعاته الحرفيّة وتجديدها بأعمال مستدامة، ترتقي بالمهن والصناعات المحلية وتفتح فرص تبادل التجارب بينها وبين مختلف الحرف والفنون النظيرة من مختلف ثقافات العالم.
وكان مجلس إرثي للحرف المعاصرة، التابع لمؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة، قدم ملفاً شاملاً لمختلف الجهود التي تقودها الإمارة على مستوى الاستثمار بالصناعات والحرف الشعبية، شمل مختلف المشاريع التي قادها المجلس خلال السنوات الثلاث الماضية، وسلسلة دورات التدريب والتمكين المهني والاجتماعي التي نظمها للحرفيات الإماراتيات، إلى جانب توثيق المعارض الدولية التي احتفت بتجربة المجلس وكان آخرها "معرض لندن للتصميم".
ويعمل مجلس إرثي للحرف المعاصرة منذ تأسيسه في العام 2016 على حفظ وتطوير الحرف والفنون الشعبية، وعلى رأسها سلسلة الحرف التقليدية والصناعات التي تزاولها المرأة الإماراتية، ويشكل المجلس حاضنة للحرفيات في مختلف مدن الإمارة يقدم لهن التمكين والتطوّر المهني ويوفر لهن مصدر دخل مستدام، ويعرض أعمالهن في الأسواق الإقليمية والعالمية.
إنجاز يستكمل المشهد الحضاري للإمارة
وتعتبر الشارقة من بين المدن الأولى في العالم من حيث الاهتمام بالتراث والثقافة، ويتمثل هذا الاهتمام بالمراكز والمتاحف التراثية المنتشرة في كل ركن من الإمارة، وبالفعاليات التراثية والثقافية والأماكن الأثرية والتاريخية وبعلاقة السكان بكافة هذه المكونات.
وكانت الإمارة قد استحقت ألقاباً عدة تكريماً لحضورها القوي المؤثر في المشهد الثقافي الاجتماعي الإقليمي والعالمي، حيث نالت هذا العام لقب العاصمة العالمية للكتاب، وفازت منذ أيام بجائزة المدن الصديقة للأطفال واليافعين بعد أن حصلت على هذا اللقب في العام 2018، ومدينة صديقة للطفل في العام 2015، وعاصمة الصحافة العربية في 2016، وعاصمة الثقافتين العربية والإسلامية، ومدينة صديقة لذوي الإعاقات الحركية والبتر
قد يهمك أيضًا :