دبي - صوت الامارات
نكهة جديدة مستلهمة من روح التراث الإماراتي حملها العرض المسرحي الأوبرالي "صيادو اللؤلؤ"، الذي يعد أول العروض الأوبرالية التي قدمت على مسرح "دبي أوبرا"، الخميس، حيث قدمت للمرة الأولى بأزياء خاصة مستلهمة من الإمارات، وتتناسب مع الثقافة المحلية. قدمت هذه المسرحية الفرنسية عام 1863 للمرة الأولى، وتدور أحداثها على جزيرة تدعى سيلان، وتتناول الحب والصداقة والخيانة والتضحية، وفق أحداث تتصاعد بشكل بطيء، وغير صاخب، سواء لجهة الأداء المسرحي، أو حتى الغناء والموسيقى الأوبرالية. قدم العرض الأول من المسرحية التي سيقدم العرض الثاني والأخير منها الليلة، بعد إجراء بعض التعديلات عليها، ولاسيما في الشق المتعلق باللباس المسرحي، حيث باتت شديدة الامتزاج بالثقافة الإماراتية، فأتت ملابس الممثلين مختلفة تماماً عما قدمت به طوال السنوات الماضية، ومستلهمة من التراث الاماراتي، فيما أتى المكان الذي تدور فيه أحداث المسرحية محاكياً للتراث الإماراتي ومهنة الأجداد الأساسية في البلد وهي صيد اللؤلؤ. كما أن الديكور وموضوع المسرحية امتزجاً بديكور الأوبرا من الداخل، الذي يحمل شكل القوارب، ولربما هذه العوامل مجتمعة هي التي جعلت هذا العرض يتصدر برنامج العروض المسرحية التي يصل عددها إلى 65 عرضاً ستقدم حتى نهاية ديسمبر من هذا العام.
وتنقسم المسرحية إلى ثلاث مشاهد أساسية، يأخذنا المشهد الأول إلى حياة الصيادين، وكيف اختاروا زورقا، الذي قام بدوره فيليبو بولينيللي، قائداً لهم، ليتبين بعد ظهور نادر، الذي أدى دوره خوسيه لويس سولا، الصداقة القديمة التي جمعتهما، وقررا ألا يفترقا بسبب حبهما الشديد للمرأة ذاتها، فضحى كل منهما بحبه حتى لا يخسرا الصداقة التي تجمعهما. ثم تأخذنا الأحداث عبر المركب الشراعي الذي يحمل المرأة المحجبة والكاهنة التي يحتاجون إلى صلواتها كي تحفظ الصيادين من اللعنات، وهي ليلى التي أحبها كل من زورقا ونادر. يطلب زورقا من الكاهنة، وقامت بدورها روبرتا كانزيان، التعهد بالقيام بالمهام الأساسية لحماية الصيادين، ومنها الصلاة، وأن تبقى محجبة ولا يرى أحد وجهها، وكذلك أن تتعهد بألا تدخل أي رجل حياتها لا كحبيب ولا كصديق، بل تستمر بالصلاة للصيادين من المعبد.
هذه الأحداث التي تحملها أصوات المغنين الأوبراليين، تتصاعد بشكل بطيء وإيقاع هادئ ينسجم مع السينوغرافيا التي تعتمد الاضاءة الليلية الخافتة، والملابس الهادئة الألوان، وكذلك الأداء الخفيف الحركة، فيتلقى المشاهد الأحداث وهو يستمتع بالغناء الذي يمتزج فيه الحنين مع الألم والحب. أما الصلوات التي يصدح بها صوت ليلى، فتحمل الكثير من المخاوف، فهي تبقى في المشهد الثاني من المسرحية في المعبد وحيدة، تصلي من أجل الصيادين، وتعبر عن مخاوفها الى نور آباد وقام بدوره جورجيو جيوسيبيني، الذي يطلب منها أن تستمر في الصلاة حتى موتها، فتخبره بحمايتها لأحد الهاربين، والذي أهداها عقداً من اللؤلؤ كونها لم تخضع لتهديد أعدائه بقتلها، حيث طلب منها أن ترتدي العقد حتى مماتها. وخلال صلواتها يأتي نادر، الذي يسمع صوتها تصلي في المعبد، ويدرك من الصوت أنها حبه القديم، فيحاول أن يبقى معها، إلا أنها ترفض وتطلب منه الرحيل لحمايته، إلى أن يكشف أمرهما. يكشف نور آباد عن وجه ليلى أمام زورقا كونها أخلت بوعدها كي تُعاقب، حتى يكتشف الأخير أنها المرأة التي أحبها ورفضته بسبب حبها لصديقه نادر، فيأمر بقتلهما سوياً.
وتتصارع المشاعر داخل زورقا، بين الخير والشر، وبين الحفاظ على صداقته لنادر وحياتهما، بعد ان توسلت ليلى أن يقتلها وينتقم منها وحدها وأن يترك حبها على قيد الحياة، إلا أن الغيرة التي تشتعل بقلبه تدفعه الى التشبث بقرار قتلهما، حتى تبدأ العاصفة التي يراها لعنة ما فعلاً، فتقوم ليلى بتسليم عقدها لأحد الصيادين كي يوصله الى أمها عندما تعدم، ليكتشف زورقا أنه الطفل الذي أنقذته ليلى في صغره. بين الرغبة بالثأر منهما، ورد الجميل الى من أنقذت حياته في الصغر، يقوم زورقا بإنقاذ ليلى ونادر، فيما يعتبره الصيادون خائناً بسبب قراره حمايتهما، فيقتل نفسه ليضع من خلال موته نهاية لحبه ولكل المعاناة، وكذلك لرفض الصيادين قيادته لهم بعد أن خانهم وأنقذ ليلى ونادر.
وشارك في العرض نحو 40 فناناً، وهم الكورس الذي رافق المغنيين السوليست الأربع في المسرحية، وثلاثة منهم من إيطاليا وواحد من اسبانيا. أما المخرج ديفيد غاراتيني رايموندي وهو ايطالي الجنسية، فقدم المشاهد في المسرحية وفق أجواء تصاعدية غير صادمة، فكل هذا الانتقال والتفاوت في المشاعر المتقلبة، والتي غالبا ما تنعكس على الغناء وبشكل بارز، أتى ضمن إطار منطقي وسلس، وبعيد كل البعد عن العنف حتى في المشاهد التي تحمل القسوة في محاولة الثأر.
تتميز حركة الممثلين الرئيسين الأربع في المسرحية بكونها خفيفة، فيحضر السكون في أجزاء كثيرة من العمل، ليكون الجسد أكثر راحة في أثناء الأداء الغنائي، الذي تميز بكونه من الغناء الأوبرالي الخفيف والذي لا يستخدم الطبقات العالية في أجزاء كثيرة من العمل. أما الموسيقى في المسرحية فقد عزفتها فرقة الأوركسترا بقيادة دوناتو رينزيتي.
بين الموسيقى والغناء والتمثيل، تمكنت المسرحية من إدهاش الحضور بعمل أوبرالي متكامل يعرض للمرة الأولى في دبي، لتكون هذه المسرحية مجرد البداية لعروض عالمية أخرى من شأنها أن تضع دبي على خارطة الدول المنافسة والمتميزة في برنامجها وعروضها السنوية في الأوبرا.