أبوظبي – صوت الإمارات
بخلاف ما يعتقد كثيرون، لا يقتصر تراث الدول والشعوب على المقتنيات الأثرية والمباني القديمة والحلي التقليدية والأزياء فقط، فهناك نوع آخر من التراث من الصعب الإمساك به أو تخزينه للحفاظ عليه، لأنه جزء من الحياة اليومية لأفراد المجتمع وعاداتهم وتقاليدهم والأنشطة التي يمارسونها في عملهم ولهوهم أيضاً، فالتراث، بحسب تعريف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، هو ميراث المقتنيات المادية وغير المادية التي تخص مجموعة ما أو مجتمعاً لديه موروثات من الأجيال السابقة، وظلت باقية حتى الوقت الحاضر ووهبت للأجيال المقبلة.
وتتميز الإمارات بتراث ثقافي غير مادي غني في مجالات الأدب الشفهي والفولكلور والتقاليد والمعتقدات الشعبية والحرف والأعمال اليدوية التقليدية والأغاني والرقصات، بالإضافة إلى الألعاب والرياضات الشعبية والفنون الاستعراضية، التي تعد جزءاً من الحياة اليومية في المجتمع الإماراتي، إلى جانب غناها بالتراث المعنوي الذي يتمثل في الحِرف والصناعات التقليدية والزي الإماراتي والأغاني والرقصات والرياضات التقليدية والأكلات الشعبية الإماراتية والحياة البحرية. وبشكل عام؛ قسمت "اليونسكو" التراث المعنوي إلى خمسة أقسام رئيسة: هي التراث الشفهي بما يحويه من لغة و شعر وأمثال وألغاز وحكايات، وغيرها من أنواع الأدب الشفاهي. وفنون الأداء، والموسيقى، والزفات الشعبية والرقص وخلافه. والقسم الثالث يضم العادات والتقاليد والاحتفالات ومهارات الطعام وتقاليد الأواني. ويشمل القسم الرابع المعارف الشعبية والمعتقدات مثل الطب الشعبي، الإيمان بالسحر وخلافه. أما القسم الخامس فيضم المهارات المرتبطة بالحِرف والصناعات اليدوية.
ويمثّل التراث بشقيه جزءاً مهماً من هوية الدولة والمجتمع، ولذلك تبذل كل دولة ما في وسعها للحفاظ على تراثها. وتولي دولة الإمارات العربية المتحدة اهتماماً كبيراً بالتراث بشقيه المادي والمعنوي، وتبذل الكثير من الجهود للحفاظ عليه، وهناك العديد من المؤسسات التي تعمل على تحقيق أهداف الدولة في الحفاظ على التراث، وتوعية أفراد المجتمع بتراثهم وحثهم على الحفاظ عليه والترويج له.
وتكمن صعوبة الحفاظ على التراث المعنوي في كونه جزءاً من الحياة اليومية لأفراد المجتمع، ومع تطور الحياة وتغيرها والانفتاح على الثقافات الأخرى، تصبح مفردات هذا التراث عرضه للاندثار أو التغير نتيجة لتغير نمط الحياة ودخول التقنيات الحديثة في كل مجالات الحياة حتى في علاقات الناس ببعضهم، وطريقة احتفالاتهم بالمناسبات المختلفة، وعاداتهم اليومية، فاختفت على سبيل المثل، عادات مثل تجمع الأطفال قبل النوم حول جدتهم للاستماع إلى "الخراريف" والحكايات الشعبية المتوارثة عن الأجداد.
وأثمرت الجهود الحثيثة لدولة الإمارات العربية المتحدة في مجال حفظ التراث المعنوي، عن إدراج عدد من عناصر التراث الإنساني على قوائم اليونسكو ضمن قائمتها التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي، ومن هذه العناصر: التغرودة والصقارة والمجالس والعيالة والرزفة والقهوة العربية والسدو، التي أصبحت جزءاً من التراث الإنساني العالمي، نتيجة تعاون دولي وخليجي مشترك، لتمثل نموذجاً لدور التراث في بناء الجسور الحضارية والإنسانية بين الشعوب، ودليلاً على أصالة التراث الخليجي ووحدته الجغرافية والتاريخية والإنسانية. ويسهم تسجيل هذه العناصر في تشجيع التنوع الثقافي والحوار الحضاري من خلال إتاحة المجال للتعرف على أصولها التراثية والاجتماعية والإنسانية وما تتمتع به من أصالة وخصوصية.