الجزائر - صوت الامارات
حالة استعادية في ما يتعلق بحركة التاريخ، سيطرت، على المسرحيتين الرئيستين ضمن مهرجان المسرح العربي، الذي تستضيف مدينتا وهران ومستغانم الجزائريتان فعالياته الممتدة حتى 19 من الشهر الجاري.
ولم يتطرق العرض المصري "زي الناس" من قريب أو بعيد إلى المشهد المعاصر، أو حتى اتكأ على نص مكتوب مصرياً، بل فضل مخرجه الاستعانة بمسرحية "القاعدة والاستثناء" لبريخت، وتمصيرها، وإضفاء النزعة الساخرة، الأميل إلى الكوميديا السوداء إلى تفاصيلها.
وعاد العرض المغربي "كل شيء عن أبي"، المأخوذ أيضاً عن رواية "بعيداً عن الضوضاء" للكاتب محمد برادة، إلى التاريخ، خصوصاً النصف الثاني من القرن الـ19، ليكون الإسقاط التاريخي هو وسيلة العملين اللذين تزامن عرضهما بالتتابع في اليوم ذاته.
واحتاج مخرج "زي الناس"، هاني عفيفي، إلى مقدمة طويلة وجهها للجمهور، ليقنعه قبل العرض بأن عمله غير منفصل عن الواقع المعاصر، مبرراً اختيار الاسم الجديد "زي الناس" بأن القضايا المتطرق إليها في العرض، تحدث وتقع لـ"أناس كُثر"، بل "أغلب الناس" في "أغلب المجتمعات".
ورفض مخرج العرض المغربي الدخول بشكل مباشر في المحتوى الدرامي للعمل، معتبراً أن ترك التأويل للجمهور هو الوسيلة الفضلى للعمل المسرحي، لكنه أكد أنه عاد إلى الماضي دون قصد الانشغال به، بل من أجل "الحاضر"، وهو ما قاله في تصريحاته، وغاب عنه العرض بشكل مباشر.
وعبر ديكور بسيط، سعى المخرج أن يكون ساخراً، بدلاً من أن يعبر عن أجواء الصحراء التي يحيل إليها، سارت "زي الناس" على خطى "القاعدة والاستثناء"، لكنها نجحت عبر الكوميديا ذات الحس الساخر خصوصاً، بما في ذلك الكوميديا اللفظية، إلى نسج تواصلها مع جمهور مسرح السعادة، في وسط وهران، الذي استقبل كل إشارة كوميدية بتصفيق حاد.
وأسند المخرج أدواراً متعددة للممثلين أنفسهم، الذين قاموا بتغيير ملابسهم وملامحهم على الخشبة، امتداداً لحالة التمارين المسرحية التي قاموا بها قبل العرض، تكريساً للنزعة الساخرة، وسعى العمل إلى فضح السياسات الطبقية المؤدية إلى الظلم الاجتماعي، والتهميش والفساد، حيث دار العمل درامياً على فكرة الصراع بين السيد والفقير، من خلال قيام تاجر برحلة تجارية من النوع الذي يبدو معتاداً عليه، وذلك في بلاد بعيدة غير محددة وفي صحراء غامضة هي التي ستحدد مستقبله المهني وثروته ويصطحب في رحلته رفيقين هما "الدليل والحمال".
العمل الذي جاء ضمن منطق تعليمي بل تحريضي، نُشر نصه لأول مرة عام 1937، فيما كان عرضه المسرحي الأول عام 1947 بفرنسا، في حين أن المسرح المصري نفسه سبق له تقديمه في رؤى مختلفة عدة، قبل أن يعود هاني عفيفي ويقدمها بصيغة مختلفة ضمن عروض المسرح العربي. وفي المساء ذاته، وعلى مسرح آخر هو مسرح عبدالقادر علولة، جاء العرض المغربي "كل شيء عن أبي" لفرقة الشامات من مكناس، من إخراج بوسلهام الضعيف.
العمل المقتبس من رواية "بعيداً عن الضوضاء، قريباً من السكات" لمحمد برادة أيضاً غادر المسافات التي كانت تحلق في فضائها الرواية، وملابسات التاريخ المغربي في فترتي قبل وبعد الاستقلال، إلى فضاءات قضايا اجتماعية معاصرة، وتحديات مرتبطة بالواقع بما فيها قضية الهوية والبطالة ومقاومة التطرف الديني، وغيرها. حالة التداخل
والتنافر بين التمسك بالهوية العربية، والتفاخر بالثقافة الفرنسية، كانت محوراً رئيساً للعمل وباباً للتطرق لقضايا عدة أخرى، خصوصاً قضيتي البطالة والتطرف الديني، لكن كل ذلك جاء بلغة مسرحية عميقة، ونص محكم، والأهم أن العرض نجح في التواصل مع جمهوره، على الرغم من الإطالة والإلحاح على القناعات ذاتها، في بعض مفاصل المسرحية.