فن النحت

ودّعت مصر النحات والفنان العالمي «شيخ النحاتين» آدم حنين، الذي وافته المنية صباح الجمعة، بعد صراع مع المرض، عن عمر يناهز 91 عاماً، وشُيّع جثمانه في مقابر مدينة 6 أكتوبر (تشرين الأول).

ونعت وزارة الثقافة المصرية الفنان الراحل، وقالت الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة، في بيان صحافي أمس، إن «المشهد التشكيلي المصري فقد رمزاً عبقرياً، ومثّالاً فذاً، فالفنان الراحل هو من علامات النحت الحديث، والمعاصر، ولعب دوراً مهماً في المجال على مدار عقود، وأسس سمبوزيوم أسوان الدولي لفن النحت الذي يعد مظاهرة فنية تجمع مبدعي العالم على أرض مصر».

وأسس حنين المولود في مارس (آذار) عام 1929 «سمبوزيوم أسوان الدولي للنحت» عام 1996، والذي يجمع النحاتين المصريين مع نحاتين من مختلف دول العالم في فعالية سنوية، أنتجت عدداً كبيراً من المنحوتات الحجرية، تُعرض حالياً بمتحف مفتوح على سفح الجبل بمدينة أسوان (جنوب مصر).

ونعت النقابة العامة للفنانين التشكيليين، الفنان آدم حنين، وكتب أصدقاؤه وعشاق فنه، عبارات رثاء صبغت صفحاتهم الشخصية والرسمية بمشاعر الحداد، على رحيل الفنان الذي وصفوه بـ«سليل الفراعنة»، و«شيخ النحاتين»، و«راهب النحت».

وكتب أحمد مجاهد، أستاذ النقد، والرئيس الأسبق للهيئة المصرية العامة للكتاب، على حسابه الشخصي على «فيسبوك» ناعياً حنين بقوله: «وداعاً نحات مصر العظيم، سليل الفراعنة»، ونعاه رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، في تغريدة على «تويتر» قال فيها «توفي إلى رحمة الله نحات مصر الأول الصديق آدم حنين»، بينما كتب صديقه الفنان ووزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، ينعيه على «فيسبوك» قائلاً: «أنعي بكل الحزن والأسي الفنان الكبير آدم حنين، وداعاً يا أعز الأصدقاء وصديق الدرب الذي أثرى الحياة الثقافية والفنية بأعماله الفريدة التي ستبقى مدى التاريخ... إلى جنة الخلد إن شاء الله».

عشق حنين المولود في أسرة متوسطة بحي باب الشعرية وسط القاهرة، فن النحت الذي برع فيه المصري القديم، وتعلق به بعد زيارة للمتحف المصري وهو في المدرسة الابتدائية، قال عنها في أحد حواراته المسجلة: «اصطحبنا زكي أفندي في رحلة مدرسية إلى المتحف المصري، لم يكن هدفها الفن، بل التعرف على التاريخ، وهناك انبهرت بالتماثيل والمنحوتات الضخمة، ورحت أركض في أرجاء المتحف، وشعرت عندها بالانتماء». كان من الطبيعي أن يلتحق حنين بعد ذلك بكلية الفنون الجميلة، التي تخرج فيها عام 1953. ثم سافر لاستكمال دراسته في مرسم أنطوني هيلر في ميونيخ 1957، وعاد ليعمل رساماً بمجلة «صباح الخير»، وهناك تعرف على صديقه الشاعر الراحل صلاح جاهين، وشاركه رسم رباعياته الشهيرة، وفي بداية السبعينات من القرن الماضي سافر حنين إلى باريس، مع زوجته عالمة الأنثروبولوجيا عفاف الديب، وقضى في باريس نحو ربع قرن، تحول فنه فيها إلى التجريد، قبل أن يعود إلى القاهرة عام 1996.

ويقول فاروق حسني لـ«الشرق الأوسط»: «صداقتي مع حنين بدأت في باريس، عندما كنت مديراً للمركز الثقافي المصري هناك، واستمرت طوال فترة عملي في روما كمدير للأكاديمية المصرية للفنون بالعاصمة الإيطالية، وحتى بعد عودتي لمصر كوزير للثقافة»، مضيفاً أن «حنين فنان حقيقي غيّر شكل النحت في مصر، وهو فنان كبير معروف دولياً، حصد المجد حياً، وفنه سيبقى للتاريخ»، مشيراً إلى أنه «أقام من العديد المعارض الفنية المشتركة مع حنين، كان أولها في متحف المتروبوليتان بنيويورك عام 1999، واستمرت المعارض المشتركة حتى معرضي بدبي عام 2015».

لم يقتصر عمل حنين على النحت والرسم، بل شارك في ترميم تمثال أبو الهول في الفترة ما بين عامي 1989 و1998، وكان حنين يصف أعماله بأنها نتاج لحوار مستمر مع الطبيعة فهو -على حد قوله- لم يجد نفسه في المدارس الفنية التي كانت سائدة في عصره، وظل يبحث عن ذلك الشيء الذي جذبه وهو طفل في المتحف المصري من خلال منحوتات المصري القديم، ويقول: «كنت دائماً في رحلة بحث عن الجذور، وحوار مع الطبيعة».

شارك حنين في الكثير من المعارض المحلية والعالمية، كفنان وكعضو لجنة تحكيم، وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الفنون عام 1998، وحرصاً منه على استمرار رسالته الفنية حول منزله الذي بناه من الطوب اللبن في منطقة الحرانية بالجيزة إلى متحف يعرض أعماله، ومؤسسة فنية تقدم جائزة فنية سنوية في فن النحت لتربية جيل جديد من النحاتين، لكنّ القدر لم يمهله لتسليم جوائز مسابقة هذا العام، والتي كان مقرراً توزيعها في شهر مارس الماضي، وتأجل حفل توزيعها بسبب فيروس «كورونا».

ظل حنين مخلصاً وعاشقاً لفنه حتى وفاته، حتى وإن لم يعد قادراً على نحت حجر الجرانيت الصلب، لكنه ظل يرسم اسكتشات جميلة، على حد تعبير الفنان فاروق حسني، الذي يقول إن «رحيل حنين أمر مؤلم، رغم أننا كنا نتوقعه بسبب المرض، لكن الفراق صعب».

قد يهمك ايضا 

"الثقافة" المصرية تنشر لوحات فنية لمكافحة انتشار "كورونا"

صدور"المعلم ومارجريتا" في طبعة مصرية