لندن - ماريا طبراني
منذ 10 أعوام تقريبًا، لم تكن الفنانة فياليديا بارلو، تبيع أعمالًا فنية، ولم يكن لديها معرض يحوي مجموعتها الفنية. ففي الماضي كان المألوف بالنسبة لها أن تترك منحوتاتها في الشارع وتراقب ما سيحدث، أو تقتحم مصنع مهجور لنحت شيء لن يراه أحد.وحسب صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، فإن بارلو، لم تكن ممثلة في أي معرض فني تجاري، كما كانت أعمالها الفنية مصنوعة من مواد عديمة الفائدة مثل الخشب الرقائقي، وورق الألمونيوم، والبوليسترين والكرتون، وكانت معروفة لعدد قليل من الناس خارج شريحة ضيقة من عالم الفن.
ولكن على الرغم من ذلك، يمكن ترى أعمالهاـ هذا الأسبوع في صالات معارض "هاوزر اند ويرث" في " سافيل رو لندن" وفي "تيت مودرن"، حيث يتم عرضها في غرفة مخصصة. وفي الأشهر الأخيرة، تم اختيار بارلو ممثلة بريطانيا في بينالي- الببندقية لعام2017، كما أنها على قائمة المرشحين لجائزة النحت الرئيسية، وفي أكتوبر/تشرين أول المقبل ستعرض عملاً جديدًا في مساحة واسعة في "كونستهالي زيورخ".
والقول بأن بارلو 72 عامًا، متأخرة في دخول سباق النجومية الفنية العالمية يعد أمرًا بخسًا. ونقلت الصحيفة عن الناحتة البريطانية ضاحكة:"أنا على الأرجح سوف أعرض أعمالي ثم أسقط صريعة أمامك الآن".ويقارن مدير معرض "تيت مودرن" المعين حديثا فرانسيس موريس، بين بارلو، والفنان لويز بورغوا، الذي أصبح مشهورًا هو الأخر في وقت متأخر من حياته. وقال:"عانت كثير من الفنانات العظيمات من تأثير الظل، فلقد كن مختفيات عن الرأي العام حتى نهاية الستينات أو السبعينات من أعمارهن، فإنه لأمر عظيم حقا أننا اكتشفنا بارلو الآن" .
وقالت بارلو، لصحيفة "غارديان" في أول مقابلة معها منذ إعلان اختيارها لتمثيل بريطانيا، إن "اختيارها كان مفاجأة لها، فإنه لأمر مثير وغير اعتيادي أن يطلب مني ذلك، إنه أمر مذهل". وأضافت:"إنه لأمر غريب على فنانين مثلي، فهناك الكثير مثلي، ممن كانوا يصنعون الأشياء من أدوات بسيطة، ويضعون أعمالهم في أماكن نائية، ولا نعرف إذا ما كان هناك جمهور، ولم نكن قلقين حول ذلك، أما الآن فسترى أعمالي في أماكن غير عادية".
وعملت بارلو مدرسة للفنون منذ الستينات، مما يجعل طريقها تدريجيا في السلك الجامعي لتصبح أستاذ الفنون الجميلة ومدير الدراسات الجامعية في "سليد".
وقالت بارلو:"أن تصبح مدرسًا هي الطريقة المثلى لتمتلك الحرية لأكون فنانة، وتمتلك استديو، وتفعل ما تريد دون التزام أو ضغوط، فالتزامي الوحيد كان إزاء كوني فنانة". وكانت بارلو بعيدة عن الشخص الوحيد من جيلها لتحقق التوازن بين الأمن الوظيفي للتعليم مع انعدام الأمن من كونها فنانة عاملة.
وكان واضحًا أنه كانت هناك بعض العراقيل في حياتها، لكنها تتساءل عما كان الأمل يولد أيضًا الرضا عن النفس، فأضافت:"لا أعتقد أن جيلي ترك الباب مفتوحًا على مصراعيه لقيادة ودفع جيل أخر، على الرغم من أنني كنت مدعومة إلي حد كبير دائما". وتابعت" استغرق الأمر جيل داميان هيرست، للانقاض على أزمات كيف تعمل كفنان، وكيف يمكن أن تعمل بطريقة اقتصادية، سواء كان الناس يحبون ذلك أو أمر أخر".
وحسب الصحيفة، تقاعدت بارلو من التدريس في عام 2009، لقلقها من تركيز المدارس الفنية على تعليم الطلاب "نموذجًا" محددا لكيفية أن يكون فنانًا، مشيرة إلى دورات الممارسة المهنية كخدمة. وانتقدت بارلو ذلك بقولها:"ماذا يعني ذالك؟ يبدو لي كأنه عملا ميكانيكي بشكل مزري".
وتعتبر بارلو لندنية إلي حد كبير، على الرغم من ولدتها في نيوكاسل عام 1944، وذلك بسبب والدها الطبيب النفسي، حفيد تشارلز داروين، الذي انتقل بها إلى لندن للعمل على مشروع طبي لفحص ارتجاج المخ.
وعادت بارلو إلي بعد الحرب العالمية الثانية، وترعرعت في العاصمة، ثم درست الفن في تشيلسي في الفترة من 1960-1963، حيث التقت بزوجها، فابيان بيك، ابن ميرفين بيك مؤلف روايات "جورمينجهاست". ثم درست بارلو في وقت لاحق في سليد، حيث التقت بمعلميها النحات ريج بتلر.
وأصبحت بارلو مدرسة لنفسها في أواخر الستينات عندما كانت المدارس الفنية يائسة لتوظيف فنانين شباب، وعلى مر السنين، أصبح من تلاميذها راشيل ايتريد، وتاسيتا دين، و مارتن كريد، و دوغلاس غوردون وغيرهم. وقالت إن"مارتن كريد اعتاد أن يقولها دائما أنا أفضل المعلمين الذين درسوا له".
وبارلو، أيضًا، هي أم لـ5 أبناء، 4 منهم أصبحوا فنانين بأنفسهم. أحدهم إدي بيك، هو واحد من أهم الفنانين الشباب في المملكة المتحدة. وفي تحقيق التوازن بين عملها كمدرسة والاهتمام بعائلتها، ركزت بارو على فنها. وقالت:"بمجرد أن يكون لديك أطفال يكن من الصعب تحقيق الانضباط".
ومن الواضح أن بارلو لم تصبح فنانة لتبيع أعمالها، وقالت:"ليس الأمر أنني لم أرغب في بيع أعمالي، ولكن ما حدث أنني لم أحظى بموضع يمكنني من ذلك، فبدلاً من الحصول على أدوات لتحقيق ذلك، أردت فقط أن أعمل".وكما هو ملحوظ، فإن كثير من الأعمال التي قدمتها بارلو خلال مشوارها الفني لم تعد موجودة، لأنه إما أعيد تدويرها أو تركها للعرض. ففي الثمانينات، تتذكر بارلو أنها كانت تترك أعمالها الفنية في شوارع لندن. وجاءت الطفرة الحقيقة لبارلو في معرض "سيربينتيني" عام 2010، بعد عرضها في "هاوزر اند ويرث".
وأكدت بارلو أنها لم تخف أبدًا من المساحات الكبيرة، كما لم ترهبها فكرة مشاركتها في معرض الفنون في زيوريخ أو البندقية في العام المقبل. وتعد بارلو واحدة من أربع فنانين مرشحات لجائزة "هيبورث" الافتتاحية، التي تقام كل عامين، وتقدر جائزتها بـ30 ألف جنيه استرليني، وتمنح لنحات بريطاني عن أحد أعماله، وسوف يكون عملها معروضًا في "ويكفيلد هيبورث" بداية من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وتصنع بارلو، التي لديها 5 مساعدين في الاستديو الخاص بها في مستودع في شمال لندن، أعمالاً سوف تزعج بعض الناس، فالأشياء مصنوعة من أشياء، وبعض الناس يرونها جميلة، على الرغم من أنها تقول أعمالها لا تطمح لتكون كذلك، وحصلت على جائزة "سي بي ايه" في ديسمبر / كانون الثاني الماضي.