القاهرة - صوت الامارات
البيت الشعري الذي يشار إليه بصفته جزءا مكوّناً ومستقلا في القصيدة العربية، وعمود الشعر الذي أضحى نظرية في جماليات الشعرية العربية القديمة، والعَروض التي يوزن بها الشعر الذي يقال بدوره عبر بحور، واسم النصّ نفسه، قصيدة أو قصيدا أو قريضاً أو نظماً أو كلمة، جميعها مفردات من أصل الحياة العربية، جاء أغلبها من أجزاء البيت أو الخيمة، فيما استعملت كلمات أخرى من الطبيعة، كالبحور.
وهناك إجماع على أن (البيت) في الشعر، هو من البيت الذي للسكن. ذلك أن مرافقة الشعر للعربي، كما لو أنها نوعٌ من الإقامة الدائمة، فيصبح البيت الشعري، بيتاً متنقلا، إنما عبر القول، وتصبح الإقامة فيه، كالإقامة في المسكن، ومن هنا، جنح نقّاد الشعر القدامى، إلى استعمال مصطلحات نقدية في أوزان الشعر، مأخوذة من أشياء البيت، كالوتد والفاصلة والسبب، دلالة على الارتباط الوثيق بين العربي والشعر.
اقرا ايضا :
"سمّار" القصيدة الشعبية الإماراتية تروي ذاكرة المكان
بيت الشِّعر من بيت العرب
وورد في كتاب (ميزان الذهب في صناعة شعر العرب) للأزهري اللغوي، أحمد بن إبراهيم بن مصطفى البشاري الدمنهوري (1295-1362) للهجرة، أن أهل العروض قد أخذوا "أكثر هذه الأسماء عن الخيمة وأقسامها، فالبيت (هو) بيت الشعر أي الخيمة. والسبب هو الحبل الذي به تربط الخيمة. والوتد هو الخشبة بها تشد الأسباب. والفاصلة الحاجز في الخيمة، وكذلك المصراع هو نصف البيت".
وينقل الزبيدي، محمد مرتضى الحسيني، (1145-1205) للهجرة، في معجمه (تاج العروس من جواهر القاموس) في معرض تفسيره لمصطلح العَروض: "وإنما سمّي وسط البيت عَروضاً، لأن العروض وسط البيت من البناء، والبيت من الشِّعر مبنيّ في اللفظ على بناء البيت المسكون للعرب، فقوام البيت من الكلام عَروضه، كما أن قوام البيت من الخرق العارضة التي في وسطه".
ويقول العلامة العراقي الدكتور صفاء خلوصي، في كتابه الذي يعد من أهم المراجع المعاصرة في علم العروض والمعروف بـ(فن التقطيع الشعري والقافية) إن أكثر "الاصطلاحات العروضية من أجزاء الخيمة ومستلزماتها، من نحو: الوتد والسبب والضرب والمصراع والركن، وكذلك أسماء بعض الزحافات من نحو الخبن والطي، مما يتفق للقماش الذي تصنع منه الخيمة".
العَروض تُعرض على الشعر فتقوّمه
والعَروض في الشعر، تتصل بأكثر من معنى، لا تبتعد كثيراً عن ما نقله الزبيدي. فأصل "العروض في اللغة الناحيةُ" يقول التبريزي، يحيى بن علي بن محمد الشيباني، والمتوفى سنة 502 للهجرة، في مصنفه الشهير (كتاب الكافي في العروض والقوافي) والذي يضيف فيه أن الناقة التي تعترض في سيرها، تسمّى عروضاً، لأنها "تأخذ في ناحية دون الناحية التي تسلكها، فيحتمل أن يكون سمّي هذا العلم عروضاً لأنه ناحية من علوم الشعر، وقيل يحتمل أن يكون سمّي عروضاً لأن الشعر معروض عليه، فما وافقه كان صحيحاً، وما خالفه كان فاسداً".
وبالعودة إلى صاحب العروض نفسه، وهو الفراهيدي، الخليل بن أحمد (100-175) للهجرة، وفي معجمه الأقدم للغة العربية، ما يعرف بكتاب (العين) فيقول عن العَروض:
"والعروض عروض الشعر، لأن الشعر يعرض عليه، ويجمع أعاريض، وهو فواصل الأنصاف". فيما تعرّف العروض بأنها "فواصل الأنصاف، وقيل هي النصف الأول من البيت" حسب الصاحب، إسماعيل بن عباد (326-385) للهجرة، في (المحيط في اللغة).
وتتعدد معاني العروض وتتوسع، وأغلبها موضوعة من باب التخمين أو الترجيح، من مثل أن عروض الشعر، سميت بذلك، لأن الفراهيدي، أُلهم على علم العروض، في مكة المكرّمة ومن أسمائها العَروض، ينقل التاج عن البعض.
عمود الشعر.. الخيمة مجدداً!
ويأتي مصطلح (عمود الشعر) ليكون واحداً من معايير النقد الأدبي القديم التي قيض لها الاستمرار والشيوع حتى وقتنا الحاضر. والعمود جزء أصيل من أجزاء البيت-الخيمة، وينضم إلى السبب والوتد والفاصلة والبيت الشعري.
وأشهر من تداول مصطلح عمود الشعر، ثلاثة نقاد لهم مكانتهم الرفيعة في عالم التصنيف العربي، كالآمدي، الحسن بن بشر، المتوفى سنة 370 للهجرة، في كتابه الشهير (الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري)، والقاضي الجرجاني، علي بن عبد العزيز (290-366) للهجرة، في كتابه (الوساطة بين المتنبي وخصومه)، والمرزوقي، أحمد بن محمد والمتوفى سنة 421 للهجرة، في كتابه (شرح ديوان الحماسة لأبي تمام).
ومصطلح عمود الشعر، ينطوي على أبعاد جمالية خالصة، مرتبطة باللفظ والتشبيه والمعنى والجزالة وتناسق لغة المادة الشعرية، وعادة ما يشار بالمصطلح، إلى الشعرية العربية القديمة وأصبح معياراً عاماً لدى النقاد الذين يفضّلون النص الشعري العربي القديم، كون بنائه قائماً على العمود ذاك. فمثلا يقول الآمدي عن البحتري في (الموازنة): "لأن البحتري أعرابيّ الشعر، مطبوعٌ، وعلى مذهب الأوائل، وما فارق عمود الشعر المعروف، وكان يتجنب التعقيد ومستكره الألفاظ ووحشيّ الكلام".
القصيد والقريض.. الكسْرُ والشطر
والقصيدة المعروفة، هي القريض أيضاً، وهي النظم. وللقصيد في العربية، معنى يتصل بتعريفها، فالقصد هو الكَسرُ، والقصيد من الشعر ما تمّ شطر أبنيته، يقول الصاحب بن عباد، في محيطه، مشيراً إلى أن العرب تسمي اللّب الذي يخرج من العظام، قصيدة. فيما يرد في تاج الزبيدي، أن القصد في كلام العرب يشمل الاعتزام والتوجه والنهوض نحو الشيء، مؤكدا ما قاله ابن عباد بمعنى القصد الذي هو الكسر: "والقصد القسر، قصده قصداً، قسره أي قهره". وينقل: "والقصيد من الشعر ما تم شطر أبياته" ويتابع النقل: "سمّي قصيدا لأنه قُصِد واعتُمد".
ويقال عن الشعر، القريض، وهي من قرض الشيء، إذا قطعه، يرد في التاج، ويضيف: "القرض أصله في القطع" ويقول: "فإذا شُبِّه الشِّعر بالثوب، وجُعِل الشاعر كأنه يقرضه، أي يقطعه ويفصّله ويجزئه". من هنا، فيقال عن الشعر، القريض، في حال قوله. والعرب تفرّق بين الرجز والقريض. وأصل القرض ما يفعله الرجل أو يعطيه، ليجازى عليه.
والرابط بين القصيد والقريض، هو الاقتطاع والفصل والشطر والكسر.
وكتاب العين يوحّد بين الشّعر والقريض، مشترطاً وجود "علامات" في الأخير، ليكونا واحداً، ويقول إنه سمّي شعراً لأن الشاعر يفطن له بما لا يفطن له غيره من معانيه.
16 بحراً لا يتناهى مهما اغترف منه
ويذكر أن الفراهيدي، وضع خمسة عشر بحراً كميزان للشعر والتحقق من صحة أوزانه، وقام أحد تلامذته، وهو الأخفش، بوضع البحر السادس عشر، وهو البحر المتدارك.
وبحور الشعر العربي التي وضعت لوزنه وضبطه، هي: الطويل، المتقارب، الرمل، المديد، الخفيف، البسيط، الرجز، السريع، المنسرح، المجتث، الوافر، الكامل، الهزج، المضارع، المقتضب، المتدارك. ويسمى الشطر الأول من البيت، الصدر، والشطر الثاني، العجز.
وكذلك تم استحداث أوزان وبحور من بحور الخليل، من مثل المستطيل المأخوذ من البحر الطويل، والممتد من المديد، والمنسرد من المضارع، والمتوافر والمتئد، وبحور أخرى.
أمّا بحور الشعر، فسميت كذلك، فتشبيها لها بالبحر الحقيقي، الذي لا يتناهى بما يغترف منه، حسب تعريف أورده بالنقل، الدكتور غازي يموت في كتابه (بحور الشعر العربي- عروض الخليل).
وقام المصنف شعبان بن محمد القرشي (765-827) للهجرة، بكتابة ألفية في العروض والقوافي، أودع فيها كل قوانين البحور الشعرية وأسمائها وأوزانها وتفعيلاتها واسم واضعها وسبب تسميتها ومحاسنها وعيوبها، في كتابه المعروف بـ(الوجه الجميل في علم الخلي
قد يهمك ايضا