مسرحية سترة من المخملين

شهد اليوم الثالث من فعاليات الدورة السادسة من مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة، انطلاق جلسات ملتقى الشارقة الخامس للبحث المسرحي الذي يستقبل العديد من الطلاب الخريجين حديثاً في كليات الدراسات العليا المختصة بالمسرح في الجامعات العربية.
وشارك في الملتقى خمسة باحثين، وهم طارق الربح ببحث بعنوان "مسرح الشارع في المغرب..التأسيس والتطلعات"و تلكماس منصوري ببحث بعنوان "الكتابة أفق متعدد..دراسة في آليات تحول الكتابة داخل النص الدرامي، النص الدرامي المغربي نموذجاً"، المغرب، ومن الجزائر الباحث سوالمي الحبيب ببحث "الممارسة المسرحية المعاصرة في الجزائر بين الهواية والاحتراف"، ومن مصر شاركت الباحثة ميليسا رأفت بالأطروحة التي نالت عنها شهادة الدكتوراه بعنوان "الثابت والمتغير في عروض الريبرتوار، نماذج مختارة من المسرح العالمي"، ومن العراق وسام عبد العظيم ببحثه الذي نال عنه درجة الماجستير بعنوان "توظيف تقنيات أداء الممثل في عروض المسرح التفاعلي العراقي".
وفي عروض المهرجان المسرحية شهد مساء اليوم الثالث عرضين مسرحيين أولهما بعنوان "سترة من المخملين" للمخرج رامي مجدي وهو من العروض المشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان، والثاني بعنوان "إلى نهاية" للمخرج الشاب الصغير علي عبد الله خميس وهو خارج المسابقة.
وعرض "سترة من المخملين" عن مسرحية للكاتب البلغاري ستانيسلاف ستراتييف تحمل العنوان نفسه، وقدم المخرج رامي مجدي صراعاً اجتماعياً معالجاً بمفردات مسرحية تنتمي في جلها للبيئة العربية، وجسد بشكل ذكي فكرة المسرحية التي تحكي عن البيروقراطية وتنتقدها بشكل ساخر وكوميدي، وذلك من خلال استعراض بعض المفارقات التي تواجه أبطاله، مثل حكاية الموظف الذي تعطل به المصعد الذي كان تحت الصيانة، فبقي عالقاً فيه، ولم يستطع الحضور في وقت دوامه، فقررت إدارة العمل فسخ عقده معها، وكحكاية إيفان الذي بطريقة معينة وبسبب خطأ من موظف في أوراقه، بات يصنف بأنه يملك معزة، وكان عليه أن يسلم معزته تلك لتشترك في الخطة التنموية للدولة وبذلك يثبت هويته كمواطن صالح.
وأجاد مجدي علي في توظيف الموسيقى، وأضاف للنص الأصلي إضافات جعلته يبدو نقداً مباشراً لفكرة المواطن الذي يسخر حياته للدولة، في حين أنه يعاني من كل تعقيدات النظام والروتين الحكومي و الفساد وغير ذلك، وفي مشهد إيفان المتهم بامتلاكه معزة بسبب خطأ في الأوراق الشخصية له، وفي لحظة استدعاء الوازع الوطني لدى إيفان، يوظف المخرج موسيقى المسلسل العربي المعروف "رأفت الهجان" ليعطي للمشهد دلالات عميقة جداً، تتعدى الفضاء المسرحي الضيق وتنقل مشاهده إلى إحالات أخرى أكثر اتساعاً.
واستدعى مخرج عرض "سترة من المخملين" عنصر المفاجأة ليبرز في نهاية عرضه، أن كل الأحداث التي شاهدها الجمهور على الخشبة، كانت مجرد جزء من البرنامج المعروف "الصدمة" الذي كان ضحيته موظف يدعى أحمد بركات، وذلك حين ذهب لإحدى الإدارات كي ينجز بعض مصالحه ليفاجأ بكل تلك الأحداث التي عرضتها المسرحية، غير أن المخرج يعود ليصنع من نهاية عرضه بداية جديدة، حين يستعرض في خاتمته خلاصة مضمونها أن كل تلك الأحداث لا يمكن أن تحدث في مجتمع إنساني، وأن كل شيء عرض كان تمثيلاً، لكن المشاهد يكتشف من خلال نهاية العرض أن أحمد بركات يتعرض لمشكلة بيروقراطية، رغم أن كل الممثلين في العرض أكدوا له قبل ذلك بلحظات بأن كل ما شاهده وعاشه كان خيالياً وأن لا وجود للبيروقراطية.
الندوة التطبيقية التي تلت العرض احتفت به، وناقشت مضامين النص والعرض وأبرزت العلاقة بين الاثنين، وبيّن بعض الحضور أن العرض مختلف عن بقية العروض لأن نصه ينتمي للأدب السياسي الساخر، وهو نقد للمجتمع الاشتراكي الشيوعي وبيروقراطيته، وأشاد البعض كذلك باستيعاب المخرج للزمان والمكان استيعاباً كاملاً، وبينوا أن في العرض توظيفاً جيداً ودلالات ذكية، وتساءل بعضهم من هو أحمد بركات إن لم يكن هو المثقف العربي الذي يظهر في صورته النمطية وهو يضع نظارة ويحمل حقيبة أوراق؟، غير أن البعض الآخر انتقد المباشرة التي ظهر عليها العرض أحياناً.
النقد الآخر الذي وجه لعرض "سترة من المخملين"، هو أنه تجاوز إشكالية المتلقي؛ حيث لم يطرح على نفسه السؤال: هل يعاني الجمهور الذي تعرض عليه المسرحية من المآزق التي تعالجها؟، فأزمة البيروقراطية ليست مطروحة للمتلقي الإماراتي، وبالتالي ثمة إشكال في ما يسمى فكرة المتلقي عند مخرج العرض.