دبي ـ جمال أبو سمرا
لا يشكل الدخول إلى بيت فنان تشكيلي ومشاركته يومه سوى مغامرة بصرية جمالية، تتبدى فيها اللوحات التي تكسو الجدران، وألوان الأثاث المنتقاة بذائقة عالية، إضافة إلى المنحوتات، والتماثيل، والنباتات التي تتوزع في ممرات، وزوايا البيت، فتبدو كأنها تفيض من ذهن الفنان وتملأ البيت ليصبح الفن ليس ذلك الذي يعيشه في مرسمه مع القماش والألوان، وإنما هو يومه الذي يرسم تفاصيل حياته ويتشاركه مع أبنائه وزوجته.
تماما كذلك تبدو حياة الفنان التشكيلي الإماراتي عبدالرحيم سالم، حيث استضافنا في بيته في دبي خلال يومٍ تعرفنا فيه إلى حياته عن قرب، واستعدنا معه ذكريات البدايات، وأيام الدراسة، وأول الأعمال، واللوحات التي قدمها، وأبحرنا في ألبوم صوره القديم، حيث ظهرت لنا وجوه أسماء تشكيلية كبيرة اليوم في الإمارات والعالم العربي وهي في مطالع مرحلة الشباب يواكب أصحابها موضة سبعينات القرن الماضي بالشعر الكثيف والذقون الكثة، وأزياء "الشارلستون".
ما إن استقبلنا سالم وفتح باب بيته حتى اطلت أشجار الرمان، والحناء، وأصناف من الورود البرية، والمنزلية، تتدلى منها الثمار بكسل وتترك ظلالها على جدران البيت الذي تشبع روح الفنان وصار هادئاً، يشبه جذع الشجرة في سكونه، استقبلنا سالم بقلب شاسع وأجلسنا في غرفة الضيافة حيث تتوزع اللوحات على الجدران، وتطل الشمس من نافذة واسعة لتضيء الغرفة وتكشف الزخارف على الطاولات، وتمنح النباتات المتدلية نورها.
البيت كان هادئا، وسالم يتنقل بثوبه الإماراتي، باحثا عن مجموعة من الألبومات التي تعيده إلى طفولته المدرسية حيث أتم مرحلته الإعدادية في البحرين في مدرسة رأس الرمان، إلا أنه لم يجد سوى ألبومات تعيده إلى ثلاثين عاما مضت تشكلت فيها بدايات تجربته التشكيلية التي جعلت منه هذه القامة الإبداعية المهمة في المشهد التشكيلي العربي. جاء سالم محملاً بأكياس وحقيبة دبلوماسية من ذاك النوع الذي لا يفتح إلا بأرقام سرية، كانت جلدية قديمة تهرأت أطرافها، وضع كل ذلك أمامنا على الطاولة وتنهد طويلاً ثم أكد " ستعيدنا إلى سنوات بعيدة، كنت اتمنى أن أجد صور الطفولة، لكني لم أعثر عليها، هذه الحقيبة جمعت فيها أرشيف ما كتب عني منذ اوائل الثمانينات، وهذه الأكياس تحوي صوري منذ أيام الجامعة".
لم يكن سالم متخوفا من نبش كل تلك السنوات التي مضت، وكأنه يعرفها كما يعرف راحة يده، فراح يسرد سيرته كما لو أنه يهيئنا للدخول إلى حكايات الصور التي راح يوضبها أمامه، فلفت " ولدت عام 1955 في منطقة "الصبخة" في دبي، هناك كانت الطفولة الأولى، وكانت حياة أهلي بين الشارقة ودبي، إلى أن انتقلت إلى البحرين لأبدأ مراحل تعليمي الإبتدائي والإعدادي والثانوي، هناك تعلمت وكانت الحياة مليئة بالمفاجأة والمعارف التي ربما لا يمكن معرفة جدواها وقيمتها إلا حين نتجاوز الخمسين من العمر، وكأن الأشياء تكتسب قيماً جديدة بمرور العمر".
شرع يفتح الحقيبة التي فاحت منها رائحة الورق القديم، وتناثرت منها قصاصات قديمة مهترئة تظهر فيها عناوين الصحف مكتوبة بخط اليد، شرعها وراح يكمل حكايته " بعد سنوات الدراسة في البحرين عدت إلى الإمارات لفترة قصيرة، خرجت بعدها مع مجموعة من الطلاب المبتعثين إلى مصر لدراسة الفنون الجميلة، وهناك التحقت بكلية الفنون بتخصص النحت، فكانت تجربة مفصلية في مسيرتي، إذ تتلمذت على يد نخبة من مدرسي الفنون هناك وأكدت حضوري الفني من خلال مشاركتي في مسابقة الطلائع حيث حصلت على المركز الأول في الجائزة، وكان ذلك عام 1978".