الفيفا

تتعامل السلطات القضائية الأميركية مع الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" كما هو الحال مع "المافيا" لجمع كل قطع اللغز، ومن أسفل الهرم إلى القمة يعد أبناء "العم سام" بإسقاط جميع الرؤوس كأحجار الدومينو.

ويمكن استخدام مصطلح "كرة الثلج" على ما يشهده عالم كرة القدم من أحداث متسارعة جدًا جعلت "الرؤوس الكبيرة" قريبة جدًا من المقصلة، بعد أن توسّع التحقيق في اتهامات الفساد ليصل إلى أستراليا.

وأوضح المدعي العام السابق في بروكلين جون لاورو، لوكالة "فرانس برس"، أن "الرؤوس الكبرى" مستهدفة من خلال قراءة لائحة الاتهامات، وأن المقاطعة الأميركية التي اتهمت 14 مسؤولًا كبيرًا في "فيفا" الأسبوع الماضي عشية انتخابات الرئاسة، التي حسمها السويسري جوزيف بلاتر أمام الأمير الأردني علي بن الحسين، قبل أن يعلن بعد أيام قليلة نيته بالاستقالة.

وكانت لهجة وزير الهدل لوريتا لينش، حازمة بعد الكشف عن لائحة اتهام من 165 صفحة، معبرة: "لسنا سوى في البدايات"، موضحة أن القضاء الأميركي في الاتهامات يتحدث عن فساد متوطّن ومتجذر بعمق.

وأضاف المدعي العام السابق في نيويورك أن الهدف النهائي للتحقيق هو إسقاط كل الرؤوس، والمقاضاة على أعلى المستويات، وما يثبت ذلك استقالة بلاتر الثلاثاء، وأن كل المؤشرات تدل أن بلاتر أُبلغ من النيابة العامة بأنه المستهدف الرئيس.

وأكد القضاء الأميركي أن لديه رؤية تفصيلية عمّا كان يحصل في "فيفا"، ويشجع أولئك الذين لم تتم الإشارة إليهم مباشرة بتعاون أفضل وإلا سيأتي دورهم قريبًا بحسب ما وصفه لاورو.

ورأى المحامي ديفيد واينشتاين بأنه يجد الكثير من أوجه الشبه مع التحقيقات ضد عصابات الجريمة المنظمة وكارتيلات المخدرات، التي قادها وزير العدل الشهير روبرت كينيدي في ستينات القرن الماضي: "إنها عملية طويلة ولكن لا عجلة فيها، يجمعون البيانات هنا وفي الخارج لتأكيد الاتهامات ويتقدمون أكثر فأكثر نحو القمة".

وسمي بلاتر "دون مافيا" داخل أسوار "فيفا" لغروره وقبضته الحديد في 17 عامًا داخل أسوار معقل زيوريخ، مستخدمًا أساليب طبق الأصل عن "العرّاب" بحسب العضو السابق للجنة الحوكمة الدولية في "فيفا" ألكسندرا وراج.

واعترف أعضاء سابقون في "فيفا" مع التحقيق الأميركي بالتهم الموجهة إليهم، وأبرزهم ابن البلد تشاك بليزر، الذي تقاضى الملايين كرشاوى طيلة ربع قرن من الزمن، وتعامل مع القضاء لإسقاط زملائه في الفساد بالضربة القاضية.

وتابع المدّعي العام السابق في ميامي: "الضغط يزداد عليهم للتعاون أو تقديم إثباتات تُبرّئهم أو تخفّف العقوبات التي تنتظرهم".

وأفاد المحامي واينشتاين: "من دون شك بدأت أحجار الدومينو تتساقط مع الشقيقين وارنر، نجلا الترينيدادي جاك وارنر أكبر المتهمين بالفساد. وانطلاقا من هنا، استولوا على القطعة التالية المتمثلة بتشاك بليزر أمين عام اتحاد كونكاكاف السابق. استخدموا الأدلة التي جمعوها من الشقيقين وارنر ضد بليزر وهكذا دواليك، كما طبّقوا ذلك مع منظمات الجريمة الأخرى".

وأقر بليزر بقبض رشاوى للتصويت في ملفي مونديالي 1998 و2010، فاضحًا الكثير فيما لم يُعلن القضاء الأميركي على ما يبدو عن كامل تفاصيل كنزه الثمين من الاعترافات.

وذكر أستاذ القانون في جامعة ريتشموند "فيرجينيا" آندي سبالدينغ، أن كل أحجار الدومينو ستتساقط بسرعة.

وأضاف خبير الفساد الدولي لـ"فرانس برس": "الآن وقد أقر البعض بذنبه ويتعاون مع القضاء، يبدو محتمًا أن يكون بلاتر بدوره مشاركًا".

ويبقى معرفة ما إذا كان بلاتر مستعدًا للتعاون أو سيواجه الاتهامات، خصوصًا الملايين الـ10 التي حوّلها يده اليمنى الفرنسي جيروم فالك، ووصل معظمها في نهاية المطاف إلى جيب وارنر على شكل رشوة مبطنة لأجل التصويت لاستضافة جنوب أفريقيا مونديال 2010، حيث ينتظر الخبراء قريبًا صدور مضبطة اتهام موسّعة تتضمن اسم جوزيف بلاتر.

ولا شك بأن الرئيس المستقيل يمكنه تقديم معلومات جوهرية حول ما يعرفه عن الشركات التي دفعت رشاوى، من كان يتلقاها وما هي الأصوات التي تم بيعها على مر التاريخ الحديث لشراء كؤوس العالم.

ويبدو أن الارتكاز الأساسي للقضاء الأميركي كان على عضو اللجنة التنفيذية السابق في الاتحاد الدولي تشاك بلايزر، الذي لعب دور المخبر وكشف المستور الذي يطاوله شخصيًا أيضًا، بعدما اعترف بأنه تقاضى إلى جانب أعضاء آخرين في "فيفا"، رشوة لمونديالي 1998 و2010 بحسب محضر الاستماع الذي نشر.

وكان بلايزر الرجل الثاني في اتحاد الكونكاكاف "أميركا الشمالية والوسطى والكاريبي" من 1990 إلى 2011، كما أنه كان عضوًا في اللجنة التنفيذية لـ "فيفا" من 1997 إلى 2013.

واعترف بلايزر بحسب المحضر أمام المحكمة الفيدرالية لمنطقة نيويورك في 25 تشرين الثاني / نوفمبر 2013، أنه خلال الفترة التي عملت فيها مع "فيفا" واتحاد "الكونكاكاف"، ارتكبت مع أشخاص آخرين على الأقل عمليتي ابتزاز.

وتابع: "قبلت مع أشخاص آخرين في 1992 أو في حدود هذا التاريخ تسهيل دفع رشوة لأجل اختيار الدولة المضيفة لمونديال 1998".

واعترف بلايزر، الذي شغل منصب الأمين العام لاتحاد "الكونكاكاف"، بأنه رتب أيضًا أعمال رشوة على هامش كأس العالم 1998، التي أقيمت في فرنسا.

ونالت فرنسا عام 1992 شرف تنظيم مونديال 1998 على حساب المنافس الوحيد المغرب، بحصولها على 12 صوتًا من أصوات أعضاء اللجنة التنفيذية في مقابل سبعة أصوات للخاسر.

وأوضح بلايزر المتواجد حاليًا خارج القضبان بكفالة ويعالج من سرطان شرجي، في وثيقة ثانية للقضاء الأميركي أنه تلقى دعوة من اللجنة المغربية المنظمة لزيارة المغرب مع الشخص الذي أشار إليه القضاء الأميركي بأنه "المتآمر رقم واحد".

وأضافت هذه الوثيقة "بلايزر كان حاضرًا عندما قدّم ممثل للجنة المغربية المنظمة رشوة للمتآمر رقم واحد لأجل منح صوته للمغرب في الاقتراع على الدولة المنظمة لمونديال 1998، والمتآمر رقم واحد قبل تلك الرشوة".

وبيّن بلايزر لقاضي المحكمة رايموند ديري: "من بداية 2004 وحتى عام 2011، قررنا أنا وبعض أعضاء اللجنة التنفيذية في فيفا قبول رشاوى في ما يتعلق بمنح جنوب أفريقيا شرف استضافة كأس العالم 2010".