المكملات والهرمونات

مخلفات إبر طبية تناثرت في دورات المياه وغرف خلع الملابس في صالات رياضية، بعدما استخدمها روّاد الصالة لحقن الهرمونات في أجسادهم، كاشفة عن نوع من الهوس بإعادة رسم الأجساد، وإن بطريقة غير آمنة، ولا تخضع لأبسط اشتراطات السلامة.وفيما أصدرت دائرة الصحة في أبوظبي، أخيراً، قائمة تضمنت 157 مكملاً غذائياً مغشوشاً، حذّرت هيئة الصحة في دبي من تناول المكملات دون إشراف طبي، مشيرة إلى أن «أغلبية الصالات الرياضية تتاجر في هذه المنتجات، دون التعاقد مع أطباء أو مختصين للإشراف على تناولها».

وحدّد قائمون على رياضة كمال الأجسام وخبراء لياقة بدنية أسباباً عدة لانتشار تناول المكملات دون إشراف طبي، منها: عدم التشدّد في منح تراخيص إنشاء نوادي لياقة بدنية (صالات الجيم)، واستخدام مدربين غير مؤهلين (من بينهم أشخاص بدأوا مسيرتهم عمال نظافة في الصالات نفسها)، وجشع مدربين يبيعون الهرمونات لروّاد الصالة، وقلة وعي وضعف ثقافة فئة كبيرة من مرتادي الصالات، واستعجال الحصول على جسم مثالي، وضعف الرقابة على تداول الهرمونات أو المكملات (يمكن جلبها من الخارج بسهولة، دون أن تمر على القنوات الرقابية اللازمة)، وتكتم كثير من مستخدمي الهرمونات على تعاطيهم لها بداعي الخجل من اكتشاف أن أجسامهم بنيت بطريقة زائفة، لافتين إلى أن النظرة العامة للهرمونات أشبه بالنظرة إلى المنشطات الجنسية، فالكثيرون يخجلون من الاعتراف باستخدامها، حتى بعد تعرضهم لمشكلات صحية خطيرة.

ضحايا الاستخدام الخاطئ للهرمونات كثيرون، ووقوع حالات وفاة وحدوث مضاعفات صحية ناقوس خطر تدقه «الإمارات اليوم» باقتحامها هذا العالم، الذي ظاهره براق، وباطنه مدمر.

«م.أ» شاب في الـ30 من عمره، كان منذ أشهر قليلة يتمتع بقوام طبيعي، ويمارس تمارين اللياقة البدنية بشكل اعتيادي، ثم ظهر تغير ملموس عليه خلال أسابيع قليلة، إذ صار مفتول العضلات فجأة.

وكلما سأله أقرانه في الصالة التي يتدرب فيها عن سر التغير المفاجئ، يؤكد أنه حصل على بنيته العضلية الجديدة بفضل الانتظام في التمرين مرتين يومياً، إلا أنهم صدموا بعد فترة وجيزة بسقوطه مغشياً عليه.

وتبين لاحقاً إصابته بتلف في الأعصاب، بسبب تعاطيه هرمونات محفزة للعضلات، حقنه بها أحد مدربي النادي الذي يتدرب فيه، وتدهورت حالته الصحية كثيراً، ما استلزم خضوعه لعلاج مكثف بعد أن تضرّرت وظائفه الحيوية نتيجة تلك الهرمونات.

قصة هذا الشاب ليست حالة فريدة أو استثنائية، فمئات من المهووسين بتضخيم أجسامهم، يتجاهلون التحذيرات الطبية للحصول على نتائج سريعة، فيدفعون أثماناً غالية، تصل إلى الوفاة أو العقم والفشل الكلوي، نتيجة استخدامهم منتجات تباع سراً، خارج الإطار الرقابي الذي تفرضه الدولة على تداول المكملات الغذائية، والهرمونات المحفزة للعضلات، أو المستخدمة في التخسيس وحرق الدهون.

وقال شخص أطلق على نفسه اسم «ياسر» إنه فقد صديقاً له بسبب تعاطي الهرمونات دون إشراف طبي، معتبراً أن هناك «هوساً حقيقياً بالحصول على جسم مثالي، مهما كان السبب». وأضاف أنه كاد يكون أحد الضحايا، إذ جرب الهرمونات، وكان يحقن نفسه بإبرة في جانبيه، يميناً ويساراً، على مدى 30 يوماً، إلى أن انتفخ جسده النحيل. لكن بمرور الوقت بدأ يشعر بآلام في الكلى، فأجرى فحوصاً طبية، واكتشف وجود حصوات متراكمة في كليتيه بسبب المكملات.

وأكد «ياسر» أن القصة تبدأ عادة بمدرب اللياقة البدنية «فهناك مدربون يخالفون ضمائرهم، ويصطادون المتمرنين الجدد ممن لا خبرة لديهم بتمارين اللياقة البدنية، إذ ينظر هؤلاء إلى الآخرين، منتفخي العضلات، بنوع من الغيرة، والرغبة في الحصول على جسم مماثل. وعندما يلاحظ المدربون ذلك يلتقطونهم ويغرونهم بنتائج سريعة، لا تتجاوز ثلاثة أشهر، بشرط الالتزام بتعليماتهم. وأهمها تناول مكملات وهرمونات يبيعونها لهم لفائدتهم الشخصية، أو لمصلحة شركات معينة، مقابل نسبة».

أمّا «علي» فقال: «جربت الهرمونات لمرة واحدة وامتنعت بعدها. والسبب هو أنني شاهدت المدرب يحقن أشخاصاً آخرين، إذ انتابني شعور سيّئ، لأن المشهد في حد ذاته كان مثيراً للشبهة».

ويضيف أن معظم أصدقائه يواظبون على الهرمونات. ولكن، على الرغم من ضخامة عضلاتهم وتباهيهم بأجسامهم، إلا أنهم يخجلون من الاعتراف بذلك.

ويشرح «نبيل» أنه أُصيب بتلف في الأعصاب وضعف في عضلة القلب. ويؤكد أن ما حدث له هو نتيجة لجرعات الهرمونات التي تلقاها على يد مدربه، لافتاً إلى أنه حصل على جسم رائع خلال زمن قياسي، بفضل هذه الجرعات، لكنه لم يهنأ به طويلاً.

وذكر يوسف علي أن له صديقاً حقن رقبته من الجانبين بهرمون معين، لتضخيم العضلات، وكانت إحدى الإبرتين فاسدة، فتضخم جانب وبقي الآخر على حاله، حتى اعوجت رقبته وصار مشوهاً بدلاً من الحصول على شكل متناسق ومثالي. في المقابل، قال عضو مجلس اتحاد الإمارات لبناء الأجسام، رئيس المنتخبات والمسابقات، أحمد جوهر، إن المفهوم الشائع لدى كثيرين، بأن رياضة بناء الأجسام مرتبطة بالمنشطات خاطئ، مؤكداً أن هناك تشديداً من الاتحاد على اللاعبين لعدم تناول أي نوع من المنشطات، بل عدم تعاطي أي أدوية دون الإبلاغ عنها، لضمان عدم الوقوع في محظور استخدام مادة ممنوعة.

وأضاف أن الإشكالية تكمن في تداول أنواع كثيرة من المكملات دون التحقق من مصادرها، فأي شخص يحقق إنجازاً ما، حتى لو كان بسيطاً، تنتج إحدى الشركات منتجاً باسمه، وربما تضيف إليه عناصر غير صحية، حتى يحقق نتائج سريعة وينتشر في السوق.

واعتبر جوهر أن «أبرز أسباب انتشار المنشطات غير الصحية، لجوء صالات صغيرة إلى ترويج الهرمونات حتى تحقق نوعاً من الجذب وتنافس النوادي أو الصالات الكبرى، التي تتمتع بمرافق فخمة. كما أن كثيراً من الصالات توظف مدربين غير محترفين، دون النظر إلى أهمية هذا الدور الذي يستلزم خبرة وكفاءة، إذ يكفي - مثلاً - حصول شخص على مركز في بطولة ما لتعيينه فوراً كمدرب»، لافتاً إلى أن «هناك مدربين يبدأون عمال نظافة في الصالات، وبعد أشهر يتحولون إلى مدربين».

وتابع: «يحصل هؤلاء الأشخاص على رواتب متدنية، فيلجأون إلى طرق غير شرعية لمضاعفة مدخولهم. ومنها ترويج هرمونات ومكملات غذائية غير صحية، أو منتهية الصلاحية».

وحول أبرز المشكلات والمخاطر التي رصدها من خلال خبرته وعمله في هذا المجال، أكد أن «الاستخدام العشوائي لبعض المنتجات يؤدي إلى أضرار صحية وتأثيرات سلبية متعلقة بالقدرة على الإنجاب».

وأضاف أن الاتحاد يحرص على مراقبة سلوكيات اللاعبين في هذا الاتجاه، ويشدّد على ضرورة الإبلاغ عن أي نوع من الدواء يتناولونه، لأن بعض المواد لا تكون مدونة في الوصفة، وتحتوي على منشطات أو مواد تضر بصحة اللاعب أو مستقبله، مشيراً إلى أن «لاعبي بناء الأجسام المحترفين في الدولة لم يتعرضوا لأي نوع من هذه المشكلات لخضوعهم لإشراف فني وطبي مستمر».

أمّا الخبير في بناء الأجسام واللياقة البدنية والتغذية وإصابات اللاعبين، معتصم علي الشريف، فيؤكد أنه لا مجال لدفن الرؤوس في الرمال في ما يتعلق بمشكلة الاستخدام العشوائي للهرمونات والمكملات الغذائية من قبل هواة بناء الأجسام، خصوصاً المراهقين «فهم يتأثرون كثيراً بالإعلانات التي تنتشر بغزارة على شبكات التواصل الاجتماعي، ويرغبون في الظهور بشكل جذاب، خصوصاً عند ارتياد البحر. وقد انعكس هذا الهوس عواقب غير محمودة، نظراً لاندفاعهم وتجربة أي شيء يشاهدونه على السوشيال ميديا، أو ينصحهم به مدرب جشع ليس لديه ذرة ضمير».

ويقول الشريف إن «الشباب يريدون وصفة سريعة، تغنيهم عن عناء التدريب أو التغذية المناسبة، لافتاً إلى أن أحدهم أصيب أخيراً بجلطة، نتيجة تضخم عضلات القلب الناجم عن الاستخدام الخاطئ للهرمونات». ويضيف أن هذه الحالة ليست الأولى، إذ عاين بنفسه عشرات من الشباب أصيبوا بأمراض خطيرة نتيجة اندفاعهم غير المدروس في استخدام الهرمونات والمكملات الغذائية.

وشرح الشريف أن «استخدام الهرمونات يستلزم نمطاً غذائياً معيناً، يرافقه إشراف طبي وفحوص دورية. لكن الكثيرين يتجاهلون ذلك، وتشفق عليهم حين ترى أحدهم يحقن نفسه كمدمن المخدرات، سواء للتضخيم أو التنشيف والحرق، بمواد قاتلة مباشرة أو تدريجياً».

وكشف أن عشرات من الشباب الذين يتعرضون لمشكلات صحية خطيرة بسبب الإفراط في استخدام الهرمونات يتكتمون على الأمر، ويسافر بعضهم للعلاج في الخارج دون علم أسرهم، لشعورهم بالخوف أو الخجل من ردة الفعل.

ولخص الشريف أسباب هذه الظاهرة، في ترخيص الأندية الرياضية والصالات لأي شخص مهما كانت مؤهلاته، وضعف ثقافة كثير من ممارسيها، وتجنب الفحص الطبي، والثقة العشوائية في المدربين الجشعين، والطمع في الحصول على نتائج سريعة، وكثرة المنتجات المغشوشة أو غير الصالحة.

وأوضح أن هناك لاعبين يأتون إليه بعد استخدامهم الهرمونات على نطاق واسع، وحين يدقق في نمطهم الغذائي يكتشف أنهم وقعوا فريسة لمدرب جشع، قادهم إلى الهلاك طمعاً في أموالهم، مؤكداً أن «سوق المكملات الغذائية مخيف وهرمونات مثل الاسترويد أو التستوستيرون وغيرهما تتوافر عشوائياً، ولا حل في النهاية سوى الوعي، فمهما بلغت درجة الرقابة من الدولة، يصعب أن تمنع شخصاً من الإضرار بنفسه».

وحذّرت أخصائية التغذية، شمسة البلوشي، من أضرار المكملات الغذائية المغشوشة التي تباع عبر الـ«سوشيال ميديا»، لافتة إلى أنها تؤدي إلى الإصابة بالفشل الكلوي وأضرار بالقلب وقد تؤدي إلى الوفاة. ولفتت إلى أن تناول المكملات الغذائية عشوائياً دون القيام بفحص للدم لتحديد طبيعة المناعة لدى كل شخص قد يؤدي إلى الإصابة بأضرار وخلل في الأعصاب وأعضاء الجسم.

وأوضحت أن بعض المنتجات التي تساعد على تنزيل الوزن السريع، وتباع في الـ«سوشيال ميديا» بأسعار رخيصة، تسبب الزكام وتزيد من ضربات القلب، وقد تؤدي للوفاة في حال كانت مناعة مستخدمها ضعيفة، أو في حال تناول جرعات غير محددة منها.

وأضافت البلوشي أن معظم الشركات المنتجة للمكملات الغذائية غير المرخصة، التي تباع بطرق غير قانونية، ولا تخضع للرقابة من الجهات المختصة، تستخدم الشعر والأظافر والريش في بعض منتجاتها، لأنها تساعد على ترميم العضل. كما أن بعض المكملات والمنشطات مخلوطة بمواد ممنوعة، ولا تسمح إدارة الغذاء والدواء الأميركية بتداولها، لكنها تباع عبر الإنترنت بأسعار رخيصة. وتابعت أن تناول المكملات دون رقابة أو ترخيص يعرض وظائف الكبد والكلى للخلل، وضعف مناعة الجسم.

وأكدت أن كثيراً من المكملات التي تباع عبر الـ«أون لاين»، تحتوي على مواد ملوثة مثل مادة «سبيوترامين» التي تقمع الشهية، وتحدث خللاً في الأعصاب.

وأضافت البلوشي أن انتشار أخصائيي التغذية والمختصين في التخسيس وتسويقهم مكملات غذائية ومنشطات ومنتجات تخسيس عبر الـ«سوشيال ميديا»، من أجل الربح المالي، تسبب في تعرض كثير من المستهلكين للخطر. وهناك منتجات تُباع في الصيدليات لأغراض طبية، وتستخدم من الرياضيين لتنشيف الجسم من السوائل في فترة زمنية قصيرة لا تتعدى الأسبوعين، ما يؤدي إلى حدوث خلل في وظائف الجسم وتلف في الأعصاب، في حال تناول جرعات زائدة منها.

وأكدت وجود مكملات وهرمونات مغشوشة تصيب بالعقم، وتسبب مشكلات جنسية. وأكدت أن أحد الشباب تردّد على عيادتها بعد إصابته بفشل كلوي نتيجة المكملات الغذائية والمنشطات التي كان يتناولها بطريقة غير سليمة، مضيفة أنه يغسل الكلى أسبوعيًا.

قـــــــــــد يهمك أيـــــضًأ 

علماء يستخدمون تقنية لعلاج الاضطراب القاتل

6 أمراض قد تكون السبب في الشعور بالتعب المستمر