تراجع خام برنت القياسي العالمي إلى أدنى مستوى له

تراجع خام برنت القياسي العالمي عن مستوى 30 دولارًا للبرميل إلى أدنى مستوى منذ العام 2004 لليوم الثاني على التوالي قبل أن يتعافى. وأغلق أيضًا بعيدًا عن أعلى مستوياته، بعد أن أشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى أن مفاعلًا نوويًا إيرانيًا رئيسيًا جرى تدميره في خطوة مهمة للوفاء بشروط رفع العقوبات عن صادرات النفط الإيرانية.

 وصرح المحلل النفطي في تيتش كابيتال ادفايزورز في لونج ايلاند، طارق زهير، بـ"بينما يُجرى وضع اللمسات الأخيرة لنهاية العقوبات ندخل الآن إلى عالم سيشهد مزيدا من المعروض"، مضيفًا "نشعر أن حرب أسعار ستقودنا إلى مستويات 20 دولارًا. وسنعمد إلى البيع عند أي صعود للأسعار في الأيام والأسابيع المقبلة".
 
وأنهت عقود برنت لأقرب استحقاق جلسة التداول مرتفعة 72 سنتًا أو 2.4% لتسجل عند التسوية 31.03 دولارًا للبرميل. وفي وقت سابق من الجلسة صعدت إلى 31.23 دولارًا بعدما هبطت إلى 29.73 دولارًا وهو أضعف مستوى لها منذ شباط/ فبراير 2004.

 وبلغت خسائر برنت حوالي 7 دولارات أو 20% تقريبا على مدى الجلسات الثماني الماضية، وسجلت عقود خام القياس الأميركي غرب تكساس الوسيط عند التسوية 31.20 دولار للبرميل، مرتفعة 72 سنتا أو 2.4%. وفي وقت سابق هذا الأسبوع هوت إلى أدنى مستوى في 12 عاما عند 29.93 دولار.

 وانخفض سعر النفط على مدى العام الماضي، ففي الوقت الذي كان يكلف 900 لتر من الزيت للتدفئة 609 جنيه إسترليني، أصبح اليوم بـ204 جنيه إسترليني، وانخفضت تكلفة ملء خزان وقود السيارة من 70 جنيه استرليني إلى 53 جنيه استرليني.

 وتمكّن الناس الذين يستخدمون التدفئة المركزية التي تعتمد على النفط وقودًا لها وخصوصًا أولئك الذين يعيشون في ريف بريطانيا من توفير الكثير من المال، لأن الضرائب تشكّل أقل من سعر البيع بالتجزئة للتر الواحد من زيت التدفئة مقارنة بالبنزين والديزل، وبالتالي تمكن الناس من تحويل الفرق في السعر الى أمور أخرى في حياتهم.

 وخاضت شركات النفط الأميركية والسعودية على مدى 15 شهرًا الماضية الكثير من النقاشات التي وصلت لحد المعركة، فحتى وقت قريب كانت السعودية تمارس قوة هائلة في أسواق النفط، ليس فقط لأنها تنتج حوالي 13% من الإنتاج العالمي للنفط، ولكنها تترأس منظمة الأوبك (منظمة الدول المصدرة للبترول) أيضًا.

 ويعتبر الهدف الرئيسي من تأسيس منظمة الأوبك هو تحقيق أقصى ربح لأعضائها من خلال تحديد أسعار النفط العالمية، ويتكون معظم أعضائها من دول الشرق الأوسط، فإذا انخفض سعر النفط فان أوبك ستجتمع وتتفق على خفض الانتاج العالمي من أجل رفع السعر.
 
عند ارتفاع الأسعار، فإن أعضاء الأوبك سيتفقون أنه من الآمن فتح صنابير النفط قليلًا حتى يتمكنوا من بيع المزيد منه، وفي معظم الاقتصادات المتقدمة، فإن مثل هذا السلوك يكون غير قانوني لأنه ضد مصلحة المستهلك، ولكن على مدى عقود سمح لأوبك أن تعمل هكذا بدون عقاب، لأجل الاحتفاظ بسعر النفط عاليًا قدر الإمكان.

وحدث شيء ما مخالف قبل عامين، فبفضل تقنية كسر الصخور الحاملة للنفط عن طريق ضخ الماء والرمل تحت ضغط عالي، تفوقت أميركا على السعودية كأكبر منتج للنفط في العالم، فشعرت السعودية بالتهديد لأول مرة، ونتيجة لذلك بدأت أسعار النفط بالانخفاض في الأسواق العالمية، فاضطرت الأوبك لتغيير استراتيجيتها، فبدلًا من خفض الإنتاج، زادته في محاولة لخفض سعر النفط أكثر، وإجبار المنتجين الأميركيين على الخروج من المعادلة أو الرضوخ للقانون السابق.

 ونجحت "أوبك" بالتأكيد في خفض أسعار النفط الخام، مؤدية إلى انهيار سعر البرميل منه من ذروة وصلت إلى 115 دولار في صيف 2014 وحتى 31 دولارًا هذا الأسبوع، ومع ذلك لم يوقف أي من الأمريكان أو منتجي الاوبك أو حتى يقللوا من انتاج النفط، مفترضين أن هذه الحرب ستدمر الأخر أكثر منهم.
 
وعلاوة على ذلك، قرر الغرب رفع العقوبات عن ايران والتي كانت مفروضة منذ عام 2007، وستكون النتيجة تدفق المزيد من النفط في الأسواق العالمية، وهذا السبب أدى الى تراجع الأسعار بنسبة 20% منذ الأول من كانون الثاني/يناير.
 
وقبل ثلاث سنوات، وبينما كانت أسعار زيت التدفئة في الارتفاع، قرر العديد من الناس البحث عن بدائل صديقة للبيئة أكثر منها ما يسمى بتقنية مضخة حرارة مصدر الهواء، وهو في الواقع نظام تبريد أو تكييف ولكن في الاتجاه المعاكس، مؤديًا إلى إدخال الحرارة من الخارج إلى الداخل، على الرغم من كون حرارة الداخل أعلى من حرارة الخارج، ولكن سيكلف هذا النظام 10 آلاف جنيه استرليني لتركيبه، وسيؤدي لارتفاع فاتورة الكهرباء، ولكن الشركات التي كانت تبيعه ضمنت للزبائن أن هذه التقنية ستوفر عليهم الكثير من النقود معتقدين أن الأسعار سترتفع أكثر من أسعار الكهرباء بكل تأكيد.

 وبناء على نظرية هذه الشركات يبدو أن العالم بلغ "ذروة النفط" في انخفاض أسعاره، وأن الأيام والسنين المقبلة ستشهد ارتفاعًا في أسعاره أكثر من أي وقت مضى، وبالرغم من أن التقنية البديلة تقلل من فاتورة الغاز وزيت التدفئة إلا أنها ترفع فاتورة الكهرباء من حوالي 500 جنيه استرليني الى 2000 جنيه في السنة، وفي الوقت الذي انخفض فيه سعر زيت التدفئة منذ عام 2013 إلا أن أسعار الكهرباء ارتفعت بنسبة 13%.

 ويعود سبب ارتفاع الكهرباء الى أن شركات الكهرباء مجبرة على شراء نسبة معينة من الطاقة المتجددة باهظة الثمن، وبالتالي سيصعب على أصحاب المنازل الكبيرة القديمة ذات الجدران الصلبة استخدام هذه التقنية، ويبدو للكثيرين أن فكرة وصول النفط الى ذروته وأن الأسعار ستبدأ بالارتفاع مجددًا هي مجرد فكرة سخيفة.
وأتت فكرة ذروة النفط من ما يسمى في أوروبا باللوبي الأخضر، الذي يريد من الناس التوقف عن استخدام الوقود الأحفوري، مما أدى إلى سياسة وطنية للطاقة تفترض أن أسعار الوقود الأحفوري لا يمكن إلا أن ترتفع، مدفوعة لدعم الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المتجددة الأخرى والتي تكلف 3 مليار جنيه إسترليني سنويا.

وتدفقت النقود على شركات الطاقة المتجددة من خلال الضرائب والرسوم على فواتير المستهلكين، لجعل الناس معتقدين أنها استثمار حكيم وناجح من شأنه أن يوفر الكثير من المال على المدى الطويل، فهو يجعلهم أقل اعتمادًا على الوقود الأحفوري باهظ الثمن، فعلى سبيل المثال، صرّح وزير المناخ البريطاني كريس هوهن في عام 2011 أن الاعتماد على وقود الأمس يمكن أن يكون مشكلة في المستقبل، وخصوصًا مع ارتفاع أسعار الطاقة ومحدودية إمدادات الوقود الأحفوري.
 
والتقى قادة العالم في باريس في الشهر الماضي للتوصل إلى اتفاق للحد من انبعاثات الكربون، وفي نهاية المحدثات التي استمرت لمدة عشرة أيام، اتفقوا جميعًا على أنهم في الطريق لخفض الانبعاثات، فباستثناء بريطانيا، لم تستطع أي دولة من المجتمعين أن تلزم نفسها بالحد من الانبعاثات بشكل قانوني، فبالنهاية من يعتقد بأن هذه الدول ستجبر اقتصاداتها على التخلي عن الوقود الأحفوري، لشراء المزيد من الطاقة الخضراء التي تعتبر أكثر تكلفة وبالتالي فقدان ميزة التنافس؟
 
ولا يظهر العالم أي علامة للحد من الاعتماد على النفط حتى الآن، ولم يكن استهلاك أو إنتاج النفط أعلى في أي وقت مضى عما هو في الربع الأخير من العام الماضي، ومن المفارقات أن دولة صناعية كبيرة نجحت في الحد من انبعاث الكربون بنسبة 9% خلال العقد الماضي وهي الولايات المتحدة الأميركية، من خلال التحول من استخدام الفحم إلى استخدام الغاز في محطات توليد الطاقة والذي يبعث نصف كمية الكربون لكل كيلو وات في الساعة مقارنة بالفحم، ويستطيع باقي العالم الاقتداء بهذا السلوك بدل البحث عن الطاقة المتجددة باهظة الثمن.