موسكو - حسن عمارة
كشفت مصادر دبلوماسية عربية رفيعة في موسكو عن فحوى المكالمة الهاتفية التي وصفت بـ "العاصفة" بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار
الأسد، وسبقت قرار الكرملين بسحب جزء كبير من القوات الروسية من سورية. وقالت المصادر إن بوتين عرض على الأسد اقتراحات تتعلق بمفاوضات جنيف، وأن
الأخير كرّر التمسك بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها المقرر.وأضافت المصادر أن بوتين أبلغ الأسد قراره بالانسحاب من سورية، وهو ما رأى فيه الأسد "ضربة قوية للحلفاء".وذكرت المصادر أنها لمست استياء روسيًا من تصريحات وزير الخارجية السوري وليد المعلم قبل أيام.وأوحت بأن بوتين طلب ترجمة حرفية لكل ما ورد في تصريحات المعلم، مشيرة إلى أن روسيا اعتبرت كلامه استفزازياً خصوصاً أنه جاء تزامنًا مع المفاوضات.
وسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طمأنة الرئيس السوري بشار الأسد، بعد أن فسر غالبية رجال السياسة حول العالم قرار بوتين بسحب الجزء
الرئيسي من قواته من سورية، بأنه «بداية التخلي عن الأسد ومحاولة لممارسة الضغط عليه». ووصف دبلوماسي أجنبي يعمل في العاصمة الروسية، ما قاله
بوتين حول الرئيس الأسد بأنه «رسائل ذكية تريد روسيا من خلالها احتواء رأس النظام السوري كي لا تفقده»، عادّا أن النظام السوري هو الورقة
الوحيدة التي تملكها روسيا على «طاولة اللعبة السياسية الكبرى حول سورية». وأعرب الدبلوماسي، الذي فضل عدم ذكر اسمه لصحيفة "الشرق الأوسط"،
عن اعتقاده بأن روسيا تخشى أيضًا من أن يتخذ الأسد في رد فعله على القرار الروسي خطوات تضرب كل التفاهمات التي توصلت إليها روسيا مع الولايات
المتحدة حول الشأن السوري، وبصورة رئيسية العملية السياسية لتسوية الأزمة السورية، التي تراهن روسيا على نجاحها كي تضيفها إلى سلسلة (النجاحات في
الملفات المعقدة بفضل الشراكة الروسية – الأميركية)».
وأكّد بوتين ,في ما يبدو كأنه رد اعتبار للأسد، وردّ في الوقت نفسه على تفسيرات لقرار سحب القوات الروسية من سورية، أنه ناقش مع الأسد هذا
القرار مسبقًا، وأن الأمر جرى بالتنسيق معه. وقال أن «روسيا ستواصل تقديم الدعم للقوات السورية في حربها ضد (داعش) و(جبهة النصرة)، وغيرهما من
منظمات مدرجة على قائمة الأمم المتحدة بوصفها منظمات إرهابية»، متعهدًا بعدم السماح بحدوث خلل في موازين القوى على الأرض بعد انسحاب القوات
الروسية من سورية. وأشاد بوتين بموقف الرئيس السوري و«ضبط النفس الذي يتحلى به وسعيه الصادق للسلام واستعداده لتقبل الحلول الوسط والحوار»،
مشددا على أن بلاده ستواصل تقديم الدعم الشامل لما وصفها «الحكومة الشرعية السورية» بما في ذلك الدعم المادي وتوريد التقنيات العسكرية
والسلاح، والمساعدة في تدريب وتنظيم القوات السورية المسلحة، فضلا عن تقديم المعلومات الاستطلاعية والمساعدة في غرف الأركان والتخطيط
للعمليات، وكل هذا إلى جانب الدعم المباشر، أي من جانب القوات الجوية الروسية التي ستبقى في سورية، و«هي كافية لتنفيذ المهام المطلوبة».
وفي خلفية رسائل الطمأنة للنظام السوري، لم يفت بوتين أن يعيد مباشرة إلى أذهان جميع أطراف الأزمة السورية أن «خطوة سحب جزء ملموس من قواتنا في
سورية على خلفية انطلاق مفاوضات التسوية السياسية للأزمة السورية في جنيف، بحد ذاتها إشارة إيجابية مهمة، وأثق بأن كل أطراف النزاع السوري
ستقدرها حق تقديرها»، في إشارة منه إلى أن المطلوب الآن المضي في الحل السياسي، باعتبار أن النتيجة الأهم للعملية العسكرية الروسية، وفق ما
يقول بوتين، أنها «خلقت ظروفًا مناسبة للعملية السياسية.. وتمكنت من إطلاق تعاون إيجابي بناء مع الولايات المتحدة وعدد من الدول، ومع تلك
القوى المسؤولة من المعارضة الداخلية التي تريد إنهاء الحرب وإيجاد الحل الوحيد الممكن للأزمة، أي الحل السياسي».
أما قراره بسحب الجزء الرئيسي من القوات الروسية من سورية، فقد عزاه بوتين إلى تراجع الحاجة للطلعات الجوية الكثيفة، بعد دخول وقف إطلاق
النار حيز التنفيذ، الأمر الذي أسقط الحاجة أيضًا إلى بقاء «ذلك الفائض من المقاتلات في سورية». وعاد بوتين ليطمأن النظام حين أكد أن «سحب ذلك
الجزء من الطائرات لا يعني أن عمل القوات الروسية في سورية سيتوقف؛ إذ ستواصل الطائرات الروسية عملياتها ضد المجموعات المصنفّة وفق قوائم الأمم
المتحدة جماعات إرهابية، وهو ما نص عليه البيان الروسي - الأميركي المشترك حول وقف الأعمال القتالية في سورية»، حسب بوتين الذي تعمد أيضًا
طمأنة المجموعات المعارضة التي أعلنت عن انضمامها لوقف إطلاق النار، بأنه لن يتم قصفها، محذرا في غضون ذلك من أن «القوات الروسية ستسجل حالات
انتهاك وقف إطلاق النار، وكل من يقوم بعمل كهذا سيسقط تلقائيًا من قائمة مجموعات المعارضة التي قدمتها الولايات المتحدة لروسيا، مع ما سيترتب على
ذلك من نتائج»، أي إنها ستصبح أهدافا مشروعة للمقاتلات الروسية. وأشار بوتين إلى أن المهام التي يجب على القوات الروسية تنفيذها بعد قرار سحب
الجزء الرئيس منها، هي بالدرجة الأولى مراقبة الالتزام بوقف إطلاق النار، وتهيئة الظروف للحوار السياسي الداخلي، لافتًا إلى أن منظومات الدفاع
الجوي قريبة المدى «بانتسير إف» وبعيدة المدى «إس 400» ستواصل عملها، وستكون دومًا بحالة مناوبة قتالية، حسب قول بوتين، الذي رأى فيه مراقبون
تحذيرًا لأطراف إقليمية وفي مقدمتها تركيا، مشددًا على أن موسكو «حذرت كل الشركاء من أن منظوماتها للدفاع الجوي في سورية ستضرب أي هدف ترى فيه
مصدر تهديد لقواتها على الأراضي السورية».
وأغلن الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات الممثلة للمعارضة السورية، سالم المسلط، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يمكنه أن ينهي
المأساة في سورية خلال ساعات،وأوضح لقناة "روسيااليوم"، أن المعارضة السورية تركز على المرحلة الانتقالية في سوريا بدون الرئيس بشار الأسد،
مع عدم استثناء الشخصيات الوطنية التي تعمل حاليا في المؤسسة الحاكمة وأضاف أن المعارضة ترى أن هذا المسار هو الحل الوحيد لنهاية الأزمة
السورية التي تشهد عامها السادس، مشددا على أهمية الدور الروسي في حل الأزمة.
وأكّت المعارضة السورية المشاركة في مفاوضات جنيف، الخميس، إنها حصلت على تأكيد من قبل المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي مستورا، بأن تكون
الفترة الانتقالية لمدة 6 أشهر، وذلك بعد أن تقدمت برؤيتها لهذه المرحلة. وقالت الناطق باسم الوفد المفاوص بسمة قضماني أن الوفد "راضٍ عن موقف
المبعوث الأممي، والوفد ممثل لفصائل المعارضة، وهي تقرر من يمثلها، ولم تتدخل بوفد النظام"، مضيفة أنهم مرتاحون بأن "دي مستورا لم يأبه بالأمر"،
وذلك في معرض ردها على سؤال حوال اعتراض وفد الحكومة على وجود كبير المفاوضين، محمد علوش، في وفد المعارضة.
وأعن عضو الوفد التفاوضي حورج صبرا أن "الاجتماع كان على شكل جلسة عمل جدية، قدموا فيها الإطار التنفيذي لهيئة الحكم الانتقالي كاملة
الصلاحيات، وسلموا الوثيقة الرسمية التي تحمل رؤيتهم لهذا الإطار، عن كيف تنفذ وتنشأ هيئة الحكم"، مشيرًا أنهم طرحوا موضوع المعتقلين والموقوفين
والمفقودين، ووضعوها بقوة على طاولة البحث، وسلموا المبعوث الدولي مذكرة بهذا الشأن، لأنه "موضوع غير قابل للإهمال والنسيان"، وأوضح صبرا، أن دي
مستورا أعلمهم بأنه سيناقش بشكل جاد موضوع الموقوفين، بآلية دولية بين الروس وأميركا، لحل ذلك، كما أحاطهم علما بالجهود المبذولة، بإدخال
المساعدات لداريا. وشدد على أنهم قالوا بأنه غير مقبول استثناء أي منطقة في سورية، من تنفيذ البنود الإنسانية للقرار الأممي (2254)، وطرحوا موضوع
استمرار قصف النظام للمناطق الآمنة بالبراميل المتفجرة، وهي ليست خرقًا، بل استمرار للجرائم كما ونوعا، على حد وصفه.
وعن قبول دي مستورا، وفودًا أخرى باسم المعارضة، أفاد صبرا، أن "هناك وفد مفاوض واحد باسم الشعب السوري، باسم القوى المعارضة، وهو المنبثق عن
الهيئة العليا للمفاوضات، فيما يحق لدي مستورا، أن يستشير من يريد، ولكن الوفد الذي يواجه النظام لبحث الوضع السوري، هو وفد الهيئة". ورداً على
مصير الأسد، أكد صبرا أنهم يستندون في ذلك على قرارت الأمم المتحدة، بأن هيئة الحكم الانتقالي تتمتع بكافة الصلاحيات، من بينها المؤسسات الأمنية
والعسكرية، وهي واضحة ويدعون إلى الالتزام بها.
كما أجاب عن إعلان منظمة "ب ي د" الإرهابية، لفدرالية في سورية، مبينًا أن "الاجتماع لم يتطرق للقضية، ولكن المعارضة ترى أن هذه الإجراءات غير
شرعية، وغير مقبولة، ومرفوضة كليًا، لأن الشعب السوري بإرادته الحرة، هو من يرسم معالم سورية القادمة، وشكل الإرادة فيها، وبكافة مكوناتها،
والمجتمع الدولي يرفض هذه القضية، ورفض ذلك".