أبوظبي - صوت الإمارات
تعتبر الإمارات، الدولة الأسرع نموًا والأكثر تقدمًا بين الدول العربية كافة، فحجم النمو فيها من حيث ضخامة مدنها وسرعة عمرانها لا يُضاهى في المنطقة، كما أن النمو الاقتصادي السريع الذي تشهده جعل المجتمع الدولي يسلط الضوء عليها كوجهة مفضلة للسياح والمستثمرين على حد سواء.
ومن تسنت له فرصة معرفتها قبل أن تنال استقلالها منذ 43 عامًا، يكاد لا يصدق حين يرى مستوى التطور والتقدم التكنولوجي الذي وصلت إليه البلاد، على الرغم من وقوعها في واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في العالم، ألا وهي منطقة الشرق الأوسط.
وأشار تقرير صادر عن مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري "إينغما"، إلى أنَّ قادة دولة الإمارات، ونظرًا لوعيهم بالتهديدات المحدقة في المنطقة، عملوا منذ اليوم الأول على بناء القدرات الدفاعية والأمنية للبلاد، لضمان التمتع بقوة ردع جبارة تلزم الأعداء بالتفكير مليًا قبل أن يشكلوا تهديدًا للبلاد.
وقد لعب إتباع دولة الإمارات نهجًا سلميًا لحل خلافاتها كافة مع الدول المجاورة واعتمادها لغة الحوار لحل النزاعات الدولية واستخدام ثروتها لمساعدة البلدان المتأزمة حول العالم دورًا فاعلًا رئيسيا في الساحة الدولية.
ومع توسيع دولة الإمارات نطاق دورها داخل المجتمع الدولي على مدى السنوات القليلة الماضية عمدت القوات المسلحة الإماراتية إلى تكثيف التزاماتها مع الشركاء والحلفاء الدوليين ضمن مجموعة واسعة من الأنشطة التنفيذية ومجالات الاهتمام.
وقد تم التسليم بمشاركة هذه القوات في المهام الإنسانية لفترة من الوقت، بعد دعمها لجهود حفظ السلام والإغاثة الإنسانية والاستجابة للكوارث في أماكن في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا منذ مطلع القرن الحالي.
وتعمل القوات المسلحة الإماراتية بشكل أوثق من أي وقت مضى مع حلفاء دوليين مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ومنظمة حلف شمال الأطلسي وغيرها مع مشاركتها في أنشطة ائتلافية مثل الحملات العسكرية في أفغانستان وليبيا وسورية.
ومن المتوقع أن تتسلم هذه القوات المزيد من المسؤوليات ضمن التحالفات الدولية التي بات تشكيلها ضرورة متزايدة الأهمية التي يتم تشكيلها لمواجهة القوات والجهات الفاعلة المعادية الموجودة في المنطقة الأوسع نطاقًا والتي تهدد أسس الأمن الدولي.
وتعكس هذه التطورات مجموعة المهارات والقدرات المهنية المتنامية التي تتمتع بها القوات المسلحة الإماراتية وتجسد مدى الاطمئنان والاحترام والثقة التي تكنها لها قوات التحالف التي عاين عدد كبير منها عن كثب كيفية تطورها بعد أن كانت لها بداية متواضعة.
وتبين الاتجاهات العالمية أن من شأن التقدم المحرز في مجال الاستطلاع والأسلحة الدقيقة ومعالجة المعلومات تغيير طريقة تنفيذ العمليات العسكرية الحديثة.
يذكر أنَّ الحرب الحديثة تتم في ستة مجالات منفصلة لكن ذات صلة وهي البر والبحر والجو والفضاء والطيف الكهرومنغاطيسي والفضاء الحاسوبي.
وبغية تنفيذ عمليات عسكرية فعالة ينبغي تحقيق تكامل في قدرات كل من هذه المجالات والحرص على عملها بشكل متناغم بهدف إيجاد شبكة مركزية فعالة من أجهزة الاستشعار والمناهج والمحاور المركزية لصنع القرارات التي من شأنها تحسين القدرات العسكرية وبالتالي فإن هذا النهج المرتكز على الشبكات يحد من هيكلية القوة المطلوبة ويزيد من فعاليتها.
وفي نموذج خوض الحرب المرتكزة على الشبكات لا يعتمد القياس الحاسم للأداء العسكري على أداء قاعدة فردية بل على كيفية أداء هذه القواعد ضمن شبكة مركزية ما يخلق مزيدًا من الوعي ويزيل "ضباب الحرب".
قلة هم المراقبون الذين قد يشككون في حقيقة كون القوات المسلحة الإماراتية اتبعت خطوات هائلة خلال العقد المنصرم مما جعلها في الصدارة.
وتسعى دولة الإمارات إلى البناء على الإنجازات التي حققتها حتى الآن فيما تتطلع إلى المستقبل محولة تركيزها نحو تحسين أدائها العملياتي إلى أقصى حدود من خلال اعتماد نهج مرتكز على الشبكات وهيكلية لقواتها المسلحة.
وقليلة هي دول العالم القادرة على القيام بمثل هذا التحول لكن الاستراتيجية الدفاعية لدولة الإمارات تضع جيشها على مسار مشابه لمسارات التنمية المعتمدة لدى الدول الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي بدلًا من تلك المتبعة لدى الدول المجاورة لها وبالتالي فإن القوات المسلحة الإماراتية هي في موقع يمكنها من التحول إلى قوة قائمة على الشبكات يشكل فيها الوعي الظرفي وشبكة اتصالات مركزية لاسلكية آمنة أساسا للإنذار المبكر البعيد المدى والرد السريع والقدرة على الاستهداف الدقيق.
ولا تزال هذه القدرات الأساسية تتبلور من خلال شبكة أجهزة استشعار مركزية تعمل بذكاء متعدد من شأنها أن تتسع مستقبليا مع الاستحواذ على أنواع مختلفة من أجهزة الاستشعار المحمولة جوًا لدعم نظام الإنذار المبكر والاستطلاع وسائر مهام جمع المعلومات.
كما تعتمد على برنامج رادارات استراتيجية يعكس صورة معلومات متعددة المجالات ضمن مساحة واسعة من جهة ويوفر شبكة اتصالات مركزية لاسلكية آمنة للعمليات المرتكزة على الشبكات من جهة أخرى.
لكن الانتقال إلى نهج مرتكز على الشبكات لتنفيذ العمليات العسكرية يشمل عمليات معقدة متعددة لخلق الكفاءات الممكنة للتحول أولًا ومن ثم تلك الداعمة لعملية التصميم والتطوير والتكامل والاستمرار.
إنَّ التحول في مجال الدفاع لاسيما الانتقال إلى هيكلية مرتكزة على الشبكات وكونه برنامج تنمية يشمل عمليات معقدة متعددة هو بطبيعته أكثر نظامية في خصائصه من الهيكلية القياسية التي يهدف إلى تقديمها كمنتج نقطة النهاية.
إن الاستراتيجية الدفاعية تتطلع دومًا إلى المستقبل آخذة بعين الاعتبار ما يمكن أن يحدث خلال السنوات العشرين المقبلة بهدف تقديم المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات الاستراتيجية اليوم هذا ما تنطوي عليه الاستراتيجية الإماراتية الدفاعية ضمن نهج شمولي يهدف إلى تنمية قدرات أصحاب المصلحة الرئيسيين ضمن سلسلة القيمة.
وعبر إتباع نموذج مجزٍ نجح عدد كبير من الدول المتقدمة حول العالم في تنفيذه اعتمدت دولة الإمارات استراتيجية لتعزيز النمو داخل المؤسسات الأكاديمية وتلك المعنية بصناعة الدفاع وإرساء الأمن وبينها من خلال آليات مؤسسية موضوعة بشكل استراتيجي لتوفير روابط على مستوى طبقات متعددة.
وفي ما يتعلق بالقدرة والتطبيق والمسار تعمل دولة الإمارات على صياغة مسار للتحول في مجال الدفاع وبناء القدرات على نحو مستمر، وهو نموذج قائم على دراسة حالات النجاح والفشل في مجال التحول الدفاعي حول العالم، وهو جعله ممكنا جزئيًا بفضل النوايا الحسنة الموجودة ضمن الشراكات الدولية التي بنتها دولة الإمارات وهو يستمر في توفير الفرص للمشاركة المستمرة على الصعيدين الاستراتيجي والتقني.
وقد تمكن قطاع صناعة الدفاع في دولة الإمارات من الاستفادة إلى حد كبير من المعايير المهنية والمهارات التقنية المتنامية ضمنه ومن تطوير مراكز للتعليم والتدريب في الداخل وإتباع أعداد كبيرة من الضباط الإماراتيين دورات متقدمة في الخارج لاسيما مشاركة دولة الإمارات المنتظمة في تدريبات عسكرية مع حلفاء دوليين عبر مجموعة من السيناريوهات وأنواع المهام.
وقد استفادت عملية تحول القوات المسلحة الإماراتية وتطويرها إلى حد كبير من وجود قيادة وطنية أدركت جيدًا مدى تعقيد عملية تحديث الدفاع ووفرت رؤية سليمة طويلة الأمد وأساسًا منطقيًا ودافعًا لدولة الإمارات لتلبية متطلباتها الأمنية الاستراتيجية مع إتباع نهج شمولي.
إن استخدام برامج التعويض وفرص الاستثمار لنقل التكنولوجيات الدفاعية إلى السوق المحلية لدولة الإمارات ولد نموًا سريعًا في صناعة الدفاع الوطني وبالتالي شكلت عملية بناء القدرات الصناعية والتقنية لدعم التحول في مجال الدفاع عنصرًا أساسيًا ضمن النهج الشمولي المعتمد لدى دولة الإمارات.
وتعتبر عملية بناء القدرات المذكورة ضرورية للتنمية على المدى الطويل كونها توفر إطارًا لتطوير البحث العلمي والابتكار التكنولوجي وخلق فرص عمل لقوة عاملة فائقة المهارة ضمن اقتصاد يبحث بجد عن فرص للتنويع.
تعمل دولة الإمارات بنجاح على وضع قواتها المسلحة على مسار يوفر إمكانيات واعدة من حيث آفاق التنمية بما يتجاوز الصورة التي تعطيها التحليلات المحصورة بمقاييس ملموسة مثل اتجاهات الإنفاق وجداول الاستحواذ الكبرى، وهي أيضا آفاق ستعود بالفائدة على المنطقة وعلى حلفاء دولة الإمارات كونها تعزز مستقبل نموذج للنمو والتنمية الوطنية سبق لدولة الإمارات أن عملت بجد لبنائه منذ العام 1971، وهو نموذج قائم على الاستثمار في القوة العاملة كما في التكنولوجيا وعلى كونها قوة اعتدال دولية تدعم السلام والاستقرار في العالم وتستخدم ثروتها لضمان العدالة الاجتماعية في الداخل وتقديم المساعدات للجهات المحتاجة في الخارج.
أحرزت دولة الإمارات نجاحًا يستحق الثناء في تطوير قاعدة صناعية دفاعية داخل البلاد بقيادة مجموعتي "مبادلة " "توازن" ومجموعة الإمارات المتقدمة للاستثمارات ومن المتوقع أن تقوم هذه المجموعات الثلاث بوضع اللمسات الأخيرة على عملية توحيد قدراتها والدمج في ما بينها بهدف خلق واحد من أكبر التكتلات الواعدة في مجال الدفاع والطيران وخدمات الدعم في المنطقة.
يذكر أنَّ عددًا من مجموعات أخرى أصغر حجمًا مثل "المجموعة الذهبية الدولية" و"مجموعة بينونة " وشركة "أبو ظبي لبناء السفن" و"أدكوم" وغيرها يعكس القاعدة الصناعية الجديدة في دولة الإمارات وقدرتها على تطوير القدرات التقنية التي ستحتاج إليها البلاد في المستقبل.
وقد نجح قطاع صناعة الدفاع في دولة الإمارات في بناء قدرات صناعية وتقنية مهمة خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا- بعد أن سجل نموًا هائلًا خلال السنوات العشر الماضية- ما جعله في وضع يتيح له إمكانية التنافس مع مقاولين دوليين لتعهد مشاريع متطورة.
إن قطاع صناعة الدفاع في دولة الإمارات وفضلًا عن نجاحه في مجالات عدة تمكن من تحقيق كفاءة في مجال تصنيع سلع مثل الأسلحة الخفيفة والذخائر والصواريخ والمدفعية وبناء السفن ومركبات موجهة عن بعد ومركبات مدرعة، واليوم يوفر المقاولون الإماراتيون عددًا متزايدًا من خدمات الدعم في مجال الخدمات اللوجستية وأعمال الإصلاح والتجديد والصيانة عبر مجموعة من المناهج والأنظمة العسكرية والمدنية.
غير أن واحدة من أهم عمليات التنمية تتم في مجال هندسة الإلكترونيات والنظم حيث يتمكن عدد من المقاولين الإماراتيين من تعهد مشاريع متطورة على نحو متزايد في مجال الأنظمة المتكاملة وتكنولوجيا الاتصالات.
وقد أدى التركيز على تعزيز الأمن الحاسوبي لدولة الإمارات إلى إنشاء مؤسسات حكومية وإشراك جهات فاعلة مختلفة من الساحة المحلية والدولية في حماية الأنظمة والفضاء الحاسوبي بأكمله لدولة الإمارات.
وفي هذا الصدد تم إنشاء الهيئة الوطنية للأمن الإلكتروني لوضع استراتيجيات وسياسات ومعايير للحفاظ على أمن المواقع الإلكترونية في الدولة.
وهذا العام أطلقت الهيئة استراتيجية وطنية للأمن الحاسوبي وسياسة حماية البنية الأساسية للمعلومات الحرجة ومعايير أمن المعلومات لدولة الإمارات، فيما تشكل الهيئة الاتحادية عنصرًا حيويًا للبلاد كونها تحمي القطاعين العام والخاص والبنية التحتية الحرجة التي يتشاركها القطاعان يعمل القطاع العسكري على تطوير استراتيجيات وقدرات سيبرانية.
وبشكل منفصل تعمل مراكز التفوق التي تحتل مواقع استراتيجية على غرس قدرات على البحث والتطوير والابتكار بشكل دائم وتعزيز عملية خلق المعرفة والخبرات التقنية من خلال تمكين الأدمغة الإماراتية داخل الجيش وخارجه من التعاون مع مستشارين دوليين على درجة عالية من الكفاءة لدفع عجلة التنمية على المدى الطويل وتزويد القوات المسلحة الإماراتية بقناة لاستشكاف مفاهيم وتقنيات جديدة واعتمادها واختبارها.
وتقع مراكز التفوق في أعلى سلسلة القيمة في مجال بناء القدرات التقنية من خلال الموارد البشرية لاسيما وأن عددا متزايدًا من الجامعات والمؤسسات في الإمارات يوفر تعليما عاليًا وتدريبًا مهنيًا مصممًا وفقًا للحاجة فضلًا عن برامج بحث في مجالات تقنية مثل هندسة النظم الإلكترونية وعلوم الكومبيوتر لدعم النظام ككل.
ومن شأن شبكة التنمية المركزية هذه والترابط بين القدرات التقنية والصناعية الاندماج مع مكتسبات الأصول الاستراتيجية ومجموعات المهارات والكفاءات التشغيلية المتنامية في الداخل وتطبيق الدروس المستفادة من المشاركات العملياتية مع حلفاء إقليميين ودوليين لبناء الكفاءات الأساسية التي ستقود التحول الدفاعي للقوات المسلحة الإماراتية نحو مستقبله المرتكز على الشبكات.
وبغية تحقيق أقصى قدر من الإفادة من الأجيال الجديدة من الشباب المتمتع بالمهارات وترسيخ الوحدة الوطنية وتحصين الشبان والشابات ضد الأيديولوجيات السامة والمضللة التي تنشرها الجماعات الإرهابية لجأت دولة الإمارات إلى تطبيق برنامج الخدمة الوطنية والاحتياطية في العام 2014.
وبموجب هذا البرنامج سيخدم الآلاف من الشبان الإماراتيين في القوات المسلحة لمدة سنة قبل أن يصبحوا جزءا من قوة احتياطية عسكرية من شأنها تعزيز الدفاع الوطني والأمن في البلاد.
ومع مرور الوقت ستصبح القوات المسلحة الإماراتية أكثر استنادا إلى قوة احتياطية كبيرة مؤلفة من مواطنين إماراتيين يعملون على دعم الجيش الثابت للدولة عندما يدعو الواجب الوطني.