جريدة "غارديان"

أجرى أحد صحافيي جريدة "غارديان" مقابلة مع أحد أكبر قياديي "داعش" المتطرف، اسمه الحركي أبوأحمد، والذي عاصر نشأة التنظيم داخل سجن بوكو الذي أنشأته القوات الأميركية في محيط مدينة أم قصر جنوب العراق في نيسان/أبريل 2003 إكرامًا لذكرى رونالد بوكا الجندي في اللواء 800، الذي قتل خلال هجمات 11 سبتمبر 2001، ويعتبر سجن بوكا المنشأ الأساسي للتنظيم.

وكتب الصحافي مارتن غولوف: وافق أبوأحمد على التحدث معي بعد أكثر من عامين من المشاورات التي من خلالها أفصح عن ماضيه، وعن كونه جزءًا رئيسيًّا في أكبر تنظيم متطرف معروف، وعبر خلالها عن قلقه من انتشار التنظيم في العراق والشام.

وأضاف غولوف: أعاد أبوأحمد النظر في أفكاره بعد اندلاع الحرب في العراق وسورية والأوضاع المضطربة في الشرق الأوسط والتي ستنتقل إلى أجيال مقبلة مليئة بالدماء على أيدي رفاقه في التنظيم، وروى أن السجناء كان يرتعدون خوفًا من سجن بوكا، لكن سرعان ما عرفوا أنه ليس سيئًا كما يبدو، بعدما رأوا الفرصة الذهبية التي وفرها لهم السجن تحت قيادة الجيش الأميركي، ولم يكن باستطاعتهم أن نجتمع في بغداد أو في أي مكان آخر بهذه الطريقة، وأضاف: كنا آمنين.

والتقى أبو أحمد بقائد التنظيم "أبو بكر البغدادي" للمرة الأولى داخل السجن، وقال: "التف حوله السجناء منذ البداية، لكنني لم أتوقع أن يصل إلى هذه المكانة، وكان البغدادي منطوياً ومنعزلاً عن باقي السجناء، وكان حراس السجن يلجأون إليه لفض المنازعات بين السجناء، أحسست أنه يخفي شيئاً، لا يريد أن يراه أحد، كان مختلفًا عن كل الأمراء. كان منطويًا وبعيدًا منا جميعًا".

وولد البغدادي إبراهيم ابن عواد البدري السامرائي العام 1971 في مدينة سامراء العراقية، وأُلقت القوات الأميركية القبض عليه في الفلوجة العام 2004، وساعد البغدادي في تشكيل الميليشيات المسماة بـ"جيش أهل السنة والجماعة"، وتم توقيفه في منزل صديقه ناصيف جاسم ناصيف، ثم نقل إلى سجن بوكا، لكن الأميركيين لم يتعرفواعلى هويته الحقيقية، ووُزِعَ مع باقي السجناء الذين بلغ عددهم أكثر من 24 ألف سجين على 24 معسكر من دون أن يعرف هويته أحد.

وأضاف أبوأحمد: كان السجن هو البيئة المثالية للتفكير والتخطيط، واتفقنا على أن نجتمع بعد إطلاق سراحنا وكانت عملية الاتصال سهلة، كتبنا أرقامنا على ملابسنا الداخلية، وعندما خرجنا من السجن اتصلنا ببعضنا، كان عندي أرقام هواتف وعناوين كل الأشخاص المهمين بالنسبة إلي، وفي العام 2009 عاد الكثير منا ليقوم بما كان يفعله قبل القبض علينا، إلا أننا أصبحنا نقوم به بطريقة أفضل.

وذكر غولوف أن "داعش" بدأ في الانتشار في المنطقة تحت راية الرجال الذين كانوا في السجون الأميركية خلال فترة الاحتلال الأميركي للعراق، بالإضافة إلى سجن بوكا، حيث كان هناك معسكر كروبر قرب مطار بغداد، كما كان هناك سجن أبو غريب غرب بغداد الذي أُغلق بعد ١٨ شهرًا من بداية الحرب، وبحسب أقوال عدد من المسؤولين الأميركيين، فإن الكثير من السجناء الذين أُطلق سراحهم ساهموا بشكل كبير في العمليات التخريبية.

وبعد الإفراج عن البغدادي، أُفرِجَ عن أبي أحمد، واصطحبه عناصر من التنظيم الوليد لدى وصوله مطار بغداد إلى بيت غرب العاصمة، وهناك انضم ثانية للمتطرفين الذي حولوا المعركة من مقاومة الاحتلال، إلى حرب دامية ضد العراقيين الشيعة.

وعلّق غولوف قائلاً: كان هدف أبومصعب الزرقاوي تصعيد الموقف، أراد سببًا لنقل الحرب إلى قلب العدو، وبالنسبة له يمكن أن يحدث هذا من خلال هدفين: كرسي القوى الشيعية أو تشكيل رمز ديني، وهو ما فعله بتفجير الإمام العسكري في سامراء شرق بغداد، عندها اشتعلت الحرب الأهلية وتحققت طموحات الزرقاوي.
ثم روى أبوأحمد أن "الزرقاوي كان ذكيًّا، وكان من أحسن المخططين الاستراتيجيين الذين حظى بهم التنظيم، لكن البغدادي هو الأكثر تعطشًا للدماء، وفي ذلك الصيف، قتل الجيش الأميركي الزرقاوي بمساعدة المخابرات الأردنية في ضربة جوية شمال بغداد نهاية العام 2006 ليصبح التنظيم ضعيفًا، بعدما اقتلعت جذورة من الأنبار واضمحل وجوده في أنحاء العراق، إلا أن التنظيم استخدم هذه الفرصة لاعادة إحياء وإبراز النظام وتأكيد هويته، واعتبرت الفترة من العام 2008 إلى العام 2011 أعوام هدوء مؤقت وليس هزيمة".
 
وأضاف: في هذا الوقت، ظهر أبوبكر البغدادي، وذاع صيته كمساعد أمين للقائد أبوعمر البغدادي "خليفة الزرقاوي" ومساعده أبوأيوب المصري، وبدأ التنظيم في الاتصال بالعناصر البعثية في النظام السابق وهم الذين يشاركونهم المبدأ بأن العدو هو الأميركيين والحكومة الشيعية التي تسانده.

وكتب غولوف في تقريره: في آذار/مارس) 2010، أوقفت القوات العراقية القائد الإسلامي مناف عبدالرحيم الراوي بمساعدة الأميركيين، بعد تأكدهم من أنه واحد من القلة الذين لهم علاقة وثيقة بأبي عمر البغدادي.

واعترف الراوي واستعدت أجهزة المخابرات العراقية لتوقيف أبي عمر البغدادي، بعدما وضعوا جهاز تنصت في باقة ورد أرسلت إلى بيته، متابعًا: داهمت القوات الأميركية المكان بعدما تم التاكد من أن البغدادي ومساعده أبوأيوب المصري في بيت يبعد ٦ أميال عن جنوب غرب تكريت، وانتهى الاقتحام بأن فجر المطلوبون نفسيهما ليتجنبا السجن. ووجدت القوات رسائل إلى أسامة بن لادن وأيمن الظواهري في الكمبيوتر في ذلك البيت، فكان منزل أبوعمر شبيهًا بمنزل بن لادن في باكستان، حيث لا يوجد إنترنت أو خط للهاتف، كل الرسائل تتناقل عن طريق 3 رجال. أحدهم هو أبوبكر البغدادي.
وأشار أبوأحمد إلى أن البغدادي كان مراسلاً لأبي عمر، ثم أصبح المساعد المقرب له، وكتب أكثر الرسائل المرسلة إلى بن لادن بنفسه، ليصبح القائد بعدما قُتِل أبوعمر، والوقت الذي قضيناه في بوكا كان في غاية الأهمية، واعتبر التنظيم أن مقتل البغدادي والمصري نكبة كبيرة، لكن سرعان ما احتل المنصبان خريجا بوكا، وقام المنسقون بعملية التحضير لهذه اللحظة خلف جدران السجن جنوب بغداد، كانت مدرسة إدارية، ولم يكن هناك أي بطالة، فالجميع لديهم معلمون جيدون داخل السجن.

وعلّق غولوف على اللقاء مع أبي أحمد، قائلاً إنه "بيّن لي من خلال لقاءاتنا المتعددة أنه باقٍ في هذا التنظيم قسرًا، وأنه يخشى المغامرة بتركهم؛ لأن الحياة في هذا التنظيم تعني له السلطة، المال والزوجات والهيبة، وكل هذه العناصر مغرية للشباب الذين يريدون القتال لهدف ما في مقابل مثل هذه الأمور، وهناك رجال عدة مثله انخرطوا في القتال ضد الأميركيين، لكنهم لا يؤمنون بالأحداث الأخيرة في هذه الحرب، ويرون عدم التزامها بالمنهج.

وأضاف أبوأحمد: انضمامي إليهم هو أكبر غلطة في حياتي، وترك التنظيم يعني الموت المؤكد لي ولجميع أفراد عائلتي، البقاء في التنظيم واتباع منهجهم الوحشي على رغم التبرؤ الجزئي منهم لا يزعجني في ظل خيارات قليلة أمامي».


وذكر غولوف: في عالم خريجي بوكا، هناك مساحة صغيرة للتعديل والتفكير، انجرف أبوأحمد خلال الأحداث مثل عدد من أصدقائه، والأمر نفسه أكده أبوأحمد، قائلاً إن "هناك آخرين ليسوا راديكاليين ولا يؤمنون بأيدولوجية التنظيم، هؤلاء أشخاص بدأوا في بوكا مثلي وبعدها أصبح الأمر أكبر وأقوى منهم، لا نستطيع التوقف الآن. كل شي خارج عن إرادتنا وخارج عن إرادة البغدادي أو أي قيادي آخر في هذا التنظيم".