القدس المحتلة ـ ناصر الأسعد
يُجند الجيش الإسرائيلي كل عام الشباب البالغ أعمارهم 18 عامًا والذين أنهوا دراستهم في الخدمة العسكرية، ومدتها عامين للفتيات، و 3 أعوام للرجال، حيث تم تأسيس قوات الجيش الإسرائيلي جنبًا إلى جنب مع تأسيس دولة إسرائيل منذ عام 1948 وكانت لغرضين، الأول، هو أن تبقى البلاد في أمان من الغزو العربي، و الثاني هو أن يكون الجيش هو الأمل الذي يمكن أن يربط الشعوب المختلفة بقوة معًا بعد تدفق المهاجرين إلى
أراضي فلسطين، من بلغارين، و أميركيين، ليبيين، ألمان، التي كونت الدولة الجديدة، بينما تسلط شروط التجنيد الضوء، على القصور في قلب الدولة الإسرائيلية التي تتعامل بتعسف و احتقار مع رافضي الخدمة العسكرية و المنتمين إلى منظمات حقوقية مناهضة لقتل المدنيين و مشجعة للسلام، في حين يعاني الكنيست الإسرائيلي من قلق شديد، إثر إحداث الجيش تغييرات هيكيلة عميقة منذ شباط/ فبراير 2012 بموافقته على تجنيد كلا من العرب واليهود المتدينين (الحريديم) الذين كانوا معفيين من الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي.فقد اصطف بناءً على الأمر 44 مجندًا إسرائيلي شرسًا التزموا بالتعليمات، ولكن وقف روثمان يهتز قليلا، وخرج عن صفوف التجنيد في مركز تل أبيب، وفتح فمه ليقول 7 كلمات يمكن أن تقوده إلى غرفة التحقيق الغريبة " T Harigim" "أنا أرفض أن أخدم في الجيش " .وكان قد تقدم روثمان البالغ من العمر (22 عامًا)إلى لجنة "الضمير" التي تقوم بتسليم إعفاءات لأولئك الذين يعتقد أنهم دعاة سلام حقيقين، ولكن دعمة للقضية الفلسطينية التي يؤمن بها، أدت إلى رفض طلبه، و قال "أخبرت اللجنة أنني أعمل ضد العنف والاحتلال "، فيما أضاف روثمان الذي يعمل لدى منظمة غير حكومية تدعى "غست فيجن لصنع الوثائق"، " نظريتي هي ثاني شيء قلته أننا احتلال ، فتجمدوا"، و هذا يترك الشاب اليهودي المتدين صغير السن أمام اختيارين :زيارة الطبيب النفسي للشعور بمرض، أو رفض الأوامر العسكرية ومواجهة العواقب.وقال روثمان عند اللحظة التي رفض فيها الخدمة العسكرية "شعرت بالبهجة والتوتر"وأضاف " بعد أن قلت أنني لن أخدم للقائد الأول، سار في اتجاه آخر ليجد شخص يأخذني بعيدًا، حيث قضيت 178 يومًا في السجن".
بينما تعامل روثمان بشكل جيد في الفترة التي قضاها في السجن ، على الرغم من الشعور بالوحدة والقلق بشأن رد فعل صديقته التي ستنتظره وقتًا أطول، و على الرغم من كونه إسرائيليًا في سجن إسرائيلي، إلا أن الحراس كانوا دنيئين ، يصرخون كثيرا، يغلقون الأبواب ، ولكنه لم يكن خائفًا إذا قاموا بوضعه في السجن إلى الأبد، ولم يكن خائفًا إذا قاموا بإيذائه جسديًا.
وإذا كانت هناك صدمة لروثمان فهي زي السجناء والمأخوذ من قوات المشاة البحرية الأميركية. وعلي الرغم من مولده في القدس الشرقية ونشأته وتعليمة الذي يشمل شهادة في العلوم السياسة والعربية من جامعة ميدلبوري في فيرمونت ، إلا أن ذلك لم يشفع له من وضعه في السجن الإسرائيلي.
وقال " لولا أني قضيت هنا من سن الثامنة عشر وثلاثة أشهر كنت سأذهب في الطريق الطبيعي، و من المدهش كيف لعدد قليل جدا من الأطفال هنا يعرفون ما هو الاحتلال حقًا."
و ذكر روثمان المظالم التي شاهدها واحدة تلو الأخرى ، فأشار إلى النظام القانوني الذي وضع ضد العرب، التقسيم غير عادل للأراضي ، القسوة الواضحة في أعداد القتلى المدنيين في عام 2008 في عملية "الرصاص المصبوب" – و الجدار الذي مازال تحت الإنشاء الذي يفصل إسرائيل عن الضفة الغربية، والقرى الفلسطينية التي في طريقها إلى الانقسام.
وكانت نقطة التحول الفاصلة في حياة روثمان في تموز/ يونيو 2012 ،عندما انضم إلى المتظاهرين في الجبهة الأخرى ي فقرية سويسا القريبة من مدينة الخليل الفلسطينية ، ودافع ضد الهدم المخطط لـ50 مبني ، ومجموعة الطاقة الشمسية المدعومة من ألمانيا.
وارتفعت حدة صوته كما يتذكر:" هناك مظاهرات تأتي فيها وجها إلى وجهة مع هؤلاء الأطفال المجندين ، وجنود القوات الإسرائيلية المتواجدين هناك سواء أحبوا ذلك أم لا ، لحماية الجرافات أو القبض على المواطنين الذين يحاولون الدفاع عن منزلهم من الهدم".
و يذكر أن عقوبة سجنه في تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث انتهى الخوف من قضاء مدة أطول في السجن ، بعد شهادة قدمت للسلطات تؤكد أن روثمان لا يثير المشاكل ، وقبل عودته إلى العمل أكد على نقطة نهائية وهي " أنا لا أملك شيئًا ولكن لحبي القوي إلى الشعب الإسرائيلي، لم أحارب ضد أي شخص، ضد المدنيين ، ضد الجنود ، أنا حاربت ضد الاحتلال".
و في السياق ذاته دعا الاتحاد الأوربي نيسان / إبريل إلى وقف النقل الجبري للفلسطينيين خارج منازلهم في الضفة الغربية، وبينما ذكر تقرير الولايات المتحدة في حزيران/ يونيو سوء المعاملة على نطاق واسع للأطفال الفلسطينيين فأكثر من 7.000 من الأطفال الذين سجنوا على مدار العشر سنوات الماضية بتهمة إلقاء الحجارة .
وبالرغم من الاتجاه اليميني في السياسات الإسرائيلية الذي يظهر في ظهور أحزاب اليمين المتطرف مثل "نلفتلي بنيت البيت اليهودي"، تركت أصوات المحتجين مثل روثمان على الهامش، و ذلك على حد قول مؤسس المنظمة غير الحكومية" كسر الصمت" يهودا شاول والتي تشجع الجنود السابقين في الجيش الإسرائيلي على التحدث عن المظالم التي شاهدوها أثناء فترة خدمتهم
و لكن حول هجوم "حماس" بالصواريخ المتكرر على إسرائيل التعاطف عن الفلسطينيين العاديين بعيدًا، بينما خيمت سلسلة التفجيرات الانتحارية أثناء الانتفاضة الثانية(2000-2005) . لم تندلع الاحتجاجات في الاتجاه الشمالي في 2011 وكان تركيزهم على المشاكل الاجتماعية مثل تزايد عدم المساواة وارتفاع مستوى المعيشة. وهنا يقدم الجيش الإسرائيلي نوع من المعالجات، لدعم روح المساواة في الجيش وحيث الثكنات العسكرية التي تسمح باختلاط الأغنياء مع الفقراء .
أما الجنود خاصة المتواجدين في تل أبيب، فالضجة السياسة بشأن الجيش في المجتمع الإسرائيلي يكاد يكون مسموع عنها بسبب التعتيم عليها بالأعمال الروتينية والصعبة ، وأخر شيء لبذل جهود كبيرة للحد من القيل والقال ليس على مستوى المناوشات الكثيرة على الحدود السورية فقط ولكن كان فيديو تم تداوله على الإنترنت لفتيات مجندات يرقصن حول بنادقهن .
و على جانب آخر يعاني الكنيست الإسرائيلي من قلق شديد، يواجه جيش الشعب تغييرات هيكيلة عميقة ، فواحدة ناتجة عن التغيير المصنوع من الشعب بنفسه .فاعتبارًا من شباط/ فبراير 2012، تم تجنيد كلا من العرب واليهود المتدينين (الحريديم) الذين كانوا معفيين من الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي ، العرب بسبب ولائهم المرجح لفلسطين اكثر من إسرائيل و(الحريديم) بسبب دراستهم للتوراة .
هذا الوضع الراهن يحمل الصعوبات الكامنة بينهم ،فالعرب والحريديم يمثلوا حاليا ما يقرب 30% من سكان إسرائيل البالغ عددهم 8 مليون، ولكن نظرا لارتفاع معدلات المواليد من هاتين المجموعتين فأكثر من نصف الحضانات في إسرائيل هذا العام كانت من العرب والحريديم . وبينما سمح لهم بالتجنيد سيذهب عدد منهم في النهاية إلى التجنيد . وكنتيجة لذلك فقانون تل ابيب الذي منع تجنيد اليهود المتدنين في الخدمة العسكرية منذ تأسيس دولة إسرائيل لم يتم تجديده.
وساقت المفاوضات التالية الحكومة إلى نقطة الانهيار . فرئيس الوزراء وحزب "الليكود" بنيامين نيتنياهو يقود ائتلافا هشًا، وأبرز حزب الوسط "ييش اتيد أنة" إذا فاز الحزب في المستقبل بالانتخابات وعد بتحمل الحريديم مسؤولية الخدمة، تعهدوا مع اليهود العلمانيين، الحريديم أن يطيعوا تعليمات التوراة ليكونوا مثمرين ويكثروا من أنسالهم ، لتكوين عائلات كبيرة- وعدد قليل يجد عمل بأجر ، ولذلك فهم يحصلون على قدر غير مناسب من الدولة المرفهة . بموجب مشروع القانون الذي أقره مجلس الوزراء الإسرائيلي في تموز/ يوليو , فبحلول عام 2016 ،80%من اليهود المتدينين سوف يؤدون الخدمة الوطنية، مع غرامات هائلة والسجن للمتهربين.
و يعتبر إيلي (ليس الاسم الحقيقي) البالغ من العمر 27 عاما ، واحد من نسبة صغيرة من الحريديم الذين أنهوا الخدمة العسكرية ، و التحق ايلي بالجيش في مشروع "شاهار"، وهي مبادرة التي تدعم الرجال المتدينين المتطرفين بالوظائف الفنية واللوجيستية في الجيش الإسرائيلي وتقدم لهم تدريب وظيفي ليتمكنوا من العمل بعد إنهاء الخدمة (طبقا لبيانات الجيش ، 90% تمكنوا من ذلك).
بالجلوس على كرسي في مكتب شاهار في بيني بارك في منطقة هارديك إلى شرق تل ابيب ، صرح ايلي متحدثا بالعبرية عن الخدمات المعقدة . "فقطاع الهاريدك يعتبر أن التجنيد شيء غير جيد "، ولديهم أسباب للخوف، طريقة معيشتهم ،التركيز على دراسة وتعلم الكتب المقدسة اليهودية التوراة والتالمود ، وفرض سلوكيات صارمة على الأعضاء من ملبسهم ( السود غالبا مع قبعه عريضة الحواف) إلى الطعام (glatt مع الالتزام بالشريعة اليهودية فقط).
وقال ايلي " الجيش يجب أن يحاول و يأقلم نفسة مع الأشخاص مثلي ، ويعد ذلك مصدر للتوتر المستمر ويمكن تحسينه".
و استقال الحاخام الأكبر لسلاح الجو الإسرائيلي والقائد في برنامج شاهار اللفتنانت موشية رافاد في كانون الثاني/ ينايربعد أن رفض الجيش السماح للمجندين من اليهود المتدينين لتخطي الاحتفالات التي تقدمها المجندات الفتيات وهم يغنوا، وما يؤجج النزاع هو الخوف من أن يغير الجيش الإسرائيلي الحديث من حياة اليهود المتدينين . فهذه مخاطرة.
واعترف ايلي" الخدمة غيرت في أفكاري عن العديد من الأشياء " وجزء من الأسباب أن اليهود الدينين منعزلين عن التيار الرئيسي للمجتمع وعلاقته بعدم الرغبة في الاعتراف بالدولة اليهودية ، وانتظار عودة المسيح ليؤسس صهيون اليهودية .
ما بعد الخدمة شعر ايلي أنه مرتبط بالمجتمع الإسرائيلي بطريقة ما ربما لم يشعر بها من قبل وهو الأن يؤمن بضرورة دولة يهودية. وربما ذلك أحد الأشياء التي يخاف منها الحاخامات.
ومن التغييرات الشخصية الأخرى التي حدثت لايلي كما قال" الجيش أعطاني طموح لدراسة الهندسة الكهربائية " مشيرا بفخر إلى رف كامل من الكتب المدرسية." حقيقة أنه يجب أن تحدد زمن لتتقدم للأمام ،تعلمت ذلك من الجيش . وتم تربيتنا أنه كل ما نفكر به ونفعله هو تعلم التوراة ، ونصلي وسيساعدنا الرب ، فهمت الأن أننا يجب أن نفعل اشياء بأنفسنا".
هذه الكلمات ستسعد يش اتيد ولكن ايلي وضع بين عدم الراحة بالخدمة والفخر ، توقف قليلا عن مناداة نفسة بالصبي الذي الحق بالجيش . وهناك النقاش في كلا الجانبين سبب متاعب لة ." المناقشات متطرفة للغاية في كلا الجانبين المتدينين والعلمانيين ، وهي ليست جيدة للمتدينين في الجيش ولمن يفكر في الالتحاق بها".
ايلي يملك ضمير يقظ نادرا قليلا قبل وفاة جدة وهو باحث صارم ومحترم فاز ايلي بفكرة تقدمة للجيش والتنازلات التي يقدمها الجيش لشعبة.
وفي المجتمع العربي ايضا، تطوع الشباب فمنذ 2001 عدد المتطوعين العرب للخدمة الوطنية قفز إلى 76% بحلول عام 2013 لحوالي 3.000 والتي تضاعفت تقريبا عن عام 2012 ، ومازال يبقي المتطرفين بين سكان إسرائيل العرب 1.6 مليون .
وقالت دارسة قانون في جامعة حيفا ماريا زهران -22عاما- ، " ليس كافيا التغيير للشباب العربي الالتحاق بالجيش ، فحاليا التحقوا بالمنظمات غير حكومية التي تتدافع عن الحقوق العربية" .
وأشارت إلى الخصومات بين اسرائيل وكلا من مصر ولبنان وسوريا ، فضلا عن التمييز في الحصول على وظيفة تصاريح البناء توزيع الأراضي والجامعات، وطالما ستظل هذه العوائق لا تتوقع زهران اي تخفيف في الراي العام العربي.
وللعرب الذين يخدموا بالفعل ، زهران تحمل لهم بعض الاحتقار ،" الجيش يعرف أن اي عربي التحق لهم ضد شعبة لا يمكن الوثوق به" والذين تم وضعهم في قائمة الفشل فشلوا في المدرسة او لم يجتازوا الاختبار النفسي الذي سمح لهم بالدراسة في الجامعة".
وأضافت زهران إذا سمح الإسرائيليين بألحاق العرب بالجيش سنرفض ذلك ، فتذكر النكبة عندما قاموا بمحاولة طردنا من فلسطين في 1948 .