الرباط – عمار شيخي
حسم حزبان مغربيان موقفهما رسميًا من المشاركة في الحكومة المغربية الجديدة، بموافقة هيئاتهما على قبول دعوة عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة المكلف من قبل العاهل المغربي بتشكيل الحكومة ، عقب فوز حزب "العدالة والتنمية" في إنتخابات السابع من أكتوبر/ تشرين أول الماضي بأغلبية المقاعد . فقد وافق كل من حزب "الاستقلال" وحزب "التقدم والاشتراكية" رسميًا على الانضمام الى الحكومة المقبلة، حيث يحتاج بن كيران لتأمين الأغلبية المطلوبة، إلى حزب واحد على الأقل، لينضم الى الإئتلاف القائم، بحيث يحصل على عشرين نائبًا.
ويعيش المشهد الحزبي المغربي دينامية منذ إعلان نتائج الانتخابات، وبرزت أكثر بعد انعقاد المؤتمر الاستثنائي لحزب "التجمع الوطني للأحرار"، والذي اختار عزيز أخنوش لقيادة الحزب، عقب استقالة صلاح الدين مزوار، الرئيس السابق، ووزير الخارجية المنتهية ولايته. وبعد الجولة الأولى من المشاورات السياسية التي باشرها بن كيران، بدأت تظهر معالم التشكيلة الحكومية المقبلة، باستحضار سيناريوهات مواقف باقي الأحزاب، وخاصة حزب "التجمع الوطني للأحرار" الذي اختار أن يتموقع مع حزب "الاتحاد الدستوري" في نفس الموقع، سواء كان الانضمام إلى الحكومة أو الذهاب إلى
المعارضة. في المقابل فاجأ حزب "الحركة الشعبية" الجميع بإعلانه التموقع بين أحزاب الوفاق، وأساسا مع كل من التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري، بينما يميل بن كيران إلى تشكيل تحالف قوية من أحزب الكتلة الوطنية، دون التفريط في حلفائه في الأغلبية الحكومية المنتيهة ولايتها.
ووفقاّ للمعلومات المتوفرة حول تشكيلة الحكومة المغربية الجديدة، و أبرز الوجوه المرشحة للاستيزار، بدأت تبرز سيناريوهات مختلفة لما ستكون عليه معالم الحكومة العتيدة المقبلة. ويبدو من خلال سير المشاورات السياسية، أن ثلاثة أحزاب مغربية ستشكل اللبنة الأساسية للإئتلاف الحكومي الجديد، أولها "العدالة والتنمية" بحكم تصدره لنتائج الانتخابات، ثانيا الحليف الاستراتيجي لابن كيران، حزب التقدم والاشتراكية، ثم حزب الاستقلال، الحليف القديم الجديد لابن كيران، والذي غادر سفينة حكومة بن كيران في نسختها الأولى.
العدالة والتنمية
بالنسبة للعدالة والتنمية، وحتى وإن كان برلمان الحزب، "المجلس الوطني"، أقر قاعدة للاستيزار، فإن المصادر تتداول أسماء أبرز المرشحين باسم الحزب وهم التالية أسماؤهم :مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، الذي تلقى بشأنه بن كيران إشارات من جهات عليا بعدم المس بموقعه، إلى جانب ثلاثة وزراء آخرين في الحكومة الحالية، مصطفى الرميد، باشر منذ توليه ورشًا لإصلاح القضاء، ونظم من أجل ذلك مناظرات جهوية ووطنية، تحت الرعاية السامية للعاهل المغربي، وقدم عقب ذلك خطة لاصلاح العدالة، ووضعها بين يدي الملك فوافق عليها، قبل أن يشرع في تنزيل مضامين الإصلاح.
ودائما في إطار سيناريوهات الاستيزار، ترى مصادر متطابقة أن عزيز رباح الوزير المشرف على أحد أهم القطاعات الاستراتيجية، وهي التجهيز والنقل، مرشح أيضا للبقاء في منصبه، لخبرته وكفاءته، وغياب منافس من داخل الحزب لنيل هذا المنصب، من خارج لائحة الوزراء الحاليين للعدالة والتنمية. وترجح مصادر حزبية استيزار القيادية الحزبية والبرلمانية لولايتين، نزهة الوافي، في أحد المنصبين، إما وزيرة منتدبة لدى وزير الخارجية، أو وزيرة مكلفة بشؤون الهجرة ومغاربة الخارج، على اعتبار أنها من مغاربة الخارج، وخبرت هذا الملف الذي اشتغلت عليه لسنوات. وتُعتبر الوافي من الوجوه
السياسية البارزة داخل "العدالة والتنمية"، وهي عضو الأمانة العامة للحزب، وكانت مرشحة للاستيزار في الولاية التشريعية السابقة. ودائما داخل صفوف العدالة والتنمية، لا تستبعد مصادر متطابقة أن يحتفظ بن كيران بعدد من وزراء حزبه في الحكومة الماضية، منهم ادريس الأزمي الإدريسي، الوزير المكلف بالميزانية، ومصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، الأول يرجح أن لا يبتعد كثيرا عن القطاع المالي، والثاني، يؤكد المصدر، أنه لن ينافسه أحد من داخل العدالة والتنمية على هذا المنصب، فإذا كان قطاع الاتصال من نصيب العدالة والتنمية فسيحتفظ الخلفي بهذا المنصب لنفسه، وفي جميع الأحوال لن يكون قطاع الاتصال إلا من نصيب العدالة والتنمية أو حليفه الاستراتيجي حزب "التقدم والاشتراكية".
التقدم والاشتراكية
أما بخصوص وزراء حزب "التقدم والاشتراكية" في الحكومة الجديدة، فيجمع الكل على أن حصة الحزب من القطاعات الوزارية ستتراجع، بالمقارنة مع عدد المناصب التي نالها خلال الولاية الحكومية المنتهية صلاحيتها. فبعدما نال الحزب 5 مقاعد وزارية في الحكومة الماضية، يرجح أن يتراوح عدد المناصب الوزارية التي ستمنح له ما بين منصبين وثلاثة مناصب، ولذلك بعدما تراجعت عدد مقاعده في مجلس النواب المغربي خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، وتمكن من الظفر بـ12 مقعدًا في البرلمان فقط، ويرجح أن يستمر الزعيم الأول في الحزب نبيل بنعبد الله في الحكومة، وإذا لم يحتفظ بمنصبه على رأس قطاع الإسكان، فإنه من المحتمل أن يعود إلى قطاع الاتصال الذي كان وزيرا مسؤولا عليه خلال حكومة ادريس جطو ما بين سنتي 2002 و2007، ويسود تكتم كبير داخل الحزب على الأسماء المرشحة للاستيزار، في انتظار الحسم في الائتلاف الحكومي وإقرار الهندسة الحكومية الجديدة،
وكما هو الشأن بالنسبة للوزير مصطفى الرميد، الذي لا يرجح أن يبعده بن كيران من منصبه، وسيقترحه مجددًا بناء على رغبة جهات عليا، يوجد وزير من التقدم والاشتراكية، من بين الوزراء الأربعة المرشح بقاؤهم في مناصبهم بناء على رغبة جهات عليا، وهو البروفسور الحسين الوردي، وزير الصحة الحالي، والذي قاد إصلاحات كبيرة داخل القطاع.
حزب الاستقلال
أما الشخصيات الحزبية المرجح استيزارها باسم "حزب الاستقلال"، فتؤكد مصادر مطلعة، أن توزيع الحصة المخصصة للاستقلال "سيحكمه منطق "الكوتا" بين العائلات المهيمنة على الحزب"، دون إغفال إمكانية استيزار الوافد الجديد على الحزب، وزير السياحة السابقة لحسن حداد، والذي استقال من حزب الحركة الشعبية وترشح خلال الانتخابات الماضية باسم الاستقلال. وتستبعد مصادر مقربة من مطبخ اتخاذ القرار داخل حزب علال الفاسي، استيزار كل من كريم غلاب وياسمينة بادو، لسبب رئيسي يتعلق بفشلهما في الظفر بمقعد برلماني خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة. ويُجمع الاستقلاليون على أن كل راسب انتخابيًا، أي فشل في نيل مقعد برلماني، لا يحق أن يقترح نفسه لتولي حقيبة وزارية في الحكومة الجديدة، كما أن كل من نال منصبًا وزاريا في الحكومات السابقة، ليس من الوارد استيزارهم في الحكومة الجديدة، في إطار ما يسميه الاستقلاليون بـ"دوران النخب" أو "مول النوبة".
ومن الأسماء المتداولة بقوة، نور الدين مضيان ورحال مكاوي، وهما من الشخصيات القوية داخل الحزب، والتي لم تدخل اي وزارة سابقا، فالأول كان رئيسا للفريق البرلماني للحزب، ومن الشخصيات التي اعتمد عليها شباط لمنافسة الأصالة والمعاصرة بمنطقة الريف، وتمكن من الاحتفاظ بمقعده البرلماني بإقليم الحسيمة، أما الثاني أي المكاوي، فتقلد عدة مناصب، أبرزها كاتب عام لوزارة الصحة، وله طموح في أن يعود إليها ليكون وزيرا على هذا القطاع، وهي الرغبة التي تصطدم بوجود وزير تقدمي قوي على رأس القطاع لا يرجح أن يتخلى عنه بن كيران.
وتقول مصادر مطلعة إن لحسن حداد، وزير السياحة السابق من بين أبرز المرشحين لتولي حقيبة الخارجية خلفاّ لمزوار نظرا للإجماع من قبل صنّاع القرار على خلفيته السياسية و تجربته على الصعيدين الداخلي و الخارجي، و إن كان هو شخصياّ يتطلع إلى منصب وزير الرياضة حسب قول مصادر مقربة منه . وبالإضافة إلى "مضيان" و"المكاوي" و"حداد"، يتحدث البيت الداخلي للاستقلال، عن إمكانية استيزار كل من عبد القادر الكيحل، الناطق الرسمي باسم حميد شباط، وعادل بنحمزة، الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال، دون استبعاد أن ينال الاستقلاليون منصب "وزير دولة"، والذي لن يكون إلا من نصيب حميد شباط، إذا لم يتمكن من الفوز بمنصب رئيس مجلس النواب.
التجمع الوطي للأحرار
وإذا كان التجمع الوطني للأحرار، لم يقرّر رسميًا المشاركة في الحكومة، في ظل سوء الفهم بين قيادته الجديدة المتمثل في عزيز اخموش، وزير الزراعة، وبين رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، يبدو أن عزيز أخنوش لن يفرط في منصبه الوزاري، وهو واحد من بين الوزراء الأربعة الذين لن يقترب من منصبهم بن كيران، حتى لو لم يدخل رسميا الأحرار للحكومة، ويتوقع أكثر من مصدر، أنه إن فشل أخنوش في إشراك "الأحرار" في الحكومة، فإن سيناريو استقالته من رئاسة الحزب وارد جدا، بما يمكنه من الظفر بالمنصب الوزراي الذي تفضل الجهات العليا أن يظل على رأسه. كما يرجح أن يبقى في منصبه كوزير للصناعة والتجارة الوزير ورجل الأعمال المعروف، مولاي احفيظ العلمي، لينضاف إلى كل من الرميد والوردي وأخنوش، وهم الوزراء الأربعة الذين تلقى ابن كيران بشأنهم إشارات بالاحتفاظ بهم في مناصبهم، بالنظر لكفاءاتهم وما راكموه من إنجازات في القطاعات الحكومية التي أشرفوا عليها. وداخل التجمع الوطني للأحرار دائما، تتحدث مصادر عن أنه إذا ما شارك الأحرار في الحكومة، فإنه من المؤكد أن يحافظ الحزب على حقائب القطب الاقتصادي والاجتماعي، التي نالها في عهد حكومة ابن كيران المنتهية ولايتها.
الوزراء التكنوقراط
أما بخصوص الوزراء غير المنتمين الى الأحزاب، أو ما يسمون في المغرب بالوزراء التكنوقراط، مبدئيا هناك اربعة قطاعات حكومية على الأقل ستؤول إليهم، وهي قطاع الدفاع الوطني وقطاع الأوقاف والشؤون الإسلامية، الذي يشرف على تدبير الشأن الديني، وهو من اختصاص إمارة المؤمنين، ثم قطاع "الأمانة العامة للحكومة"، ثم قطاع الداخلية. وإذا كان من المستبعد أن يستمر وزير الداخلية الحالي محمد حصاد، في هذا المنصب، لاصطدامه كثيرا برئيس الحكومة خلال الولاية المنتهية، يرجح البعض أن يقترح بن كيران على الملك الوزير المنتدب الحالي في الداخلية، ليكون على رأس وزارة الداخلية، وهو الذي تقلد سابقا منصب المدير العام للأمن الوطني. أما بخصوص قطاع الأوقاف والشؤون الإسلامية، تتحدث مصادر عن تداول اسمين لتقلد هذا المنصب، وهما وزير الأوقاف الحالي، أحمد التوفيق، ثم أحمد العبادي الذي عينه الملك قبل سنوات بظهير شريف، أمينا عاما للرابطة المحمدية لعلماء المغرب، والمشهود له بالكفائة والعطاء، أما بخصوص القطاعين الآخرين، وهما قطاع الأمانة العامة للحكومة والدفاع الوطني، فيرجح أن يقترح بن كيران لهما نفس الوزراء الحاليين، إذ سبق ان قال بن كيران بهذا الخصوص، "هناك وزراء أنا من أقترحهم، مثل السيد ادريس الضحاك الأمين العام للحكومة، وعبد اللطيف الوديي المكلف بالدفاع الوطني، وإذا أصبحت رئيسا للحكومة مرة أخرى سأقترحهما من جديد"، ويضيف بن كيران في تصريح صحافي، "هما وزيران ممتازان يشتغلان بشكل شبه مثالي".
الحركة والاتحاد
وإذا كانت مشاركة كل من "الاتحاد الاشتراكي" و"الحركة الشعبية" في حكومة بن كيران، رهينة بما ستؤول إليه المشاورات مع حزب "التجمع الوطني للأحرار"، ذلك أن بن كيران قد يضحي بالاتحاد أو بالحركة، في سبيل مشاركة الأحرار والاستقلال، ورغم التردد في تعبير صريح من الحزبين عن الموقف من المشاركة في الحكومة، إلا أن مقربين من دائرة اتخاذ القرار داخل الحزبين، يتحدثون عن أسماء مرشحة للاستيزار، منها الاتحادي الحبيب المالكي، الذي اقترح في لقاء رسمي مع بن كيران، ليكون مرشحا لرئاسة مجلس النواب المغربي، الحبيب المالكي، وحسب مصادر متطابقة، يريد الاستيزار إذا لم يتمكن من الظفر برئاسة مجلس النواب، وعينه على منصب وزير الاقتصاد والمالية. أما داخل الحركة الشعبية، فيبدو أن الاتفاق المبدئي هو استبعاد الوزراء السابقين، منهم محمد مبديع الوزير المنتدب في الوظيفة العمومية، ووزير التعمير ادريس مرون، وأيضا الوزيرة المنتدبة في البيئة حكيمة الحيطي، ثم محمد اوزين، وزير الشباب والرياضة في حكومة بن كيران الأولى. في المقابل تتحدث مصادر عن أسماء جديدة مرشحة للاستيزار داخل الحركة الشعبية، منها محمد فضيلي رئيس المجلس الوطني للحركة، ومحمد الاعرج رئيس الفريق البرلماني الحركي في مجلس النواب.