بغداد- نجلاء الطائي
أفادت أنباء باغتیال سحر الإبراهيمي مدیرة مركز مساج في بغداد وهروب الشاعرة شهد الشمري إلی لبنان، وتتزامن هذه الاغتيالات والأحداث المتسارعة مع ما حصل الجمعة وقبل أكثر من شهر، إذ قتلت العارضة العراقية تارة فارس وقبلها السيدة صاحبة مركز تجميل في وسط بغداد.
وأثار اغتيال الموديل وملكة جمال بغداد عام 2015 تارة فارس، الخميس الماضي، التساؤلات بشأن طبيعة التحقيقات التي تجريها وزارة الداخلية العراقية، وبخاصة أنها لم تعلن نتائج تحقيقات سابقة بشأن عدة جرائم، أبرزها: مقتل الشاب كرار النوشي، ومدير فريق القوة الجوية بشير الحمدان عام 2017، فضلًا عن وفاة خبيرتي التجميل رفيف الياسري ورشا الحسن، الشهر الماضي.
وقُتلت الموديل العراقية تارة فارس برصاصات مجهول الخميس الماضي، في عملية اغتيال هي الرابعة على التوالي بحق امرأة في العراق، ضمن عمليات وصفها ناشطون بـ"التصفية".
وتساءل ناشطون عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، عن جدوى إعلان وزارة الداخلية العراقية فتح تحقيق بالحادثة، في وقت ظلت الكثير من التحقيقات دون إكمال أو نتائجها لم تعلن لغاية الآن.
وشهد العراق في غضون شهرين أربع عمليات اغتيال طالت شخصيات نسائية معروفة، آخرها تصفية الموديل تارة فارس في منطقة كمب سارة ببغداد، وهو ما يحيل وبشكل واضح إلى سيطرة التيارات الدينية المتشددة على حياة العراقيين، وأن دولة الموت تتوسع بشكل كبير في العراق.
وبدأت عمليات التصفية منتصف أغسطس/ آب، بوفاة خبيرة التجميل الشهيرة رفيف الياسري في ظروف غامضة.
وبالرغم من تشكيل السلطات المختصة لجنة تحقيق لمعرفة ملابسات الحادث فإن الداخلية العراقية أحجمت عن كشف أي تفاصيل، وتسربت أنباء من دائرة الطب العدلي في بغداد تشير إلى أن الياسري قتلت مسمومة بمادة الزرنيخ.
ولم يمضِ أسبوع واحد على هذه الحادثة، حتى أعلن في بغداد عن وفاة خبيرة التجميل الأخرى رشا الحسن، التي تسرب أيضا أنها تعرضت لتسمم حاد في ظروف غامضة.
وتمتعت الياسري والحسن بشعبية كبيرة في أوساط الجمهور المحلي، بعدما حافظتا على حضور مستمر في المناسبات المهمة، والإسهام في النشاط الإنساني الذي يستهدف الفقراء.
وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي روايات مختلفة عن أسباب وفاة الياسري والحسن، منها أنهما كانتا تخططان معا لافتتاح مركز تجميل ضخم في العاصمة العراقية، بالشراكة مع مؤسسة لبنانية، ما لفت انتباه عصابة متخصصة في الابتزاز، دخلت على خط المشروع، وطلبت حصة من أرباحه، ولدى رفض الياسري والحسن ذلك، تعرضتا للتصفية.
ومن الروايات التي شاعت عن الشخصيتين النسويتين، أنهما كانتا على علاقة بشخصيات سياسية بارزة، ما سمح لهما بالاطلاع على بعض الأسرار السياسية الخطرة. وبسبب التنافس السياسي الحاد في بغداد، قررت أطراف سياسية متنفذة التخلص منهما، باستخدام ميليشيات موالية لإيران، أما الرواية الأضعف فكانت تتعلق بخلافات عائلية، وأخرى تشير إلى أن وفاة الياسري كانت نتيجة تناولها جرعة كبيرة من المخدرات.
ولم تعلن وزارة الداخلية عن نتائج التحقيقات، ما عزز فرضيات تورط شخصيات سياسية نافذة في عمليتي الاغتيال، وضلوع الميليشيات فيهما.
وجاءت حادثة الاغتيال الثالثة، لتطرح المزيد من الاستفهامات بشأن وجود جهة ما تستهدف النساء المعروفات في العراق. ففي البصرة، قتلت، الثلاثاء الماضي، الناشطة المدنية المعروفة سعاد العلي، بعد أيام من مشاركتها بفاعلية في حركة احتجاج واسعة ضد سوء الخدمات العامة وتفشي الفساد في مؤسسة الدولة.
وحاولت السلطات المختصة في المدينة الإيحاء بأن خلافات عائلية كانت سببا في اغتيال العلي، لكن نشطاء محليين وجهوا أصابع الاتهام إلى ميليشيات عراقية مسلحة موالية لإيران تضررت من الاحتجاجات.
أما عملية الاغتيال الخامسة ، فاستهدفت الموديل تارة فارس الخميس، التي أطلق عليها مجهولون النار في وضح النهار وسط بغداد، من دون أن تقدم السلطات المختصة تفسيرا واضحا.
اما عملية الاغتيال الاخيرة والسادسة بعد مضي ساعات من مقتل الموديل نارة فارس مقتل مديرة مركز مساج وتجميل في الكرادة سحر الابراهيمي .
واعتبر مراقبون أن ما تنجزه الميليشيات من عمليات قتل لا يخرج بعيدا عن برنامجها في الانتقال بالعراق إلى دولة دينية متشددة.
وقال المحلل السياسي منتظر ناصر لـ"العرب اليوم": "يقال إن وزير الداخلية يتابع بنفسه التحقيق في مقتل العارضة الشابة تارة فارس.. لا تتعب نفسك معالي الوزير!!".
وأضاف أنه "كما توقف التحقيق بمقتل رفيف الياسري ورشا الحسن وسعاد العلي، فإنه لن يتحرك خطوة واحدة في الكشف عن القاتل الطليق الذي يجوب الطرقات بحرية تامة، وينتقي ضحاياه بمزاج عال"، أما الصحافي دلشاد فارزاندا، فعلق قائلًا: "الداخلية تفتح تحقيقًا بمقتل رفيف الياسري، سعاد العلي، وتارة فارس، أبشر عزيزي العراقي، إذا قتلوك راح يفتحولك تحقيق، بعد شتريد؟".
وقال فادي الشمري القيادي في تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم إن "اغتيال المودل تارة فارس، لا يعبر فقط عن حالة جنائية حصلت في بغداد، بل يعبر عن حالة الموت والرعب التي تخيم على مدينة السلام"
وبيّن مراقب سياسي عراقي في تصريح لـ"العرب اليوم" أن المطلوب بالنسبة إلى الميليشيات التابعة لإيران أن يتم تدمير كل الإشارات الحية التي تؤكد انتماء العراق إلى العالم، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تخلت عن العراقيين حين تركتهم يواجهون أقسى حملة للاعتقالات والتشهير بعد احتجاجاتهم التي كادت تطيح بالحكومة لولا تدخل الميليشيات، المعلن والخفي على حد سواء.
وأضاف أن صمت الولايات المتحدة بشكل خاص، وصمت الغرب بشكل عام، كان عنصرا مشجعا للميليشيات لأن تستأنف مشروعها في اقتلاع المظاهر المدنية وفي مقدمتها كل ما يتعلق بوجود المرأة كائنا إيجابيا يسهم في بناء المجتمع خارج مجالس اللطم والبكاء.
ويقول المحلل العراقي هشام الهاشمي إن "استخدام مفاهيم الدين والتكفير لتبرير القتل في العراق داعشية مكشوفة، والغبي هو من يرفض التسليم بحقيقتها الاجتماعية".
ويسخر إعلاميون عراقيون من إعلان وزارة الداخلية بدء التحقيق في مقتل تارة فارس. وكتب الإعلامي والناشط سعدون محسن ضمد أن "الشرطة تعلن بأنها تجري تحقيقا بمقتل تارة فارس، وكأنها قادرة على الإعلان عن المجرمين النافذين في الدولة".
ويقول الصحافي والكاتب محمد غازي الأخرس “مع قتل تارة فارس.. وصلنا إلى لحظة الاستهتار التام. سيقتلون كل من لا يعجبهم”، محذرا من أن “دولة الموت تتشكل.. دولة لا سابق لها”. وأضاف أن “من يدافع عن القتلة فيها بتبرير ما، أخلاقي أو شرعي، لا يقل عنهم جرما”.
وكتب الصحافي منتظر ناصر أن "وزير الداخلية يتابع بنفسه التحقيق في مقتل العارضة والبلوغر الشابة تارة فارس"، وأضاف مخاطبا الوزير قاسم الأعرجي "لا تتعب نفسك معالي الوزير! فكما توقف التحقيق بمقتل رفيف الياسري ورشا الحسن وسعاد العلي فإنه لن يتحرك خطوة واحدة في الكشف عن القاتل الطليق الذي يجوب الطرقات بحرية تامة وينتقي ضحاياه بمزاج عال العال!".