القاهرة- مينا جرجس وأحمد عبدالله
سلّمت السودان إدارة جزيرة "سواكن" الواقعة في البحر الأحمر لتركيا، وذلكفي اتفاق خلال مؤتمر صحافي أمس الأول، في ختام زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى السودان.
ويسمح الاتفاق لتركيا بوجود عسكري على البحر الأحمر في المياه الإقليمية السودانية بهدف مكافحة الإرهاب وحماية السفن العسكرية، فضلاً عن وجود مزيد من الاستثمار والسياحة.
وكشفت صحيفة "دايلي ناشون "الكينية، اليوم الأربعاء، عن أسباب تسليم السودان إدارة جزيرة "سواكن" الواقعة في البحر الأحمر لتركيا. وقالت الصحيفة إن "الهدف المشترك هو محاربة الإرهاب في أفريقيا مع التركيز بشكل خاص على منطقة الشرق".
بدوره قال وزير الخارجية التركى ميفلوت كافوس أوغلو، إن "بلاده تؤيد حرب السودان ضد الإرهاب"، مضيفا أن تركيا حريصة على إبعاد أي خطر فى جميع أنحاء القارة الأفريقية.
وتابع "كافوس" أن أمن أفريقيا بشكل عام، والسودان على وجه الخصوص على طاولة أولويات تركيا.. وسوف نواصل دعم السودان خاصة فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب".
وأوضح أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره السوداني عمر البشير، أمرا بأن تقدم الشرطة التركية والأمنية والعسكرية ووزارة الدفاع الدعم للجانب السوداني، مؤكداً على مواصلة التعاون فيما يتعلق بالقطاع العسكري.
من جانبه أكد وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، أن الخرطوم حريصة على الحفاظ على أمن البحر الأحمر، مشيراً إلى أنها منفتحة على التعاون مع مختلف الدول الإقليمية في هذا الشأن.
وقال "غندور": إنه "لا يمكن استبعاد وجود أي ترتيبات عسكرية أخرى مع تركيا، لأننا وقعنا اتفاقا يمكن أن يؤدي إلى أي تعاون عسكري على البحر الأحمر".
إلا أن تطورات العلاقات بين السودان وتركيا لهذا الحد قد يكون أمرًا غريبًا، وقد تكون السودان هي التي طلبت من تركيا هذا الأمر لتقوية موقف الخرطوم سياسيًا وعسكريًا على غرار قيام قطر باستدعاء قوات تركية إليها حين شعورها بخطر التعرض لتهديد من الخارج إثر المقاطعة العربية للدوحة بسبب دعمها للإرهاب.
كما أن تواجد تركيا في منطقة البحر الأحمر، يمكنها من التغلغل في منطقة قلب القارة الإفريقية، حيث تقع "سواكن" بالقرب من اليمن والسعودية بما يضمن لتركيا تواجد في حل جميع الأزمات بتلك المنطقة.
وبالطبع قرار "الجزيرة" جاء في مصلحة تركيا، لما لها من أهمية تاريخية لتركيا والرئيس التركي على الخصوص - فالجزيرة تعود للعصر العثماني وهو العصر الذي يريد أردوغان استعادته وترويجه، كونه شهد قوة دولته ومجدها، فضلاً عن رغبته في أن تكون تركيا هي المتصدر الأول للمشاكل التي يتعرض لها العرب والمسلمون.
جدير بالذكر أن تركيا لديها قاعدة عسكرية على المياه الإقليمية الصومالية، وشاركت في تدريب الجيش الوطني الذي شارك في محاربة حركة "الشباب" الإرهابية.
وبدوره كشف الدكتور هاني رسلان، رئيس وحدة دراسات حوض النيل والسودان بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عن تكوين تحالف أمني عسكري بقيادة تركيا والسودان وقطر للعمل ضد المملكة العربية السعودية من ناحية ومصر من ناحية أخرى، نظرا لقيادتهما لملف مقاطعة الدوحة، مشيرا الي أن زيارة الرئيس التركي أردوغان الي الخرطوم تمخضت عن العديد من النتائج الهامة منها منح الجانب التركي السيطرة علي ميناء سواكن بالإضافة إلى توقيع اتفاق عسكري يهدف لإنشاء قاعدة تركية علي الأراضي السودانية سيكون لها استخدامات مسلحة.
وأوضح لـ"مصر اليوم"، أن هناك غطاءًا كبيرا يجمع كلا من تركيا والسودان وقطر هو ولاؤهم جميعا للتنظيم الإخواني الدولي لذا تسعي الدول الثلاث إلى تكوين محور جديد لتهديد الأمن القومي العربي، لافتا إلى أن تركيا تسعي للدخول في مرحلة جديدة من التوسعات فبعد التواجد في جيبوتي والصومال وضعت أنقرة قدما لها في البحر الأحمر من خلال ميناء السواكن.
وقال أحمد العناني، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلي السودان تهدف إلي توسيع النفوذ التركي في القارة الأفريقية بصفة عامة ومنطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة عبر بوابة الخرطوم، مشيرا إلي أن هناك مصالح مشتركة بين الجانبين السوداني والتركي ضد الدولة المصرية والإدارة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وأكد أن هذه التحركات من قبل السودان تأتي في إطار سعي حكومة الرئيس السوداني عمر البشير للضغط علي مصر حول ملف حلايب وشلاتين، مشيرًا إلي أن هذا الملف هو ما دفع الخرطوم إلي التنازل عن جزيرة سواكن وبناء قاعدة عسكرية علي أراضي الجزيرة القريبة من مصر.
وأوضح العناني أن الرئيس السوداني عمر البشير يستخدم تركيا كورقة ضغط علي الجانب المصري؛ نظرا للاختلاف والتباين الشديد بين أنقرة والقاهرة بسبب سياسات أردوغان وتدخلاته في الشأن الداخلي المصري.
من جانبه، تحدث رئيس اللجنة الأفريقية بمجلس النواب الأسبق اللواء حاتم باشات باستياء بالغ من التقارب التركي السوداني الأخير، وفسر في تصريحاته لـ"مصر اليوم" أن ذلك يأتي ضمن ترتيب إقليمي بات واضحا ضد مصر سواء من جانب قطر أو تركيا، وقد استطاعت الأخيرة أن تضم في معسكرها السودان، وهو أمر مستغرب ويمس الأمن القومي المصري، ولن يمر دون دراسته جيدا وبحث تداعياته، ودون الرد الوشيك قريبا عليه.
وقال باشا إن التحرك التركي بضم جزيرة سواكن يعد تعزيزًا للدور التركي في المنطقة في المواجهة من مصر والسعودية، خاصة أن عدة لاعبين إقليميين آخرين باتوا يمتلكوا نقاطاً وقواعد حيوية في المنطقة، وقال: ندرك صراحة أن الهدف من تحالف البشير وأردوغان ليس تنمويا أو لإعادة إعمار سواكن، وإنما هدفه عسكري بحت وهو أمر لايمكن وصفه إلا بـ"الخطير"، وأن الموقف من الجانب السوداني بات مستغربا لأبعد مدى، وأن نوايا البشير تجاه مصر باتت واضحة في الملف الإثيوبي والتقارب الأخير من تركيا.
وأكد باشات أن مزيدًا من تحليل الموقف والوقوف على آثاره وتداعياته سيكون محل مناقشة عاجلة باللجان البرلمانية المعنية: الدفاع والأمن القومي، والخارجية ولجنة الشئون الأفريقية"، وأن مصر متاح أمامها كافة الخيارات لحماية أمنها وتعزيز دورها الإقليمي في مواجهة تركيا وقطر ولا يجب لأحد أن يستغرب تاليا أي تحرك أو موقف مصري بعدما فعله البشير مؤخرا.
فيما قال وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان اللواء يحيي كدواني إنه يرصد منذ فترة مساعٍ سودانية ضد مصر سواء بالاصطفاف مع إثيوبيا ودولة قطر الداعمة الأساسية لسد النهضة حاليا، أو تقاربه مع تركيا حاليا، مشيرا إلى أن تركيا لديها نوايا توسعية تتضح الآن من خلال التواجد في العمق السوداني، وأن الأمر سيتضح شيئا فشيئا ما إذا كان ذلك لتحجيم مصر بالتحديد أم أنه للعب دور إقليمي أكبر.
وتابع كدواني أن الدور التركي والإيراني والقطري في المنطقة لن تكف أمامه مصر مكتوفة الأيدي، وأن لجان البرلمان المعنية بصدد استدعاء فوري للوزاراء والمسئوليين المعنيين بتلك الملفات للتشاور معهم في خطوات فعلية يتم تنفيذها على أرض الواقع، مشيرا إلا أن الأكثر مفاجأة حتى الآن هو الموقف السوداني، والذي قال أنه اتخذ منحى مغاير ومضاد لمصر تماما بعد زيارة الرئيس التركي أردوغان، وأن نواب البرلمات السوداني بدءوا في التطاول على مصر ومؤسساتها محذرا من التمادي في ذلك.