دبي- صوت الإمارات
لم يتحقق لدولة ما في العصر الحديث ما حققته الإمارات خلال 5 عقود من تطور هائل في العمارة والمدن الحضرية والتشريعات المتعلقة بالبناء والتشييد وتسجيل وتوثيق الملكية العقارية، فالنقلات العمرانية الضخمة التي شهدتها الدولة، تتنوع بين ما هو تاريخي ومتأصل وبين الحداثي والمعاصر. وتركزت أولويات بناء الدولة العصرية على الإنسان نفسه، ورافق ذلك ثورة إعمار وتنمية وتطوير البنية التحتية، وصولاً إلى آفاق النهضة الشاملة التي صعدت بالدولة وشعبها إلى صدارة دول العالم على مدار نصف قرن.
وانصهرت طيلة العقود الماضية فنون الأمم الأخرى في المشروعات الأيقونية الإماراتية، لتصبغ فن العمارة بثراء لا نظير له، فعلاوة على الاحتفاظ بطابع الأصالة العربية، أغنى التنوع فن العمارة في ربوع الإمارات وأضاف إليها فنون آسيا وأوروبا. ويتجسد تطور الإمارات العمراني عبر إنجازات معمارية استثنائية، أذهلت العالم، ولا تقتصر الأبنية الحديثة في الإمارات على ارتفاعها فحسب، إذ يحمل كل مبنى في تصميماته أشكالاً رائعة وفريدة من نوعها. وأشرف أشهر مهندسي وفناني العالم على إنشاء العمران لجعل البلد فريداً من نوعه.
أولى أشكال البيوت في الإمارات قديماً، حيكت من شعر الماعز وصوف الغنم، وهناك بيوت من سعف النخيل، وكانت تأخذ شكل المربع أو المستطيل ولها أبواب ونوافذ صغيرة جداً. وبيوت أخرى بنيت من مزيج الماء والتراب أو من الطين والتبن والطوب الخفيف. وتشكل مادة الطين حجر الأساس في البيوت الإماراتية القديمة، التي سادت في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، بعض هذه البيوت ما زال قائماً. وكان للعمارة الطينية في الإمارات تاريخ ومكانة خاصة، لأن أغلبية القلاع والحصون كانت طينية، وظهرت بيوت الطين في مرحلة لاحقة لبيوت العريش.
وعاش السكان في تجمعات تسمى «الفرجان» ومفردها «فريج»، وكل منها يضم ما يراوح بين 4 إلى 6 منازل، يتعارف أهلها ويتواصلون، ويجتمعون على الخير والحب والتعاضد، ويتعاونون على جميع الأعمال، ولكل فريج قائداً، وهو رجل كبير السن، يثق به الجميع، ويعدّ المرجع الذي تسند إليه مسؤوليات كثيرة، كما أنه المستشار في القضايا والمشكلات التي تقع داخل القبيلة.
يجهل المؤرخون لتاريخ دبي الحديث الطريقة التي كان يتبعها الناس لتوثيق عمليات بيع أو شراء العقارات منذ ظهورها على ساحل الخليج العربي عام 1833م. ويعتقد بعضهم بأن سكان المدينة حينذاك لم يقوموا بتدوين أو توثيق التصرفات العقارية لعدة احتمالات وأسباب تتنوع بين شيوع الثقة بين المتعاملين وتفشي الأمية في ذلك الوقت.ونقل أحد أعداد مجلة «الطابو» التي أصدرتها دائرة الأراضي والأملاك، بأن التصرفات العقارية كانت موجودة وسرعان ما اندثرت بسبب عدم وجود جهة تحفظها سواء أكانت تلك الجهة من الكتبة أو القضاة، أو أن تلك - الوثائق إن وجدت- ذهبت ضحية التلف والضياع بسبب عدم اهتمام أصحابها وجهلهم بأهميتها، لكن الحال تغير عام 1891 عندما تم توثيق التصرفات العقارية لدى القضاة الشرعيين أو الكتبة.
ويقول الباحث القانوني أحمد أدريس في أطروحة الماجستير بأن توثيق التصرفات العقارية نجم عن مجموعة أسباب وهي انتشار التعليم وزيادة الوعي بالملكية العقارية وأهميتها.
وأضافت مجلة الطابو أن «عقود البيع والشراء وغيرها من التصرفات العقارية بقيت في تلك الفترة غير مصدقة لعدم وجود جهة تتولى ذلك ما يجعل تلك العقود بلا قوة عند تخاصم الأطراف حتى بدأ الناس يتبايعون فيما بينهم ويوقعون عقودهم بشهادة الشهود والقاضي الشرعي ليتم التصديق عليها من قبل الحاكم». وهكذا انتقلت المبايعات إلى مرحلة جديدة عندما أصبحت العقود أو الوثيقة معتمدة ونافذة تجاه الأطراف والغير.
ولعبت صناعات البناء والتشييد والتطوير العقاري دوراً محورياً في التنمية الشاملة للدولة منذ بداية تأسيسها، حيث ساهم القطاع في تسريع النمو، وخلق فرص العمل، وتحريك النشاط الاقتصادي.
وحظيت القوانين العقارية باهتمام السلطات العليا كونها تمثل مظلة حامية للحقوق والواجبات وشهدت دبي، منذ بدايات الألفية الثالثة، ولا تزال تشهد، تطوراً متسارعاً في مجال الاستثمار العقاري، وعلى وجه الخصوص في مشروعات بيع الوحدات العقارية على الخارطة، و قد بدأت دبي منذ العام 2006 في السعي إلى تهيئة المناخ لهذا النوع من الاستثمار، وذلك بوضع بنية تشريعية تؤسس لمناخ ملائم وتحمي هذا الاستثمار وأطرافه المختلفة. وفي العام 2006 صدر قانون التسجيل العقاري الذي أنشأ السجل العقاري ووضع تعريفاً له وأوجب تسجيل جميع التصرفات المتعلقة بإنشاء حق عقاري أو نقله أو تغييره أو زواله في ذلك السجل، وجوّز السماح للأجانب بتملك الأراضي في الامارة ملكاً حراً أو مقيداً، وفي العام ذاته صدر النظام رقم 3 الذي حدد مناطق للتملك الحر.
وتستحوذ الإمارات على 20% من أعلى 100 ناطحة سحاب مكتملة البناء في كافة أنحاء العالم طبقاً لأحدث إحصائية عالمية، وخلال العقد الأخير تمكنت الدولة من تسجيل قفزات هائلة على صعيد تشييد المباني الشاهقة حيث كانت تضم 3 أبراج ارتفاعاتها لا تتجاوز 200 متر فقط قبل عام 2000 ليتجاوز عددها اليوم 250 برجاً.
ظهرت فرجان الحضر في فترة الخمسينات والستينات، فكانت تضم عرشان متناثرة، وقد يصل عدد البيوت في الفريج إلى 30 بيتاً، كما في فرجان جميرا في دبي، التي كان سكانها يعملون في البحر، سواء صيد الأسماك أو الغوص لاستخراج اللؤلؤ، وكانوا يمتلكون قوارب صيد وسفناً في بعض الأحيان، ومع اختلافها من مكان إلى آخر، تظل هناك ملامح عامة كانت تجمع بين مختلف الفرجان في الإمارات، فيتكون الفريج من بيوت العرشان أو الطينية متراصة ومتجاورة، وغالباً تصنع سقوفها من المدر والطين، وهي مواد متوافرة في البيئة المحلية، وكانت تتناسب مع طبيعة المناخ في المنطقة، وتعمل على التكيف معها، وتنساب بين هذه البيوت سكك ضيقة تعرف باسم سكيك، وممرات كانت معظم الوقت تعج بحركة سكان الفريج.
وخلال السبعينات ظهر نظام الشقق والبنايات إلى جانب البيوت التقليدية. وتم بدء مشروعات البنى التحتية من طرق وإسكان وأنظمة صرف وأبنية المكاتب ومدارس وجامعات ومستشفيات وغيرها.
في بدايات رحلة الازدهار ، شهدت الإمارات مليون قصة وقصة، ولعل أكثر المحطات أهمية في مسيرة دولة الاتحاد، هو بناء الإنسان قبل بناء العمران، فانطلقت التنمية الشاملة في كل ربوع الوطن، في التعليم والصحة والإسكان والبنى التحتية وتأسيس الدوائر الحكومية وبناء قضاء عادل وقوانين وتشريعات ضامنة للحقوق.
من ضمن المباني المميزة، برج خليفة الأعلى في العالم بارتفاع 828 متراً والذي يجسد نمط العمارة الضخمة ذات السمات الفنية عالية المستوى، وبرج الأميرة الذي يعد من أطول الأبراج السكنية في العالم بارتفاع 414 متراً، وفندق العنوان سكاي فيو ذو التصميم المميز، وبرج العرب المصمّم على شكل شراع، والعديد من المعالم البارزة التي تنفرد بها دبي، والتي تُظهر أسلوب العمارة حديثاً في الإمارات بأبهى صوره.
قد يهمك أيضًا:
أمجد شمعة يؤكد أن الشارع هو المكان المُخصص لعرض فن العمارة والتصميم