أنقرة ـ جلال فواز
اتفق رؤساء تركيا وروسيا وإيران، رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين وحسن روحاني، على ضرورة القضاء على التنظيمات "الإرهابية" في سورية، وتحقيق الاستقرار في إدلب، والاستمرار في مسار آستانة للحل السياسي في سورية.
وقال إردوغان، خلال القمة الثلاثية حول سورية التي عقدت في أنقرة أمس (الاثنين)، إن بلاده ألحقت هزائم كبيرة بـ”التنظيمات الإرهابية” عقب عمليتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون” في الشمال السوري، وإنها ستواصل العمل في هذا الاتجاه، وأضاف: “نحن متفقون تمامًا على الحفاظ على وحدة سورية السياسية ووحدة ترابها، والحفاظ على السلام ميدانيًا، وإيجاد حل سياسي دائم فيها”.
وتابع أن مسار آستانة يعد هو المبادرة الوحيدة القادرة على إيجاد حلول مجدية ملموسة لإخماد الحريق المشتعل في سورية. ولفت إلى أن الهجوم الذي تعرض له مستشفى في بلدة الراعي أظهر مرة أخرى الجانب الوحشي لـ”وحدات حماية الشعب” الكردية التي قال إنها امتداد لحزب العمال الكردستاني (المحظور).
ومن جانبه، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن القضاء على التنظيمات الإرهابية في سورية يمثل أولوية، وإن الوضع في إدلب يثير قلقنا، ولا يجب أن تبقى هذه المنطقة بؤرة للإرهابيين.
وأضاف أنه يمكن بجهودنا المشتركة تحقيق الاستقرار في الأراضي السورية، وخفض مستوى العنف، ولفت إلى أن تقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين إليها في سورية يجب أن يتم من دون تسييس.
وأشار إلى أن تشكيل أعضاء لجنة صياغة الدستور السوري أوشك على الانتهاء، ويجب أن تعمل مستقبلًا بشكل مستقل بعيدًا عن أي ضغوط خارجية، وأضاف: “نركز على تشكيل اللجنة الدستورية كبداية للحل السياسي”.
وبدوره، أكد الرئيس روحاني أنه يجب مواصلة مكافحة الإرهاب في سورية، والقضاء على بؤر الإرهاب فيها، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أنه لا حل عسكريًا للأزمة السورية، وأن الحل الوحيد هو الحل السياسي، ولن يحدث ذلك إلا بمشاركة الشعب السوري، لأن السوريين وحدهم هم من يجب أن يقرروا مصير بلادهم، وعلينا تطبيق بنود آستانة، وأضاف أنه من “غير المشروع” أن يكون للقوات الأميركية وجود في سورية، ويجب أن تغادر المنطقة في أسرع وقت ممكن.
وقبل القمة، عقد إردوغان لقاءين منفصلين مع كل من نظيريه الروسي والإيراني، تم التركيز خلالهما على الوضع في إدلب.
وبحسب مصادر دبلوماسية، ركز بوتين على ضرورة إنجاز تركيا التزاماتها، بموجب اتفاق سوتشي الموقع مع روسيا في 17 سبتمبر (أيلول) 2018، فيما يتعلق بإخراج المجموعات المتشددة من المحافظة الواقعة في شمال غربي سورية، والتدابير التي يمكن اتخاذها في هذا الشأن، بينما سعى إردوغان إلى ضمان وقف هجمات النظام السوري، والامتناع عن استهداف نقاط المراقبة التركية الاثنتي عشرة في منطقة خفض التصعيد في إدلب، التي أقرت في مباحثات آستانة عام 2017.
وناقشت القمة الثلاثية تقييم التطورات في سورية، خصوصًا في إدلب، والخطوات المشتركة التي يتعين اتخاذها بين الدول الثلاث، الضامنة لاتفاقات آستانة، من أجل إنهاء الصراع، وتوفير الظروف اللازمة للعودة الطوعية للاجئين، والمنطقة الآمنة التي تسعى تركيا مع الولايات المتحدة لتأسيسها في شمال شرقي سورية، وإنجاز حل سياسي دائم.
واستردت قوات النظام السوري، مدعومة بغطاء جوي روسي، معظم الأراضي التي فقدتها في الحرب الدائرة منذ ثمانية أعوام في سورية. وفي الشهور الأخيرة، هاجمت قوات النظام محافظة إدلب، مما أثار غضب تركيا التي تدعم المعارضة، والتي اتهمتها موسكو مرارًا بالتقاعس في تنفيذ البند الخاص بإخراج التنظيمات والجماعات المتشددة في اتفاق سوتشي، وفي مقدمة هذه التنظيمات “هيئة تحرير الشام” التي تشكل “جبهة النصرة” (سابقًا) قوامها الرئيس.
وقالت المصادر إن من بين ما نوقش في لقاء إردوغان وبوتين الفصل بين التنظيمات الإرهابية التي تضم في بنيتها مقاتلين أجانب، والفصائل “المعتدلة”.
وتحدثت تقارير متواترة في الأشهر الأخيرة عن دعم عسكري ولوجيستي تركي لفصائل المعارضة (دون تفرقة) من أجل وقف تقدم النظام في إدلب، متذرعة بمخاطر نشوء موجة لجوء جديدة ضخمة من إدلب باتجاه حدودها، وكذلك بالقضم التدريجي للنظام لمنطقة خفض التصعيد في إدلب، التي تقول إنها بدأت تتلاشى تدريجيًا، كذلك هددت بالتعامل مع أي هجوم أو تحرش للنظام بنقاط مراقبتها في إدلب، وطالبت موسكو وطهران بالعمل على وقفه.
وأقامت تركيا، في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، اثنتي عشرة نقطة مراقبة عسكرية في منطقة خفض التصعيد في شمال غربي سورية، بهدف الحد من القتال بين جيش النظام وفصائل المعارضة. وتعرضت النقاط العسكرية التركية لإطلاق نار مؤخرًا في أثناء هجمات النظام السوري في المنطقة.
وحذر إردوغان، الجمعة الماضية، من أن أي هجوم لقوات النظام على نقاط المراقبة التركية سيستدعي ردًا من القوات التركية، الأمر الذي يهدد بمواجهة مباشرة بين القوات التركية وقوات النظام لا ترغب روسيا وإيران في حدوثها.
واتفق بوتين وإردوغان، في مباحثات في موسكو أواخر أغسطس (آب) الماضي، على العمل على تهدئة الوضع في منطقة خفض التصعيد، وأعلن الرئيس الروسي أنه اتفق مع إردوغان على تدابير محددة لإنهاء وجود التنظيمات الإرهابية في إدلب، لم يكشف عنها.
ورغم ما يبدو أنه تفاهم وثيق بين بوتين وإردوغان بشأن مجموعة من القضايا، ومنها الطاقة والتعاون الدفاعي، فإن الهجمات الأخيرة لقوات النظام، بدعم روسي، أثارت توترًا في العلاقات بين أنقرة وموسكو، حاول إردوغان نفيه من خلال زيارته المفاجئة لموسكو في أواخر أغسطس (آب) الماضي.
وتقدم تركيا حاليًا مشكلة اللاجئين على أنها ورقة قوية في يدها تهدد بها أوروبا، حال فتح أبوابها على مصراعيها أمامهم لإغراق الدول الأوروبية. وكرر إردوغان هذا التهديد مرارًا في الأسبوعين الماضيين، مشيرًا إلى أن القمة الثلاثية التي انعقدت أمس في قصر الحكومة التركية في تشانكايا، بالعاصمة أنقرة، تستهدف وقف تدفق المهاجرين من إدلب، وتثبيت وقف لإطلاق النار لمنع سقوط مزيد من الضحايا المدنيين.
وقال إردوغان لوكالة “رويترز”، الجمعة الماضية: “ما نتوقعه هنا ليس وقف إطلاق نار لمدة قصيرة. أولًا، نتوقع وقف الهجرة. وثانيًا، ضمان وقف إطلاق النار. وثالثًا، السيطرة بجدية على المنظمات الإرهابية”، مضيفًا: “لا يمكن أن تستقبل تركيا، التي تستضيف حاليًا 3.6 مليون لاجئ سوري، ملايين أخرى من الناس الذين سيصلون من هناك (إدلب)؛ لا نستطيع تحمل ذلك”.
وتبدي تركيا، بحسب مراقبين، حرصًا واضحًا على توطيد العلاقات مع موسكو وإيران في الوقت الراهن، لأنها ما زالت تواجه مأزقًا حرجًا في إدلب، على ضوء احتمالات تمدد المواجهة المحدودة بين النظام السوري وتركيا في نقاط المراقبة، وفرض قواعد اشتباك جديدة بين الطرفين في إدلب، في ظل إصرار النظام السوري على مواصلة المواجهة العسكرية لاستعادتها، والدعم الروسي لأي خطوات قد يتخذها مستقبلًا بهدف القضاء على تهديد التنظيمات الإرهابية، ولذلك ركزت تركيا عبر هذه القمة على تقليص الدعم الروسي للنظام السوري، وإبداء التمسك بآلية سوتشي لضبط الوضع في إدلب.
قد يهمك ايضا
الرئيس الأميركي ترامب يتوقع نتائج متقاربة في الانتخابات الإسرائيلية
نتائج رسمية أوّلية تؤكّد أنّ قيس سعيد هو الأقرب من القصر الجمهوري في تونس