التظاهرات في لبنان

شهدت الساحة السياسية اللبنانية مساء الأربعاء تطورات جديدة بشأن تسمية رئيس الحكومة الجديدة، بعد سلسلة مشاورات مُكثَّفة، حيت اتفق عدد من الكتل النيابية، على تسمية حسان دياب وزير التربية السابق، رئيسا للحكومة الجديدة، وذلك بعد إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، سعد الحريري، عدم نيته تشكيل الحكومة الجديدة، وانسحابه بالتالي من ابزار الأسماء، قبيل ساعات من انطلاق الاستشارات النيابية، كما هو متوقع اليوم الخميس، وفقًا لما كشفته وسائل إعلام لبنانية.

وذكرت مصادر سياسية وفقًا للإعلام اللبناني أن "الأكثرية النيابية المؤلفة من التيار الوطني الحر و"حزب الله" و"حركة أمل" و"اللقاء التشاوري" (سنة 8 آذار)، توافقت على المشاركة ككتل كاملة والحضور في الاستشارات النيابية المقررة اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا، على أن تسمي الوزير السابق حسان دياب لتكليفه رئاسة الحكومة الجديدة وتأليفها".

وذكر بعض المقربين من تحالف حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر أن دياب قد يحصل على أكثرية 70 صوتا في الاستشارات ليتم تكليفه بتشكيل حكومة جديدة.فيما تشير المعطيات إلى امتناع الكتل الأخرى عن التسمية.

وأفادت صحيفة "الأخبار" بأنه "إذا لم تحصل مفاجآت صباحية، فإن دياب سيكلف بتأليف الحكومة بأكثرية ربما ستصل إلى نحو 70 نائبا"، ونقلت الصحيفة عن مصادر "8 آذار" نفيها أن يكون "خيار تسمية دياب هو حصرا لإحباط تسمية نواف سلام، ومنح رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري فرصة إضافية للتفلت من الضغوط الأمريكية والقبول بحكومة شراكة"، مؤكدة أن "خيار دياب جدي، وهدفه لملمة الأمور في البلد"، وتعول المصادر عينها، على "عدم رفض دياب من قبل الحريري"، الذي رجحت مصادره ألا يسمي أحدا في الاستشارات اليوم.

 

الحريري إلى المعارضة

ونقلت بعض وسائل الإعلام عن مصادر رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بأن كتلته البرلمانية لن تسمي دياب في الاستشارات، وأكد الحريري في بيان أنه لن يكون مرشحا لتشكيل الحكومة اللبنانية المقبلة، وسيتوجه اليوم الخميس للمشاركة في الاستشارات النيابية الملزمة على هذا الأساس.

ويأتي قرار الحريري بعد يومين من المساعي الحثيثة لتذليل العقد والمشاورات والاتصالات التي شارك فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري، كما شارك فيها «حزب الله» لإقناع «التيار الوطني الحر» بتسمية الحريري.

وقال الحريري في بيان أصدره، «منذ أن تقدمت باستقالتي قبل خمسين يوماً تلبية لصرخة اللبنانيين واللبنانيات، سعيت جاهداً للوصول إلى تلبية مطلبهم بحكومة اختصاصيين رأيت أنها الوحيدة القادرة على معالجة الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة التي يواجهها بلدنا».

وأضاف، «لما تبين لي أنه رغم التزامي القاطع بتشكيل حكومة اختصاصيين، فإن المواقف التي ظهرت في الأيام القليلة الماضية من مسألة تسميتي هي مواقف غير قابلة للتبديل، فإنني أعلن أنني لن أكون مرشحاً لتشكيل الحكومة المقبلة، وأنني متوجه غداً (اليوم) للمشاركة في الاستشارات النيابية على هذا الأساس، مع إصراري على عدم تأجيلها بأي ذريعة كانت».

وأشار إلى أنه دعا «كتلة المستقبل النيابية» للاجتماع صباح اليوم لتحديد موقفها من مسألة التسمية. وكانت المعلومات قد تقاطعت، حتى بعد ظهر أمس، من جهات كثيرة تشير إلى الاتجاه لتسمية الحريري في استشارات اليوم، بعد اتصالات اليومين الماضيين، وتصدرها بري الذي طُلب منه بذل المساعي لتذليل العقبات بين الأطراف، وظهر أن هناك توافقاً على دوره في تخفيف التوتر، وتحدثت معلومات متقاطعة عن أن الحل الذي عُمل عليه، هو تشكيل حكومة تكنوسياسية تضم سياسيين من الوزن الخفيف جداً لا يشكلون استفزازاً ويتراوح عددهم بين 4 و6 وزراء ولا تكون بينهم أسماء نافرة.

ومن جهتها، ألمحت وزيرة الداخلية اللبنانية ريا الحسن، "المحسوبة على الحريري" أن رئيس حكومة تصريف الأعمال قد ينتقل إلى المعارضة، وقالت في سلسلة تغريدات على "تويتر"، مساء الأربعاء، "للحريري بُعْد إقليمي وشبكة علاقات دولية تستطيع أن تؤمن المساعدات الضرورية للبنان. كتلة المستقبل لم تتخذ القرار بخصوص تسمية الرئيس المقبل للحكومة حتى الساعة، ويبدو أنه لن يكون هناك تأجيل (للاستشارات النيابية).

وأضافت، "أن يكون الرئيس الحريري في صفوف المعارضة إذا لم تماشِ الحكومة المقبلة تطلعاتنا، أمر وارد"، مؤكدة  أنه يجب محاكاة مطالب كل اللبنانيين في تسمية رئيس الحكومة المقبل.

وقال وزير الخارجية جبران باسيل، "رئيس التيار الوطني الحر الدام لرئيس الجمهورية"، "نقدر الموقف المسؤول للحريري"، وأضاف: "نتمنى أن يقترح الحريري من موقعه الميثاقي شخصية موثوقة ليعمل على التوافق حولها".

 

خلافات سياسية

ويذكر أن الخلافات السياسية تسبب في إرجاء المشاورات النيابية التي تستلزم من الرئيس ميشال عون أن يختار المرشح الذي ينال أكبر قدر من التأييد من أعضاء البرلمان البالغ عددهم 128 عضواً.

ومنذ استقالة الحريري من رئاسة الحكومة في أواخر أكتوبر دخلت الأحزاب الرئيسية في لبنان في خلاف حول تشكيل حكومة جديدة تحتاج إليها البلاد بشدة للتعامل مع أسوأ أزمة اقتصادية تعيشها منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.

واستقال الحريري تحت ضغط احتجاجات حاشدة ضد النخبة الحاكمة، انطلقت منذ 17 أكتوبر الماضي، وكان من المتوقع إعلانه رئيساً للحكومة الجديدة هذا الأسبوع وهو المنصب الذي شغله ثلاث مرات من قبل. وقال في بيان الأربعاء "أعلن أنني لن أكون مرشحاً لتشكيل الحكومة المقبلة وأنني متوجه غدا للمشاركة في الاستشارات النيابية على هذا الأساس، مع إصراري على عدم تأجيلها بأي ذريعة كانت".

كما أضاف "ولما تبين لي أنه رغم التزامي القاطع بتشكيل حكومة اختصاصيين" لم يغير آخرون مواقفهم.

 

اقتراحات مرفوضة

وكانت مصادر مواكبة تحدثت عن أن الاتصالات منذ مساء الاثنين الماضي طرحت مرة أخرى اسم الرئيس تمام سلام لتولي رئاسة الحكومة في حال رفض الحريري، لكن سلام كرر اعتذاره مرة أخرى، بالتوازي مع اتصالات بُذلت لتسمية الحريري بدفع من بري و«حزب الله» الذي فتح خطوط التواصل بقوة مع «التيار الوطني الحر»، كما فُتحت خطوط تواصل بري بفعالية مع الرئيس ميشال عون.

وقالت مصادر بري لـ«الشرق الأوسط»، "إن رئيس مجلس النواب كان مصرّاً على تسمية الحريري، من غير أن تنفي أنه قام بمروحة اتصالات وجملة مساعٍ لمحاولة رأب الصدع بين الحريري من جهة؛ ورئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» من جهة ثانية، مشيرة إلى أن نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي خرج من «عين التينة» أمس مُحمّلاً بجملة نصائح، كما حمل الحريري يوم الثلاثاء جملة نصائح أيضاً. ويتصدر تمسّك الحريري بتشكيل حكومة تكنوقراط، ودفع «التيار الوطني الحر» نحو حكومة تكنوسياسية، العوائق التي تحول دون تسمية «التيار» للحريري، علماً بأن كتلته النيابية (لبنان القوي) تُعدّ الكبرى مسيحياً، وهو ما دفع الاتصالات باتجاه «التيار» لتوفير ميثاقية لتسمية الحريري لرئاسة الحكومة.

وكان التوجه لدى «التيار» إلى وضع اسم الحريري في حال الاتفاق عليه، بعهدة رئيس الجمهورية أو الامتناع عن التصويت، من غير أن تنفي مصادر قريبة منه أن هناك أسماء أخرى مطروحة أيضاً لترؤس الحكومة، وظهرت في تصريحات بري أمس دعوات للتنازل بهدف تحقيق خرق في المشهد المقفل؛ إذ قال بري في لقاء الأربعاء النيابي أمس: «لأن موضوع الحكومة أصبح موضوعاً كيانياً ينبغي مقاربته بتقديم التنازلات، فالاستشارات النيابية مكانها الطبيعي عبر المؤسسات الدستورية وليس في تأجيج الصراعات وتفخيخ الشوارع والساحات»، ودعا الجميع «إلى الإقلاع عن سياسة المكابرة والإنكار، والعمل بمسؤولية وطنية على نزع كل عوامل التعطيل، وعدم التقليل من خطورة الوضع إذا بقيت الأمور على حالها، حيث لم يعد مقبولاً ولا مسموحاً الاستهتار بمصالح لبنان واللبنانيين».