دبي ـ جمال أبو سمرا
ظهر الخيل مرّة أخرى في شعر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ولأنّ الخيل والسيف والقلم والفروسيّة عناوين بارزة في شعره؛ فإنّ هذه الخيل إما أن تأتي بناتًا لأفكاره أو قصائد ذات أنفة وشمم وهمم عالية كبيرة، أو هي تحمل أصالة السلالة العربيّة التي لا تقف أمامها سلالة؛ خصوصًا وأنه يؤكّد لنا في القصيدة كم يهتمّ بالخيل التي لا تكون نتيجتها في مسابقة إلا فوزًا، كما هي الحال في “كأس دبي” الذي تتهيّأ له خيل آل مكتوم للفوز، وليس غير الفوز.
أنفة وكبرياء، حماسة وقوّة، جزالة وفحولة، سلالة وهمّة عالية، ميدان لا يحتمل غير الأصيل من الخيل، وكما هو ميدان محمد بن راشد آل مكتوم؛ فإنّ ميدان السباق يخلص في الانحياز للفرس السبوق، فهما ميدانان: ميدان الشعر، ومن هو هذا الذي يباري فيه، وميدان السباق، ومن هو هذا الذي يتفوّق فيه على خيل آل مكتوم فيه.
ينطلق انطلاقة الواثق المتحفّز شديد الترقّب للنتيجة، ليس لأنّه لا يعلمها، ولكنْ، لأنّه يريد أن يكحّل الناس أعينهم بفوز خيله في هذا الميدان الذي لا مجال فيه لغير الأصيل، فهو يرحّب بالخيل والفرسان ويرحّب معهم بضيف معنوي، هو الشرف والمرجلة والمعالي؛ فالمشاركون هم أصلاء ولهم ذواتهم في المشاركة؛ يشفع لهم تاريخهم الحافل بالفخر والبطولات والجلال، وفي ذلك ما يدعم قوّة المسابقة والتنافس، إذ لا يظهر فوز بقيمته الحقيقيّة ما لم يكن مع الأقوياء، ولذلك يصدح فرحًا ومستبشرًا ومهتمًّا بالاحتفال في أبيات القصيدة الاستهلاليّة، ثمّ يسوق في القصيدة معزّة الضيوف في بلد يكرم فيه الضيف، فشعب الإمارات شعب مضياف أصيل كريم ومثالي، ولهم مع الفروسيّة صداقة وخبرة، كيف لا، وهم “أهل الرّمك فرسانهم تسبق الخيل”، وكيف لا، وهذه الخيول الأصيلة هي وريثة سلالة لم يأت بها المال، ولم تكن يومًا مشتراة، لكي تشارك في فوزٍ وتفوز فيه، فهي عربيّة المنبت، أخذت من بيتها العربيّة ومحيطها الأصيل كلّ صفاتها، بل إنّ نسبها لا يخالطه تعثّرٌ أو ترددٌ أو شك، فهي وُجدت ليومٍ تفتخر فيه بالفوز، وهي التليدة التي تعود إلى ديرتها بفرحٍ وشوقٍ لا يمكن وصفه إلا إذا استطعنا أن نصف فرح الغالي الذي يعود إلى بلاده التي يحبّها ويشتاق إليها، ثمّ إنّها تُصنع لأجلها التماثيل” فحولها سوّوا لأجلهن تماثيل”، بل إنّها ليست غريبةً على الفوز والسبق والرشاقة، بل لم يكن فوزها جديدًا عليها، فهو طبعها المتأصّل في كل تفاصيلها العربيّة التليدة المعتَّقة بالنسب الواضح البيّن الذي لا مراء فيه.
وتظهر مواهب آل مكتوم وطاقاته الذهنيّة والأدبيّة في تأكيد نسب خيوله، ومعرفته بأنواع الخيول العربيّة والأوروبيّة “سلالات دالي”، وفي ذلك خبرة ومعرفة وفطنة وحسن تشبيه، إنّها الخيل التي لا تشبه في مضمار الركض والعدو إلا “البروق المشاعيل” وتلك صورة حسيّة قويّة لسرعة الجري فكأنّها لا ترى من شدّة ومضتها في الميدان، ومن طبع هذه الخيول أنّها لا تعطي الخيول المنافسة الأخرى أيّة مسافة أو “تمهيل” يمكن أن تسهم في الفوز، وما ذاك إلا لأنّها خيل مُدرّبة عارفة بتقنيات الفوز وخططه وتحدّيات الميدان الواسع الفسيح.
إنّ حين يقول “لهن أنا موقّع على صك توكيل”، يحمل لنا ثقته وتأكيده للفوز، وفي ذلك صورة فنيّة غاية في الذّكاء، كضمان على الفوز، لأنّه لا يقول هذا إلا وهو متأكّدٌ جدًا بل واثقٌ أشدّ الثقة بالنتيجة التي أعلن عنها وقررها في مستهلّ قصيدته وهي الفوز، والفوز لا غير.
ويوضّح آل مكتوم للقارئ أسباب ثقته هذه، رأفةً منه بالمتلقي الذي قد يعجب لهذه الثقة التي لا تجاريها ثقة؛ ف الذي اعتنى بخيله غراسًا صغيرة ها هو يقطف اليوم جنى هذه الرعاية “جنيتهن بالعز جني المحاصيل”، خصوصًا وأنّه ظلّ راعيًا لذلك في أوّل صباه واليوم أمّد الله في عمره، فهي خيلٌ فيها من صفات البشر الكثير في الفهم والحنكة والذكاء، ثمّ إنّها كذلك تحمل صفات الجنّ في الاحتمال والقوّة والسرعة والإدهاش، فهي خيل لا تستحقّ إلا الإكرام، إذ لا يهينهنّ إلا جاهلٌ بشيم الخيل العربيّة والسلالة العريقة التي تظلّ دائمًا محلّ عنايةٍ وتقدير.
إنّها خيل آل مكتوم، وإنّه “الكاس”؛ “كاس دبي” في المقابل، لا تساهل فيه، فهو جواز سفرٍ إلى العالميّة، فلمن حازه حظٌّ كبير وشأنٌ عظيم، وعليه تنهلّ التهاني، و”يشرب الفوز حالي”، أي يشربه صافيًا هنيئًا مريئًا، فهنيئًا لهذا الفوز الكبير في تظاهرة رياضيّة ثقافيّة اجتماعيّة أدبيّة هي “كاس دبي”.
على مستوى الصور الفنيّة، نلمح كيف وصف المشاركين بأنّهم “كسّابة الطولات”، و”أهل الشرف”، كما نرى جمال صورة “ فرسانهم تسبق السيل” كنايةً عن السرعة، فـ”الخيل م الخيال أوّل وتالي” أي أن الفرس من الفارس، وهو تشبيه جاري مجرى المثل، ونقف كذلك على جماليّة الوصف في قول “في وصفهن وصف البروق المشاعيل”، كنايةً أيضًا عن السرعة، لنقف عند قول آل مكتوم “لهن أنا موقّع على صك توكيل” كنايةً عن الثقة والمعرفة المسبقة بالفوز، كما يلفتنا أن يستعير للخيل صفات البشر في الفهم والدراية، وصفات الجن أيضًا في التحمّل والقوّة، كما نختم بجمالية التشبيه في قوله “ويشرب الفوز حالي” كنايةً عن التمتّع بالنتيجة والفرح بها عن جدارةٍ واستحقاق في هذا الكأس الإماراتيّ العربيّ العالمي، كأس دبي.